الحرب تنعش السوق السوداء للأدوية في اليمن

27 نوفمبر 2019
تدهور القطاع الصحي في اليمن (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
أدى استمرار الحرب بين الفرقاء في اليمن منذ سنوات إلى ازدهار السوق السوداء للأدوية، كما فتحت الأبواب على مصراعيها لأنشطة التهريب.

ومن أبرز أسباب أزمة الأدوية إصدار السلطات التابعة للحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء تراخيص لتأسيس شركات الأدوية لمقربين منها تلاعبوا في الأسواق، بالإضافة إلى عرقلة قوات التحالف العربي وصول الأدوية عبر المنافذ البرية والبحرية، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".


ويكشف رئيس "مركز كايزن" للتوعية بأضرار الأدوية المهربة (مستقل)، مهيوب الشبيبي، عن افتتاح نحو 100 شركة جديدة تعمل في مجال الأدوية خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن نسبة الأدوية المهربة تبلغ أكثر من 50% من نسبة الأدوية المتوفرة في السوق حاليا.

ويضيف الشبيبي في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "بداعي الحصار الذي يفرضه التحالف السعودي الإماراتي على اليمن تم السماح للأدوية المهربة مجهولة المصدر بالدخول وذلك بعد أن تم التمهيد لها وتقنينها من خلال إنشاء شركات جديدة".

ويوضح الشبيبي أن شركات الأدوية والمستلزمات الطبية كانت حتى ما قبل الحرب اليمنية محتكرة من قبل تجار وجهات معينة وبتواطؤ من الهيئة العليا للأدوية، ولكن خلال السنوات الأخيرة فتحت الهيئة العليا التابعة للحوثيين الباب أمام جميع المستوردين وأغلبهم من الموالين لهم وذلك بهدف الحصول على أموال طائلة من خلال ما تبيعه تلك الشركات أو بتحصيلها رسوماً غير قانونية من الشركات الأخرى.


وفي المقابل، اختفت الأصناف الأصلية وارتفعت أسعار المتوفر منها بنسبة 100%، وهو الأمر الذي جعل المواطنين يعزفون عنها ويذهبون لشراء الأدوية المقلدة رخيصة الثمن وفقاً لعاملين في القطاع الدوائي.

وفي محاولة لمواجهة هذه الظاهرة بادر العديد من العاملين في القطاع بتأسيس مركز خاص من أجل التوعية بأضرار الأدوية المقلدة والمهربة، ولكن تم محاربة المركز وإيقاف الدعم عنه من قبل الهيئة العليا للأدوية، وفقاً للشبيبي.

ومن جانبه، يرجع رئيس جمعية حماية المستهلك، فضل منصور، أسباب تفاقم المشكلة الصحية في البلاد ولجوء بعضهم إلى توفير الأدوية عبر التهريب إلى الحصار الاقتصادي الذي يفرضه التحالف السعودي الإماراتي، وإغلاق مطار صنعاء وبقية المطارات اليمنية وكذلك ميناء الحديدة، إذ انعكس الأمر سلباً على انتظام تدفق الأدوية وانسيابها بشكل طبيعي إلى جانب أزمة انعدام الكثير من المستلزمات الطبية الهامة.

ويُقر منصور في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن ظاهرة التهريب رغم أنها قديمة، لكنها ازدهرت خلال سنوات الحرب والتي تفشت خلالها الأمراض وتوقفت الكثير من شركات الأدوية عن الاستيراد.

ومن بين العوامل التي ساهمت في توسع ظاهرة التهريب وفقاً لمنصور، صعوبة استخراج التراخيص من دول التحالف والتعقيدات الإدارية في منافذ الوصول والنقاط على طول الطرق بين المدن والتي ينتج عنها تأخر وصول الشحنات ما خلق سوقا سوداء كبيرة للأدوية.

ويؤكد منصور أن التحالف طوال سنوات الحرب الخمس الماضية لم يراعِ الجوانب الإنسانية ولم يكلف نفسه إعطاء الأولية بدخول الأدوية والسلع المهمة لتوفير احتياجات حوالي 26 مليون مستهلك، رغم أن قائمة طويلة من تلك الأدوية تأتي من دول التحالف نفسها.

ويشير إلى أن المستهلك اليمني هو الضحية في نهاية المطاف والغالبية من المواطنين يلجؤون لشراء الدواء الرخيص وأغلبهم يعلمون بأنه مهرب وأن فعاليته غير آمنة وقد يسبب خطراً يهدد حياتهم، خاصة تلك العلاجات المتعلقة بأمراض السكري والقلب والكلى وغيرها من العلاجات الأساسية.


وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤول في وزارة الصحة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثي في صنعاء، والذي قال بدوره، إنهم نفذوا حملات ميدانية لمواجهة ظاهرة بيع الدواء المهرب، ولكنهم عجزوا في النهاية عن ضبط الأسواق والتحكم بها لصعوبة وتعقيد الوضع وانعدام الأدوية، خصوصاً أن الإنتاج المحلي محدود ولا يشمل الأدوية الأساسية التي تقرها قائمة منظمة الصحة العالمية.

ويرى المسؤول في وزارة الصحة، الذي رفض ذكر اسمه، أن الفوضى في سوق الأدوية وعمليات التهريب وانتشار الشركات غير القانونية ستستمر ما لم يقم التحالف بالسماح بدخول شحنات الدواء وتقليص الإجراءات وتبسيطها للمستوردين.

وفي ذات السياق، قال رئيس الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، محمد المداني، إن مواقع تصنيع الأدوية المسجلة في الهيئة قبل الحرب كان عددها 1860 موقعا تصنيعيا، وأصبح عددها الآن 1380 موقعاً بعد أن تمت غربلة الشركات التي لم تستورد خلال السنوات الأخيرة.

ويضيف المداني في حديثه لـ"العربي الجديد": نعاني في المركز الرئيسي بصنعاء من تهريب الأدوية القادمة من المنافذ الوحيدة لدخول الدواء والتي يسيطر عليها التحالف السعودي والإماراتي.

ومن جانبه، قال الباحث الاقتصادي، حسام السعيدي، لـ"العربي الجديد" إن جماعة الحوثي تهدف من وراء كل ذلك إلى تطبيق مخططها الرامي إلى التحكم والسيطرة الكاملة على الأسواق والحصول على مصادر دخل وتمويل جديد لعملياتها العسكرية.

وبحسب السعيدي، فإن الجماعة عملت خلال الفترة الماضية على إنشاء سوق موازية وإصدار قرارات ضد الصيدليات وشركات أدوية في صنعاء، ما أدى إلى إغلاق الكثير منها.

ووفق بيانات وتقارير رسمية صادرة عن الهيئة اليمنية للأدوية والمستلزمات الطبية، فإن اليمنيين ينفقون على الأدوية المصنعة محلياً والمستوردة من خمسين بلداً عربياً وأجنبياً نحو 117 مليون دولار سنوياً.

المساهمون