السودان يستنجد بالاستثمارات العربية لسدّ الفجوة الغذائية

15 فبراير 2017
السودان يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي زراعياً (Getty)
+ الخط -
شهدت الفجوة الغذائية في السودان اتساعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة بسبب الاضطرابات السياسية والحصار الاقتصادي الأميركي وانفصال الجنوب، ما فاقم الأزمات المعيشية للمواطنين. واندفعت الحكومة الفترة الماضية نحو سد هذه الفجوة عبر خطط وبرامج تستهدف زيادة الاستثمارات الزراعية من خلال جذب العرب إلى البلاد، والاستفادة من تخفيف العقوبات الاقتصادية الأميركية.
ورغم الإمكانيات الزراعية الهائلة للسودان اضطرت الحكومة إلى زيادة المخصصات المالية للاستيراد لتعويض النقص الحاد في العديد من السلع الاستراتيجية، ما فاقم أزمتها الاقتصادية.
والأخطر أن الإنتاج الزراعي بات مهدّداً في ظل تغير المناخ وتحذيرات تقارير عالمية من مخاطر انخفاض الإنتاجية خلال عام 2025 وتراجع المساحات الزراعية إلى ربع المساحات الحالية البالغة نحو 175 مليون فدان، حسب تقارير غير رسمية، بسبب تزايد السكان وتدهور التربة جراء التغيرات المناخية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الزراعي، عبد العزيز مكاوي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك إمكانية لتحقيق استراتيجية الأمن الغذائي في حال اتخاذ قرارات جريئة، اتبعت فيها أساليب المحاسبة والمتابعة من أجل جذب الاستثمارت لهذا القطاع المهم. ولكن مكاوي يدعو إلى البحث عن سبل التدريب الحديثة واحترام المؤسسية، في ظل وجود خطط وبرامج وبحوث مهمة من قبل علماء في كافة المجالات لتطوير الزراعة والثروة الحيوانية، مشدّداً على أن السودان أكثر بلد يمكنه تأمين الغذاء العالمي وبأقل جهد ممكن.

فوائد رفع العقوبات
وأكد وكيل وزارة الزراعة والغابات الأسبق، عبد اللطيف عجيمي، لـ "العربي الجديد" أن السودان لديه موارد كبيرة، ولكن مطلوب منه البحث عن آليات تيسير الاستثمارات العربية وفق برنامج عمل وتمويل محدّدة، قائلاً "السودان يمتلك الأرض والماء والدول المستثمرة لديها المال والعلم والتقنية".
وأضاف عجيمي أنه "لا بد من نظام توافقي للوصول إلى صيغة استثمارية ترضي كل الأطراف، وخاصة أن الفجوة الغذائية في الدول العربية فاقت 50 مليار دولار، نصفها في القمح والمحاصيل الغذائية، وبالتالي سيستفيد العرب أيضاً من ضخ استثماراتهم في بلادنا". وشدّد على أهمية المتابعة الجدية من المستثمرين في استغلال الأرض الممنوحة.

وتابع عجيمي: "الآن الفرصة أضحت مواتية للسودان لإدخال تقنيات حديثة في المجال الزراعي وجذب رؤوس أموال، بعد أن تضرر السودان مؤخرا من الحصار الاقتصادي من أميركا والغرب".
وضمن قراراتها بتخفيف العقوبات الاقتصادية، كانت الإدارة الأميركية قد رفعت الحظر عن شركة "رينكي" التي تعمل في مجال تكنولوجيا الري الزراعي، وسمحت لوكيل الشركة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (وايرا جروب) للعمل في السودان وإدخال التكنولوجيا الأميركية إلى الخرطوم.
وقال رئيس مجلس إدارة "وايرا جروب" ووكيل شركة رينكي الأميركية محمد عبد الرحيم بابكر لـ"العربي الجديد" إن رفع الحظر عن هذه الشركة يمثل خطوة كبيرة في مجال التطور الزراعي في السودان نسبة لما تمتلكه هذه الشركة من تقنيات حديثة في مجال الري المحوري والري عبر الستلايت.
وتوقع بابكر دخول منتجات هذه الشركة إلى السودان أواخر فبراير/شباط الجاري، متمثلة في أفضل تكنولوجيا الإنتاج الزراعي بعد طلبات للحصول على الآليات الزراعية التي تعمل بالديزل والطاقة البديلة التي تقدمت بها العديد من الشركات الزراعية في السودان.

رؤوس الأموال
وقال الرئيس السابق للمجلس الزراعي السوداني التاج فضل الله عبد الرحيم، لـ"العربي الجديد": "ما نفتقده في السودان هو رأس المال المستثمر لتحقيق أمن غذائي لكل الدول العربية". وأكد عبد الرحيم على وجود خطط في كافة المجالات لتطوير القطاع الزراعي وتوفر الكادر البشرى إلا أنه يرى أنها غير فاعلة في ظل تحديات عديدة تواجه هذا القطاع.
وكان ممثل منظمة الزراعة والأغذية العالمية (فاو) بالسودان عبدو جامع قال، أخيراً، إن "السودان مؤهل عمليا ليكون سلة غذاء العالم لما يمتلكه من مقومات زراعية وبيئة طبيعية". وأكد على وجود تحول كبير في استخدام التقنيات الزراعية واهتمام حكومي مما يبشر بأن السودان أحد الدول المهمة في سد الفجوة الغذائية له وللعرب.
وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد" إن "الفجوة الغذائية في السودان تقدّر بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار سنوياً في القمح والدقيق والسكر والزيوت الطعام والأرز، وهو حجم واردات البلاد من هذه السلع، لسد احتياجات السوق المحلي".
ويرى أن السودان في الوقت الراهن لن يستطيع سد الفجوة الغذائية الداخلية ناهيك عن الفجوة العربية، ورغم ذلك توقع الناير جذب السودان لاستثمارات من دول الخليج لسد الفجوة الداخلية والانطلاق إلى سد فجوة بعض الدول العربية. ويؤكد أن رفع العقوبات الأميركية يسهم في تدفقات استثمارية تنساب من خلاله رؤوس الأموال، ما سيؤدي إلى الاتجاه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي للكثير من السلع. وأكد أن سد الفجوة الغذائية يتطلب استثمارات دول وليس استثمارات رجال أعمال لتحقيق الأهداف الكلية وفقا للمصلحة المشتركة.

وكان الاجتماع الاستثنائي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية الذي انعقد في الخرطوم يناير/كانون الثاني العام 2014 قد خلص إلى تنفيذ مبادرة الرئيس عمر البشير الرامية لتحقيق الأمن الغذائي العربي، إذ دعا الاجتماع مؤسسات التمويل والشركات العربية إلى تخصيص نسبة لا تقل عن 20% من رؤوس أموالها لدعم مبادرة البشير لسد الفجوة الغذائية.
واحتلت قضية الأمن الغذائي في السنوات الأخيرة قائمة التحديات الرئيسة التي تواجه الدول العربية والعمل العربي المشترك تتمثل في كيفية ضمان توفير الغذاء الكافي لنحو 350 مليون عربي إلا إن الفجوة الغذائية العربية اتسعت، فيما لم تحقق الزراعة العربية الزيادة المستهدفة في الإنتاج اللازم لمواجهة الطلب على الأغذية
وأشارت تقارير منظمة الأغذية والزراعة العالمية إلى أن الفجوة الغذائية العربية بلغت 50 مليار دولار في حين بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي العربي 50% من الحبوب و30 % لمحاصيل السكريات و30 % للزيوت في ظل ضعف الاستثمارات في المشاريع الزراعية، إذ يقل نصيب القطاع الزراعي في الدول العربية عن 5 % عن الاستثمارات الأخرى.
ويتوقع أن يواجه الوطن العربي فجوة غذائية بنحو 70 مليار دولار عام 2030 في حال لم تفعل الاستثمارات العامة والخاصة بما لا يقل عن 5 مليارات دولار سنوياً في القطاع الزراعي.

أراضٍ غير مستغلة
وحسب تقارير متخصصة فإن الأراضي المستغلة في السودان قليلة جداً، وفي هذا الإطار، قال الخبير الزراعي عبد العزيز مكاوي لـ"العربي الجديد": "للأسف لم نستغل الأراضي ونبحث الآن عن سد فجوة الغذاء من الخارج". وكشفت تقارير متخصصة عن عدم وجود مسح دقيق يظهر الأراضي غير المستغلة في البلاد، حيث لا توجد خارطة لاستخدامات الأراضي من خلال تعداد زراعي شامل، مما أدى إلى خلق مشاكل أمام المزارعين ومستثمري الثروة الحيوانية، ولا سيما عقب انفصال جنوب السودان عام 2011.
وصنّفت مؤسسة "غولدمان ساكس" الأميركية، في دراسة حديثة، السودان في المركز الأول في قائمة الدول التي تمتلك أراضي زراعية غير مستغلة، وذلك بمساحات تقترب من 80 مليون فدان، ما ساهم في عدم قدرة السودان على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وقدّرت تقارير زراعية إنتاج الحبوب في السودان بحوالي 6.049 ملايين طن منها ذرة رفيعة بحوالي 4.524 ملايين طن، والقمح 346 ألف طن وذرة الشامية 43 ألف طن وأرز 28 ألف طن. وأشارت التقارير إلى انخفاض إنتاج السكر وارتفاع إنتاج الخضر والفاكهة.

الاستثمارات العربية
وتواصل الحكومة السودانية استعداداتها لعقد المؤتمر العربي للاستثمار الزراعي المقرر عقده يومي 27 و28 فبراير/شباط الجاري الذي تنظمه الهيئة العربية في العاصمة الخرطوم، لبحث مشكلات القطاع الزراعي في الوطن العربي.
ويشارك في المؤتمر مسؤولون من الحكومات العربية ورجال أعمال ومستثمرون في المجال الزراعي وعدد من المنظمات العالمية والعربية وممثلو اتحادات المزراعين والاقتصاديين.
ويهدف المؤتمر إلى إيجاد حلول لمسألة الامن الغذائي الذي بات يواجه تحديات حقيقية في الآونة الأخيرة، نظرا لتفاقم مشكلة الفجوة الغذائية وتغيرات المناخ والبيئة وضعف الاستثمار المحلي للموارد المتاحة في العديد من الدول العربية، في ظل ما تشهده من أحداث أمنية وأوضاع اقتصادية.
وفي إطار مساعي الحكومة السودانية لجذب العرب لهذا القطاع، أجاز البرلمان السوداني في شهر يونيو/حزيران الماضي، اتفاقية منح بموجبها السعودية مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة بحق انتفاع مدته 99 عاما في مشروع "أعالي عطبرة الزراعي" الواقع شرقي البلاد. وفي الوقت الذي أكد فيه محللون اقتصاديون أهمية الاتفاقية في جذب الاستثمارات العربية للقطاع الزراعي، وجه برلمانيون انتقادات للمشروع الذي يؤثر سلباً على المواطنين في هذه المنطقة.
وكان رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي محمد بن عبيد المزروعي، أكد في تصريحات صحافية، أول من أمس، أن المؤتمر الذي سيعقد في الخرطوم الأسبوع بعد المقبل، سيعمل على استكشاف فرص الاستثمار الزراعي والغذائي في الدول العربية والاستفادة منها، وتعزيز جهود الحكومات بالمنطقة في سبيل تطوير وتحسين مناخ الاستثمار والتنمية الزراعية وجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية للاستثمار في القطاع الزراعي بمجالاته المختلفة من النباتي والحيواني والتصنيع الزراعي.
ونفذت الهيئة العربية أكثر من 33 مشروعا من جملة 40 مشروعا للأمن الغذائي في الوطن العربي، خلال الفترة الماضية، كما يوجد نحو 68 مشروعاً مستوفية لكل الشروط، ولكن لم يتحدّد موعد البدء فيها.
وحسب خبراء اقتصاد، توجد فوائض مالية بدول الخليج، إلا أن التحديات التي تواجه السودان تمنعها من الاستغلال الأمثل لهذه الأموال. وتعتزم الهيئة إنشاء صندوق عربي في السودان لحل جميع المعوقات، ومنها الطرق والجسور والكهرباء ووسائل النقل لتمهيد الأرض لجذب الاستثمارات الزراعية.
المساهمون