الذهب والنفط والدولار

03 يناير 2018
عملة البيتكوين تعاود الارتفاع (Getty)
+ الخط -


هنالك علاقة ثلاثية شبه مقدسة بين الذهب والنفط والدولار. وهي ليست سهلة، لكنها تتبع خطوطاً عامة، تشكل منطقاً واضحاً ومباشراً، فالذهب النقدي والدولار، هما المرجعان الأساسيان لتحديد أسعار العملات حيال بعضها بعضا، فإذا ارتفع الدولار مقابل العملات الرئيسية، نرى أن سعر برميل النفط، في غياب عوامل محفزة أخرى، يميل نحو الهبوط.

وإذا ارتفع سعر الذهب، ونزل سعر الدولار، فإن النفط سوف يميل إلى الارتفاع. ولكن لوحظت، في الأشهر الأخيرة، أمورٌ محيرةٌ قليلاً، فالدولار الذي استمر في ارتفاعه قد تزامن أخيرا مع ارتفاعٍ في أسعار الذهب، وارتفاع في أسعار النفط. وللحصول على إجابة على هذا اللغز، يجب أن ننظر لا إلى الحركة على منحنى العلاقة بين الذهب والدولار، أو بين النفط والدولار، ولكن إلى صعود هذا المنحنى كله إلى مستوى أعلى.

لقد أخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي (بنك الولايات المتحدة المركزي) قراراً برفع أسعار الفائدة، قبل ثلاثة أسابيع. وكان من المفروض أن يؤدّي هذا الأمر إلى ارتفاعٍ في سعر الدولار، وإلى هبوط في سوق البورصة الأميركية (ناسداك وغيره من المؤشرات).

ولكن ذلك لم يحصل، فقد أدى الدولار ميلاً نحو الانخفاض، وتأثر سوق البورصة يومين، ثم عاد إلى الارتفاع حتى فاق سقف 24500 نقطة، وهو أمر لم يحصل في تاريخه. وكذلك رأينا النفط، منذ ذلك التاريخ، يرتفع من 2 إلى 3 دولارات للبرميل الواحد، ليصل إلى أكثر من 66 دولاراً. أما الذهب فقد عاود ارتفاعه حتى قارب سعر 1300 دولار للأونصة الواحدة، من ذهب تروي عيار 24.

بالطبع، هنالك تذبذب في الأسعار بين يوم وآخر. فنجد أن الذهب يهبط إلى 1295 دولاراً، والنفط يهبط إلى حائط الـ65 دولاراً، والدولار يتراجع حيال العملات الأخرى نقطتين، ومقابل اليورو بشكل خاص.

ومن الطريف أن سعر "بيتكوين" الذي تجاوز الـ18 ألف دولار قد هبط إلى أقل من 15 ألف دولار، ليرتفع ثانية إلى 16 ألف دولار لكل وحدة من هذه العملة الافتراضية. والسبب هو تراجع الدولار.

والأمر الثاني أن القرارات الأوروبية بتنظيم بيتكوين، وتحرك البنك الاحتياطي الفيدرالي، بالاتجاه نفسه جعل المضاربين يشكّون في أن بالإمكان، في ظل هذه التنظيمات، الحفاظ على قيمة بيتكوين مرتفعة. ولما لاحظوا أن هذه الإجراءات التنظيمية لن تتحقق قريباً، عادوا إلى المضاربة عليه بسعر أعلى.

ولا بد هنا من متابعة بعض التطورات المهمة التي قد يكون لها أثر كبير ومباشر على تطور أسعار الدولار، والذهب، والنفط. ومن أول هذه التطورات توقّع ارتفاع معدل نمو الاقتصاد العالمي في حدود 3% على الأقل خلال عام 2018، وأن هذا النمو سيكون واضحاً في الاقتصادات الكبرى في العالم، مثل الصين، والهند، والولايات المتحدة، واليابان، وحتى أوروبا.

أما دول مهمة مثل أستراليا، وكندا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، فسوف تنمو بمعدلاتٍ أقل. وبالطبع، ستعني زيادة النمو بالضرورة زيادةً في الطلب على الدولار والعملة الدولية، والذهب كمخزون نقدي استراتيجي، والنفط بفعل زيادة الاستثمار والاستهلاك.

الأمر الثاني أن دولاً جديدة، كالصين والهند، قد بدأت تنافس على صدارة اقتصادات العالم، فقد باتت الصين، وخلال سنوات محدودة، قريبةً من قيادة العالم اقتصادياً كأكبر اقتصاد، بدل الولايات المتحدة.

ومن المتوقع، خلال سنوات، أن تصبح الهند خامس اقتصاد في العالم بعد ألمانيا، وأكبر من اقتصادي فرنسا وبريطانيا، علماً أن الهند تحتل المرتبة السابعة من حيث حجم ناتجها الاجمالي.

إذا حصل هذا التغير في ترتيب الدول، سوف تترتب على ذلك أدوار جديدة، فالملاحظ الآن أن أسعار الدولار، والنفط، والذهب تتحدّد، إلى قدر كبير، في الأسواق ذات العلاقة في الولايات المتحدة.

وفي نيويورك بالتحديد. هل سيبقى الحال على حاله، حيث يحرّك الفائض في المخزون الأميركي من النفط توجه سعر النفط عالمياً؟ وهل ستبقى بورصة نيويورك تحدّد أسعار العملات، والأسهم، والذهب؟ أسئلة يجب أن تطرح، وكيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي؟

وفي ظل السياسات التجارية الحمائية والانغلاقية التي يتبعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هل سيقل المعروض من الدولارات في أسواق اليورو دولار؟ وهل ستقبل باقي الدول، خصوصا الصين، استمرار هذا الوضع؟

وضع الاقتصادي الصيني، سونج هونج بنغ، كتاباً بعنوان "حروب العملات" عام 2007، وأعاد طباعته مع إضافات في عامي 2009 و2011، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً في الصين، وترجم إلى لغاتٍ عديدة. وفيه يطالب سونج بأن تكون في العالم عملات دولية قابلة للتداول غير الدولار. وبالطبع، استفاد من نظرية روبرت مونديل، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، والتي تقول إن العالم بحاجة إلى ثلاث مناطق للعملات، الدولار، واليورو، واليوان الصيني.

وحتى في ظل الحديث عن عالمٍ خالٍ من العملة، تبقى هذه النظرية صحيحة. ويجب التفريق هنا بين عالمٍ خالٍ من العملة، وهي الأوراق والمسكوكات النقدية، وعالم خالٍ من النقود، وهو أمر مستحيل، فالنقد يمكن أن يكون عملة، وأن يكون مجرد أرقام تتبادل عبر الشبكات. ولهذا النقد قيمة، وله سعر تبادل مع نقود أخرى.

أما إذا تحول صندوق النقد الدولي مستقبلاً، بحيث يصبح ممثلاً بكبار الأعضاء الجدد فيه، فإن كل نظرية الاستقرار النقدي الدولي، وفكرة تنظيم أسواق العملات ستختلف عما نشهده الآن.

هل سيقبل الأميركان بالأمر الواقع، ويرضون بأن يتقاسموا مع العالم النفوذ الكاسح الذي يتمتع به الدولار؟ أم أن مالكي البنك الاحتياطي الأميركي، والمتحكمين بعرض الدولار في العالم، سيكون لهم رأي آخر؟

إذا صار للعالم نظام جديد لتحديد أسعار عملات الدول، بموجب سلة عملات مكونة من اليورو والدولار واليوان، ولربما مستقبلاً بعد ربع قرن من الروبية الهندية، فإن علاقة الدولار بالذهب وبالنفط أو الغاز أو الطاقة المتجدّدة ستأخذ منحى آخر يستحق التأمل.

وعلى الوطن العربي أن ينتبه لهذه التطورات التي كانت قبل سنوات مجرد نظريات في الكتب. أما الآن، فقد صارت حقائق تلامس حياتنا ومدّخراتنا وثرواتنا ومستقبلنا كله.

المساهمون