أين وصلت مقاطعة قطر؟

04 ابريل 2018
مؤشرات اقتصاد قطر نحو الأفضل رغم الحصار (Getty)
+ الخط -

نحن العرب قساة على بعضنا البعض، وحينما نستضعف جهةً ما، فإننا نحمّلها جام غضبنا على جرأتها لتحدي رغباتنا. وقد عانينا في الأردن، عبر تاريخنا، من هذه المعاملة في بعض السنوات، لمجرد أن مصالحنا القُطرية اقتضت منا أن نأخذ موقفاً مختلفاً. ولهذا، ترى كثيرين منا، بل وغالبيتنا كشعب، يتعاطف مع قطر، وينظر إليها على أنها الضحية، مثلما كنا نحن.

منذ أن اتُخِذ قرار مقاطعتها، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، وصفته دولة قطر بعقوبات اقتصادية ضدها، ما يعني أن القرار الذي تبنته أربع دول عربية (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) كان مخالفاً للقانون الدولي، باعتبار أن هذه العقوبات يجب أن تصدر عن الأمم المتحدة، أو جهات دولية مخولة بذلك.

ومن هنا، نرى أن هنالك فارقاً في التسمية بين قطر من ناحية، وباقي الدول المقاطِعة من ناحية أخرى. وقد نقول إنها مقاطعة اقتصادية، ولكنها في مضمونها وأهدافها عقوبات اقتصادية وحصار اقتصادي ضد التواصل مع قطر بحراً وجواً وبراً.

وكانت القرارات موجهة ضد كل ما تتمسك به دولة قطر حقا من حقوقها، وجزءا من سيادتها، فالشروط الثلاثة عشر التي وُضعت في البداية طالبتها بأن تكفّ عن تمويل الجهات الإرهابية وتأييدها. واشتمل تعريف المنظمات الإرهابية على جماعة الإخوان المسلمين. وكذلك طولبت قطر بإغلاق قناة الجزيرة، وجميع المنابر الإعلامية التي تحذو حذوها، وغير ذلك من طلبات كثيرة، ما كان لقطر أن تقبلها.

وإدراكاً من الجهات المقاطِعة أن طلباتها الكثيرة شبه مستحيلة القبول، فقد غلظت عقوباتها الاقتصادية وحصارها، حتى تضع قطر في موقفٍ صعب، لا تستطيع معه إلا رفع الراية البيضاء، والبدء في تطبيق الشروط المفروضة عليها، لكن ذلك لم يحصل.



وقد واجهت قطر في البداية إقبالاً من المواطنين والمقيمين على الأسواق، للتخزين تحسباً للمحظور، إلا أن الدولة تحرّكت ووجدت تجاوباً من عدة دول، أهمها تركيا، وإيران، والكويت والأردن ودول أخرى.

وفي الوقت نفسه، واجه اعتماد قطر على الدول المقاطعة في عدد من السلع والخدمات تحدياً كبيراً في بدايات الحصار الاقتصادي، لكن قطر سرعان ما شجعت على إيجاد بدائل، مثل التصنيع داخل البلاد، خصوصا منتجات الألبان، وعدم الاعتماد على موانئ الإمارات وغيرها.

وقد أدى هذا إلى إفادة دول الخليج غير المقاطعة، خصوصا سلطنة عمان والكويت، وقد اكتشفت قطر أن في وسعها أن تحقق فوائد من الحصار، ولكن هنالك بعض الخسائر.

ولعل من الخاسرين الخطوط القطرية التي حققت إنجازات كبيرة، ونافست بقوة خطوطاً ناجحة في الخليج، خصوصا طيران الإمارات وشركات أخرى مثل الاتحاد.

وبعد الحصار، صارت مدد الرحلات أطول، بسبب منع الخطوط القطرية من التحليق فوق أراضي الدول المحاصرة ومياهها الإقليمية، ما أطال من أمد الرحلات الجوية، ورفع الكلفة، وقلل من أعداد ركاب الترانزيت.

لكن الخسارة لا تتحملها دولة قطر وحدها، حتى في ظل القرار الإيجابي الذي اتخذه المسؤولون في قطر بعدم أخذ إجراءات انتقامية أو بديلة، فلم تطلب قطر من مواطني الدول المحاصِرة مغادرة أراضيها فوراً كما حصل مع القطريين المقيمين في دول الحصار.



وكذلك، لم توقف قطر استثماراتها في دول الخليج، وأخذت الأبعاد الإنسانية المؤلمة المتمثلة في سلخ أزواجٍ وزوجات مختلطين من قطر ودول الحصار وأبنائهم عن بعضهم بعضا.

وعلى الرغم من هذا الموقف الإيجابي لقطر، إلا أن هنالك خسائر لكل الدول. وأولى الخسارات التي تحتاج إلى حساب تفكك وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، وتراجع هيبتها بسبب هذا الموقف، فإحجام كل من دولة الكويت وسلطنة عُمان عن المشاركة في الحصار والمقاطعة جعل المجلس يبدو أكثر انقساماً. ولهذا تجلّت الخسارة في عدد من الأمور، أهمها زيادة تأثير الدول الأخرى الإقليمية والدولية في منطقتنا، على حساب دول الخليج خصوصا، والدول العربية عموما.

وثانيها أن الانقسام الخليجي أدى إلى الفرز العلني للمواقف العربية تجاه إيران وتركيا، وتجاه المنظمات المسماة إرهابية، وإلى تعزيز الموقف الإيراني، على الرغم من القول إن أحد أهداف الضغط على قطر كان إضعاف إيران.

ولعل أكثر القضايا تعرّضاً للتصفية هي القضية العربية الأولى في فلسطين وحقوق أهلها التاريخية في إقامة دولتهم المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وإشعار إسرائيل بالزهو أن العرب صاروا في حالةٍ لا تمكّنهم من مجابهة مخططاتها بتصفية القضية الفلسطينية، والاعتداء المستمر على المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة والأماكن المقدسة المسيحية في القدس.



ونقطة أخرى، وهي التجارة بين دول الخليج، والتي ستكون مستقبلاً معرّضة لتغيير وجهتها إلى دول أخرى. وقد بدأ هذا الأمر فعلاً، علماً أن أهم إنجاز لدول الخليج قبل الحصار كان وصولها إلى اتحاد جمركي، يسمح بتبادل البضائع والخدمات بينها بدون جمارك، وتقاضي الرسوم الجمركية نفسها على السلع والخدمات المستوردة من دول أخرى لا تجمعها اتفاقية تجارة حرة بها.

وأخيراً، خرجت أسعار النفط عن يد "أوبك"، لأن الدول العربية الأعضاء في "أوابك" أو منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط، والتي كان خمسة من أعضائها المهمين أعضاء في "أوبك" قد تقسمت مواقفهم. وصارت "أوبك" أكثر اعتماداً على التنسيق مع دولتين مهمتين، روسيا المؤيدة للنظام السوري والذي تعاديه دول الحصار، وإيران المستهدفة باستمرار من هذه الدول.

بعد ما يقارب 10 أشهر من الحصار، يثور السؤال الكبير: هل أدت العقوبات إلى تحقيق الأغراض منها، أم المرجو الآن إعادة النظر، وفتح باب التفاوض مع دولة قطر، والسعي إلى حل الخلاف بالوسائل التي تدعو فيها للتعامل مع إسرائيل، وهو التفاوض المباشر والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

أقول: لا يجوز أن تبقى قضية الحصار عالقة فوق الرؤوس، لأن إطالة أمدها ستقرّب احتمال الحرب، وتؤجج الحرب الإعلامية والاقتصادية. واحتمالات اللجوء إلى أعمال دموية في المستقبل تصبح أكبر، وكذلك التحريض على أمن الدول وأنظمتها. وإذا وصلنا إلى هذا الحد، سيكون العرب كلهم الخاسرين، وسيصبحون ملعباً ومرتعاً للأمم الأخرى.
المساهمون