لبنان "المفلس" يتّجه إلى مؤتمر "المانحين" متسلّحاً بإقرار الموازنة

30 مارس 2018
الحريري ينطلق إلى المانحين ببرنامج 16 مليار دولار (البرلمان)
+ الخط -

حقق لبنان إنجازاً مهماً، مساء أمس الخميس، بإقرار مجلس نوابه الموازنة العامة لسنة 2018، بعد إحالتها إليه من مجلس الوزراء، خصوصاً أنها تتوقع عجزاً قيمته 4.8 مليارات دولار، بانخفاض طفيف عن العجز المسجل في موازنة 2017.

في هذه الخطوة إشارة إيجابية داخلياً وخارجياً، إلى أن المؤسسات الدستورية قد بدأت عملياً تستعيد عافيتها، وإنْ ببطء، على المستويين التشريعي والتنفيذي، لا سيما مع انطلاق العد العكسي لانعقاد مؤتمر المانحين المعروف باسم "سيدر1" أو "باريس4" في 6 إبريل/ نيسان المقبل بالعاصمة الفرنسية.

إلا أن ما يعكّر صفوَ حراك لبنان باتجاه المجتمع الدولي حاملاً برنامجاً استثمارياً بـ16 مليار دولار، يتضمن 250 مشروعاً، هو ما صرّح به رئيس الجمهورية ميشال عون قبل 8 أيام أمام ضيفه ​البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي نقل عنه قوله إن "البلد مفلس"، مفجّراً قنبلة لا تزال شظاياها تتطاير حتى اللحظة.

صحيح أن الرئيس لم يصرّح بذلك رسمياً، لكن مكتب الرئاسة الإعلامي لم ينفِ القول، بل "أوضح" أن كلام الرئيس "لم يكن توصيفاً لواقع قائم، إنما تحذير من أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى وضع صعب". إلا أن التصريح أشعل أزمةً داخلية مع رئيس الحكومة وفريقيه الوزاري والسياسي، فضلاً عن إثارته تساؤلات بين الجهات المانحة عن قدرة لبنان لاحقاً على سداد القروض.



وفيما كان مجلس النواب يغوص، الخميس، في مناقشة الموازنة، كان عون، أمام وفد نقابة الصحافة، "يفرمل" اندفاعته المتشائمة، بالقول إنه أطلق التحذير من أن "لبنان يسير على طريق الإفلاس في حال أكملنا في النهج المتّبع، وذلك ليتحمّل الجميع مسؤوليته"، داعياً الإعلاميين إلى أن يتطوّعوا معه للمساعدة في تغيير الوضع الاقتصادي الصعب، حيث تفاقم معدّل البطالة "بشكل مخيف ليبلغ 46%".

في السياق، أشار عون قبل أيام إلى وجه آخر من وجوه أزمة الاقتصاد اللبناني، وهي قضية النازحين السوريين، التي قال إنها "باتت تشكل تهديداً وجودياً، لا سيما أنه لم يعد بمقدور لبنان تحمّل بقائهم لفترات غير محددة، نظراً إلى التداعيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية".

وليست انعكاسات الأزمة السورية على لبنان اقتصادياً بسيطة. ففي أواخر العام الماضي، عرضت وزارة الاقتصاد بيانات مصدرها البنك الدولي والمجتمع الدولي، بيّنت انخفاض نمو الناتج المحلي المجمل من 8% عام 2010 إلى ما بين 2% و3% وفق تقديرات عام 2017، وبتقدير أكثر تحفظاً عند 1.6% بحسب وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز".

وفي المعلومات، أن الأزمة السورية كلّفت اقتصاد لبنان 18 مليار دولار بين عامي 2011 و2017، وزادت نسبة الفقر 53% في الشمال، و48% في الجنوب و30% في البقاع.

كما تفيد الإحصاءات بأن معدل الراتب للنازح السوري 278 دولاراً، أي أقل 50% من الحد الأدنى للأجور في لبنان. أمّا الرقم الذي تعتبره وزارة الاقتصاد "صادماً"، فهو أن لبنان يستقبل، قياساً بعدد سكانه، النسبة العليا من النازحين في العالم والبالغة 35%.



صحيح أن ما يتحدث عنه رئيس الجمهورية هو أمر واقع، خصوصاً إذا ما أُضيف إلى تداعيات الأزمة السورية الفسادُ المستشري في الوزارات والإدارات العامة وحتى في أداء كثير من القطاع الخاص، علماً أن الحديث عن الفساد والهدر كان نجم مناقشات الموازنة العامة في مجلس النواب على مدى يومين، لا سيما المسائل المرتبطة بالمناقصات والصفقات المشبوهة، بخاصةٍ في ملف الكهرباء، الذي دعا عون في جلسة مجلس الوزراء، الثلاثاء الماضي، إلى الكفّ عن التأجيل والمماطلة في موضوعها الذي يدفع ثمنه اللبنانيون والخزينة، حيث يُقدّر عجزها الإجمالي بـ31 مليار دولار.

لكن استخدام الرئيس تعبير "إفلاس" البلد، استدعى تصدّياً من رئيس الحكومة سعد الحريري ومن وزير ماليته علي حسن خليل أثناء مناقشات الموازنة.

الحريري وجد نفسه مضطراً للدفاع عن موقف حكومته في البرلمان أثناء مناقشة الموازنة، قائلاً: "لسنا دولة مفلسة... علينا تخفيض إنفاقنا وصرف الأموال حيث هناك استثمارات. ولتعلموا أن الإصلاحات ستكون مؤلمة. وإذا أردنا التقشف فذلك لمصلحة المواطن".

كذلك، رد وزير المالية بالقول: "نحن أمام أزمة في نمو الدين، لكننا بالتأكيد لسنا دولة مفلسة، إنما موثوقة مالياً وتحترم التزاماتها ولم تتعرّض يوماً لانتكاسة في دفع التزاماتها للجهات المقرضة".

بالإجمال، بات التقاذف السياسي فولكلوراً لبنانياً معهوداً، خاصة في مرحلة التحضير لخوض الانتخابات النيابية، وما الهمّ الاقتصادي والمعيشي، فضلاً عن العامل الطائفي، إلا خير أداة يستخدمها السياسيون لشدّ العصب، استنهاضاً لهمم الناخبين. لكن اللجوء إلى المجتمع الدولي من أجل قروض "إسعافية" يستدعي من المسؤولين اللبنانيين تضامناً أكبر ليكون موقف لبنان مقنعاً أمام أصدقائه على الأقل.
المساهمون