أزمة كهرباء إيران... التقنين يلف المدن وانتقادات تطاول الصادرات

31 يوليو 2018
التقنين يزيد المعاناة الاقتصادية للإيرانيين (Getty)
+ الخط -
تواجه إيران  منذ فترة ارتفاعاً كبيراً في معدلات استهلاك الكهرباء، ما اضطر المعنيين إلى المباشرة بمرحلة تقنين قطع الكهرباء عن بعض المناطق في المدن، وعلى رأسها العاصمة طهران، لعدة ساعات يومياً، فضلاً عن تقليل ساعات الدوام في المؤسسات الإدارية الحكومية، في محاولة لخفض الاستهلاك. 

هذا الأمر ترك تبعات داخلية وخارجية على حد سواء، إذ انعكست الأزمة على صادرات إيران من الكهرباء إلى دول الجوار، فتحول هذا الملف إلى عنوان سياسي يعني الأمن القومي في البلاد، مع ارتفاع الانتقادات التي طاولت إصرار الحكومة على تصدير الكهرباء من دون أن تكون قادرة على تأمين احتياجات  الداخل، خاصة في مواسم ذروة الاستهلاك.

وقد وصل الاستهلاك الكهربائي، خلال شهر يوليو/تموز الحالي، إلى معدلات زادت عن 50 ألف ميغاواط، وهو ما يطابق أحيانا معدلات الإنتاج اليومية، أو ينقص عنها قليلاً. واقع دفع المعنيين في وزارة  الطاقة ومؤسسة الكهرباء إلى دق ناقوس الخطر. وبحسب وكالة إيسنا، فإن الاستهلاك في العام الماضي قد ارتفع عن العام الذي سبقه بنسبة 8.5%.

وتستهلك إيران الكهرباء بمعدلات تزيد ثلاثة أضعاف عن متوسط المعدل العالمي. وبحسب تقارير للبنك الدولي، فإن متوسط الاستهلاك العالمي للكهرباء في المنازل يبلغ 900 كيلوواط في الساعة، بينما يصل في إيران إلى 2900 كيلوواط، وهو ما يجعلها واحدة من عشرين بلداً الأكثر استهلاكا للكهرباء. ووفقاً لذات الجهة، فإن البلاد تستهلك وتصرف الطاقة بمختلف أنواعها بمعدلات أعلى بأربع مرات عن المتوسط العالمي أيضاً.

ويقول المتخصص في الشؤون الاقتصادية، مهدي الياسي، لـ "العربي الجديد"، إن قطع الكهرباء عن بعض المناطق الإيرانية يرتبط بارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 40 درجة، وهو ما ترافق مع ارتفاع معدلات الاستهلاك، ليصل إلى أرقام قياسية هذا العام.

ويضيف، أن ذلك لم يترافق مع تحسين البنى التحتية لشبكة الكهرباء أو تطوير محطاتها، فحين يزيد الاستهلاك من المفترض أن يكون الإنتاج قادرا على تغطية الاحتياجات، وهو ما لم يحصل، معتبراً أن القطاع الصناعي الخاص بالكهرباء يحتاج إلى تطوير ومزيد من الاستثمارات الحقيقية.

ويتوقع الياسي أن يستمر التقنين إلى حين انخفاض درجات الحرارة، ويرى أن ترشيد الاستهلاك في الوقت الراهن قد يعيد الأمور إلى المسار الطبيعي ولن يحول المشكلة إلى أزمة كبرى، لكن ذلك لا يتنافى مع ضرورة تطوير المحطات والشبكة برمتها.

وعن معدلات الإنتاج، يقول وكيل وزارة الطاقة الإيرانية، ستار محمودي، لـ "العربي الجديد"، إن قدرة الإنتاج في محطات الكهرباء تبلغ 70 ألف ميغاواط في اليوم الواحد، وكانت وزارة الطاقة قد أعلنت، العام الماضي، أن هذا الرقم سيرتفع خلال هذه السنة إلى ما يزيد عن 80 ألفاً، وأضاف محمودي أن معدل الإنتاج الحقيقي والاستهلاكي يبلغ 58 ألفا تقريباً.

ويلفت إلى أن وزارة الطاقة ملتزمة بخطة تقوم على ضرورة عدم استخدام كل إنتاج البلاد من الكهرباء محلياً، لذا تعمل على التحكم في العرض والطلب، وعلى استيراد الكهرباء وتصديرها.

ويشير محمودي إلى أن مشكلة الاستهلاك الإضافي مؤقتة وتتكرر عادة في فصل الصيف، لكن ذلك يختفي في مواسم أخرى، وتصبح إيران قادرة على رفع مستوى صادراتها من الكهرباء، شارحاً أن إيران تتبادل الكهرباء مع عدة دول وأحيانا تصدّرها وتستوردها من ذات الدول، وهذا يعتمد على الحاجة، لكنها بشكل رئيس تصدّرها إلى العراق وأفغانستان وباكستان وتركيا، وتستوردها من أرمينيا وتركمنستان وأذربيجان. وبحسب مؤسسة الكهرباء، فإن ميزان الصادرات الإيرانية من الكهرباء إلى دول الجوار يبلغ ضعفي وارداتها منها.

وكانت وزارة الطاقة قد تقدمت، على لسان وزيرها رضا أردكانيان، باعتذار رسمي من المواطنين المقيمين في مناطق التقنين، وقال الأخير إن الأولوية حالياً تصب لصالح تأمين احتياجات الداخل من الكهرباء لا التصدير، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن هذا التقنين سيستمر حتى نهاية أغسطس/آب المقبل.

وفيما يخص انعكاس تبعات هذا الملف على الخارج، أبدت التصريحات الإيرانية تناقضاً فيما يتعلق بصادرات الكهرباء إلى العراق بشكل رئيس، فبعد قطع خط الكهرباء المغذي للعراق، وهو بقدرة ألف ميغاواط، مطلع يوليو/تموز الحالي، ذكرت بعض المصادر من العراق وإيران، على حد سواء، أن ذلك يرتبط بعدم سداد المستحقات من قبل الجانب العراقي.

لكن السفير الإيراني في بغداد، إيراج مسجدي، قال أخيراً إن الكهرباء تقطع لساعات وليس بالكامل، وإن العراق يدفع ما عليه من ديون. مؤكدا تسلم بلاده أكثر من عشرة مليارات دولار حتى الآن، وإن الصفقة ذاتها تسمح لإيران بقطع الكهرباء عن العراق إذا ما تأخر في تسديد الدفعات. إلا أنه نوه إلى مسألة ارتفاع استهلاك الداخل في فصل الذروة، معتبراً أنه من الطبيعي أن يترك ذلك تأثيراً على معدلات صادرات الكهرباء للعراق.

وقبل مسجدي كان أردكانيان قد أكد أن بلاده لا تصدر الكهرباء في الوقت الراهن للعراق. ونقل موقع مردم سالاري أونلاين عن أمين الغرفة المشتركة الإيرانية العراقية، سيد حميد حسيني، قوله إن التغطية على هذا الموضوع وتناقض التصريحات حوله يعودان إلى ضغوطات الرأي العام، فكيف يمكن للإيرانيين أن يتفهموا مسألة تصدير الكهرباء للخارج مقابل قطعها عنهم؟

ويقول خبير شؤون الطاقة، حسين أنصاري، لـ "العربي الجديد"، إنه كما تصدر إيران الكهرباء للعراق فإنها تستوردها من أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، وتحاول ألا تقع في مشكلة الاحتياجات المحلية. فالبلاد تواجه أزمة في التبادلات المالية من جهة، كما تعاني أحيانا من مشكلة تأمين السلعة التي تتفق مع دول الجوار على تصديرها إليها من جهة ثانية.

ويرى أنصاري أن الاستهلاك العالي يعرقل حلم رفع مستوى صادرات الكهرباء للعراق ولغيره، نافياً أن يكون سبب قطع الكهرباء عن العراق مرتبطاً بالديون المتراكمة هذه المرة، وهو ما حصل في وقت سابق، "فإيران تصدّر من ألف إلى ألفي ميغاواط من الكهرباء للأراضي العراقية، وهذا يعتمد على الظروف وعلى قدرة محطاتها، ولا سيما مفاعلات الطاقة المائية التي توّلد الكهرباء، وتتأثر سلبا في بعض الأوقات بسبب عامل الجفاف".

وبعيدا عن العراق، تركز طهران كذلك على صادرات الكهرباء لأفغانستان، وكان وزير الطاقة قد زار محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة جنوب شرقي البلاد، في وقت سابق، وافتتح مشروعا من شأنه رفع مستوى صادرات كهرباء بلاده لهذا البلد. وانتقد البعض في الداخل هذا الأمر، باعتبار أن إيران ما زالت غير قادرة في بعض أوقات العام على تأمين الكهرباء اللازمة لها.

ونقلت صحيفة شرق الإصلاحية عن عضو مجلس إدارة نقابة الصناعة الكهربائية، مهدي مسائلي، تأكيده أن العلاقات السياسية تستدعي توجه طهران نحو دول الجوار، فتعطي وعودا غير قادرة على تحقيقها، متخوفا من عدم القدرة على الالتزام بالاتفاقيات مع أفغانستان مستقبلاً كما يحصل مع العراق.

ومع ذلك، تذكر مواقع ثانية أن حجم صادرات الكهرباء الإيرانية لأفغانستان ليس بالرقم الهام، ولا يتجاوز 190 ألف كيلوواط يومياً ويؤمّن كهرباء المناطق الحدودية وقرى قريبة من الشريط الإيراني. وبحسب وزارة الطاقة، فإن هذا الرقم سيرتفع مستقبلاً.

تركمنستان أيضا تخطط لمشروع نقل كهربائها لدول القوقاز عبر إيران، وقد أعرب وزير الطاقة عن أن إيران تنوي تطوير مشاريع لنقل الكهرباء مع جيرانها، وستمد خطاً مع تركمنستان وآخر مع أرمينيا، وهو ما من شأنه أن يرفع معدلات واردات إيران من الكهرباء، وسيتيح تنفيذ تعهداتها مع الجيران الموردين للكهرباء الإيرانية.

مساعد وزير النفط حميد رضا عراقي قال أيضاً إن إيران ستخصص 10% من الكهرباء المستوردة من أرمينيا لتصدرها إلى جورجيا، فأرمينيا تنتج الكهرباء باستخدام الغاز المصدر إليها من إيران وتحولها للشركة الوطنية للغاز فيها.
المساهمون