تونس.. عملات جديدة لمواجهة التهريب والاقتصاد الموازي

23 اغسطس 2016
عملية طباعة العملة مكلفة (فرانس برس)
+ الخط -
يقترح مختصون على الحكومة التونسية وصفة جديدة لتطويق الأسواق غير الرسمية ( الاقتصاد الموازي) الآخذة في الانتشار، وذلك عبر استبدال الأوراق المحلية المعمول بها حاليا، ما يُجبر المتهربين على إظهار مدخراتهم من العملة الحالية، خوفا من تلفها.
ولا تزال الحكومة، رغم التفاقم غير المسبوق للاقتصاد الموازي، تبحث أدوات الحد من هذه الظاهرة التي أتت على نحو 50% من الاقتصاد التونسي، وفق بيانات متطابقة للعديد من المنظمات المحلية والدولية.
ويعتقد مختصون أن طباعة أوراق نقدية جديدة سيدفع تجار السوق السوداء ممن يحوزون مبالغ ضخمة من العملة نقدا، على التقدم بها للمصارف بهدف استبدالها بالعملة الجديدة، مؤكدين على أن هذا الحل يساعد بشكل كبير على إدماج جزء من عائدات الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية المنظمة.
ويفضل أباطرة الاقتصاد الموازي وكبار المهربين عموما إلى استعمال السيولة في كل معاملاتهم، بعيدا عن المصارف ومصالح الجباية، وهو ما ولّد أزمة سيولة في المصارف، فضلا عن غياب استشراء ظاهرة تبييض (غسل) الأموال في القطاع العقاري وغيره من القطاعات التي تمثل ملاذا آمنا بالنسبة إليهم.
ويعتبر الخبير المصرفي والمالي أشرف العيادي، أن طبع أوراق مالية جديدة من الحلول الجيدة المعمول بها في العديد بعدما عانت من ارتفاع منسوب التهريب وتضررت اقتصاداتها من الأنشطة الموازية.
وأشار العيادي في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أنه يتبنى ويساند فكرة تغيير العملة المحلية بعملة جديدة، شرط أن تكون هذه الخطوة مسبوقة بدراسة جدوى معمقة تنجز بالاشتراك بين وزارة المالية والمصرف المركزي لتقييم مردوديتها على الاقتصاد، لافتا إلى أن عملية طبع العملة مكلفة.
وأضاف الخبير المالي، أن طبع عملة جديدة مع تشديد المنظومة القانونية، سيدفع كبار المهربين إلى إخراج المبالغ الطائلة من العملة المخزنة لديهم بغاية استبدالها بأوراق جديدة، مشيرا إلى أن عملية الاستبدال يجب أن تكون مصاحبة بتصريح ضريبي على غرار التصاريح التي تتقدم بها الشركات الاقتصادية، وهو ما يجعل المنفعة مضاعفة وفق تقديره، أولا باستخلاص الضرائب على الأموال المصرح بها، ثم توفير السيولة للمصارف.

وشدد العيادي على ضرورة الإعداد القانوني لمثل هذه الحلول، وذلك عبر وضع سقف مالي معين لكل الشراءات النقدية، لافتا إلى أن المهربين سيلجؤون في هذه الحالات إلى تهريب أموالهم في شراء العقارات أو الذهب، وهو ما قد يؤدي إلى المضاربة، حسب قوله.
ويؤكد تقرير لمنظمة "غلوبال فيننشال" الأميركية، أن وتيرة الأموال المشبوهة والمهربة في تونس ارتفعت لتبلغ خلال سنتي 2012 و2013 نحو 4.1 مليارات دولار، أي بزيادة 20% مقارنة بالفترة التي سبقت الثورة.
واحتلت تونس وفق التقرير ذاته، المرتبة الثامنة عربيا والمرتبة السابعة والخمسين عالميا في الاقتصاد الموازي.
وتشير المنظمة الأميركية إلى أن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب هي أخطر الجرائم المالية ذات الانعكاسات الخطرة على الاقتصاد التونسي ومجتمعه، مشددا على أن القضاء على الإرهاب وجرائمه يستوجب القضاء على مصادر تمويله، خاصة وأن مرتكبي الجريمة المنظمة يسخّرون كل طاقاتهم للتمكّن من الاندماج في النظام المصرفي للدول.
وقال الخبير الاقتصادي معزّ الجودي، إن الحل المقترح من قبل خبراء ماليين، يأتي في إطار جملة من الإصلاحات التي يتعين على الحكومة القيام بها لتطويق التهريب والحد من تداعياته على الاقتصاد، لافتا إلى أن تغيير العملة عملية مكلفة نسيبا، لكنّها ستوفر أرباحا كبيرة للدولة، في ظل وجود عشرات المليارات التي تتدفق من نشاط الاقتصاد الموازي.
وأضاف الجودي لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة التونسية مدعوة للبحث بجدية في هذا الحل لتوفير السيولة اللازمة لتمويل الاقتصاد وتحسين نسب النمو، مشيرا إلى شبكات التهريب والسوق السوداء تتغذى على حالة الوهن التي تمر بها البلاد على جميع الأصعدة.
وتتطلع الحكومة وفق الأهداف المرسومة في قانون المالية 2016، إلى النزول بنسبة الاقتصاد الموازي من 50%، حاليا، إلى 20% بحلول عام 2020.
وتسعى الحكومة عبر الخطة التي رسمتها، إلى إجراء إصلاحات عميقة في الجمارك والجباية، فضلا عن تقليص الرسوم الموظفة على بعض المواد التي تجد رواجا في السوق السوداء.
غير أن أكثر الحلول الحكومية تبقى في نظر المتابعين للشأن الاقتصادي غير كافية، في ظل غياب قرارات تمس المهربين وتجبرهم على التصريح بأموالهم وإدراجها ضمن الدورة الاقتصادية بصفة قانونية.

المساهمون