أميركا تبدأ رحلة الدولار الضعيف والحكومة تتخلى عن العملة القوية

25 يناير 2018
ترامب يريد دولاراً ضعيفاً لزيادة الصادرات (Getty)
+ الخط -

عمق الدولار خسائره أمام العملات الرئيسية خلال تعاملات اليوم الخميس، مع تصريحات رسمية مؤيدة لضعف العملة الأميركية، وتوسيع واشنطن سياسة الحمائية الاقتصادية والتجارية،  وتطبيق سياسة "أميركا أولا" التي تتبناها حكومة الرئيس دونالد ترامب.

وانخفض الدولار أمام سلة من العملات إلى أدنى مستوياته منذ عام 2014 خلال تعاملات اليوم عقب تصريحات وزير الخزانة ستيفن منوشن أيّد فيها الأداء الضعيف للدولار بحجة زيادة الصادرات والاستثمارات الأجنبية ".

وقال منوشن للصحفيين في مؤتمر ملتقى الاقتصاد العالمي المنعقد حالياً في منتجع دافوس بسويسرا "من الواضح أن الدولار الضعيف سيكون مفيداً لنا، حيث أنه يخلق الفرص ويدعم التجارة".

وأكد أن حكومته ملتزمة بمعدل نمو 3% أو أكثر، وأنهم غير مهتمين بضعف الدولار على المدى القصير، لكن على المدى الطويل سيكون ارتفاعه نتيجة لقوة الاقتصاد الأمريكي.

وأضاف منوشين "أعتقد أنني كنت ثابتاً تماماً فيما يتعلق بالدولار...الوزراء السابقون سعوا إلى رفع الدولار عن طريق التصريحات..ما قلته هو أننا ندعم في المقام الأول التداول الحر للعملة.، لكنه شدد على أنه راض عن المستوى الحالي للورقة الخضراء، قائلاً إن "مستوى الدولار ليس مبعث قلق بالنسبة لي".

وحسب تصريحات وزير الخزانة الأميركي فإن تراجع الدولار أفاد الميزان التجاري الأميركي في المدى القصير، لكنه يؤمن بأهمية قوة العملة في المدى الطويل.

وانخفض مؤشر الدولار أمام العملات الأخرى لأقل من 90 لأول مرة منذ ديسمبر 2014 بعد تصريحات منوشن، وفي المقابل ارتفعت أسعار المعادن والأصول في الأسواق الناشئة.

وجاءت تصريحات وزير الخزانة الأميركي مخالفة للنهج المتبع في الإدارات الأميركية خلال العقدين السابقين على الأقل، وهو تفضيل سياسة الدولار القوي.

وفي العام الماضي، أيد منوشين في جلسة ترشيحه ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، لكنه أقر بأن ذلك يحد من قدرة البلاد على زيادة الصادرات، وهو ما مثل تكراراً لتعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقتها.

وقالت سيرين هاراجلي، مسؤولة استراتيجيات تبديل العملة ببنك ميزوهو بنيويورك "هذه الكلمات لها دلالة خاصة، حيث أنها أول مرة ومنذ فترة طويلة يتحدث فيها وزير الخزانة الأميركي ضد قوة الدولار".

وأكد محللون في "وول ستريت" أن تعليقات منوشن مثلت حافزاً جديداً لبيع الدولار، بعد قرارات ترامب فرض رسوم مرتفعة على واردات الغسالات والألواح الشمسية، وهي الخطوة التي أدانتها الصين وكوريا الجنوبية

وقال مسؤولون بالبيت الابيض يوم الثلاثاء إن ترامب سيستخدم خطابه فى دافوس غدا الجمعة للتأكيد على سياساته المنادية بـ" أميركا أولاً". 

وذكر مينه ترانج، كبير متداولي العملات لدى بنك "سيليكون فالي" في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، "في أي وقت نواجه فيه هذه الأنواع من المناوشات التجارية، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط على العملة الأميركية". 


وتاريخياً، كان بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي من أقل البنوك المركزية حول العالم تدخلاً في أسواق العملات، وكذلك الحال بالنسبة لوزارة الخزانة، وكافة الوزارات المعنية في الحكومة الأمريكية.

لكن كان من المألوف أيضاً أن نرى الدولار يتأثر بالسياسات المتعلقة بالضرائب (كما كان الحال في أغلب فترات 2017)، أو بالتجارة الأميركية، أو ببيانات العمل وقرارات أسعار الفائدة.

وحسب فيراج باتيل، المسؤول عن استراتيجيات تبديل العملة في بنك آي ان جي فإن "أياً كانت أسباب انخفاض الدولار، فهم سعداء جداً وهم يرونه ضعيفاً، قد يكون النمو العالمي هو الذي يتسبب في إضعاف الدولار، ولكن الإدارة الأميركية سعيدة لتأييد ضعفه". 

وانخفض الدولار أمام سلة من بعض العملات الأوروبية والين واليوان إلى مستوى 89.21 في تعاملات منتصف اليوم الخميس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما مثل انخفاضاً بأكثر من 1% من إغلاق اليوم السابق، ليصل إجمالي ما انخفضه من أعلى مستوى وصل إليه في ديسمبر / كانون الأول 2016 إلى حوالي 13%.

كما بلغت نسبة انخفاض الدولار حوالي 10% منذ يناير الماضي، عندما قال الرئيس دونالد ترامب إن "الدولار الأميركي قوي جداً، مما يعوق قدرة الشركات الأميركية على منافسة الصين والدول الأخرى".

ومثل انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى لغزاً كبيراً، حيث توقع الاقتصاديون ومتداولو العملات استمرار ارتفاع الدولار الذي بدأ في أواخر عام 2016، خاصةً مع تحسن الاقتصاد وتزايد توقعات رفع معدلات الفائدة على العملة الأمريكية.

كما أن عائدات السندات الأميركية تشهد حالياً ارتفاعاً ملحوظاً، وهو ما كان يتوقع أن يدعم الدولار، ومع ذلك استمر الدولار في الانخفاض أغلب فترات العام الماضي، وأيضاً في الأيام الأولى من العام الحالي 2018.

وقال خبراء اقتصاد إن الولايات المتحدة تدعم علناً ضعف الدولار، وأيضاً تفرض رسوماً على الواردات الأجنبية، وهو ما قد يدعو دولاً أخرى لاتخاذ نفس الخطوات، مما قد يشعل حروباً في التجارة والعملات

وعلق ايان شيفردسون من مؤسسة "بانثيون ماكروايكونوميكس" على تصريحات منوشن قائلاً "هذا النوع من القنابل، في نفس الأسبوع الذي يفرضون فيه رسوماً جمركية، هامٌ جداً"، مضيفاً: "المشكلة في هذا النوع من التصريحات هي أنها قد تدعو الآخرين للمعاملة بالمثل. فهذه التصريحات ليست ودية".

ولا يختلف أحدٌ على أن الدولار الضعيف يزيد الصادرات الأمريكية، إلا أنه في نفس الوقت يجعل العديد من السلع الاستهلاكية الأجنبية أغلى بالنسبة للمواطن الأميركي. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض شعبية ترامب، خاصة لدى الطبقات الأقل غناً. كما أنه في حالة قيام الدول الأخرى بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، بمبدأ المعاملة بالمثل، فإن ذلك سيؤثر بالسلب على المصنعين الأميركيين وعلى الاقتصاد الأميركي.

وكتب لاري كودلو، الاقتصادي الشهير وأحد أهم معاوني ترامب قبل فترة، مؤيداً الدولار القوي، وقال " إذا نظرت إلى فترات ضعف الدولار، وخاصة فى السبعينيات من القرن الماضي، وأيضاً أوائل الألفية الثالثة، تلاحظ أن الدولار المنخفض يرتبط عادة بارتفاع التضخم وارتفاع معدلات الفائدة وفترات انهيار الاقتصاد، وفي هذه الظروف، يفقد المستثمرون في الداخل والخارج الثقة، وينقلون أموالهم إلى مكانٍ آخر".

ومؤيداً الدولار القوي، قال كودلو " إذا نظرت الى فترات ضعف الدولار، وخاصة فى السبعينيات من القرن الماضي، وأيضاً أوائل الألفية الثالثة، تلاحظ أن الدولار المنخفض يرتبط عادة بارتفاع التضخم وارتفاع معدلات الفائدة وفترات انهيار الاقتصاد، وفي هذه الظروف، يفقد المستثمرون في الداخل والخارج الثقة، وينقلون أموالهم إلى مكانٍ آخر".

وأشار محللون ببنك أوف أميركا ميريل لينش، في مذكرة لعملائهم صدرت حديثاً، إلى التشدد الأميركي في السياسات الحمائية التجارية وفي مفاوضات نافتا، إلا أنهم رفعوا أيضاً توقعاتهم لمؤشر ستاندرد أند بورز S & P في نهاية العام إلى 3000، وهو ما يعني أن المستثمرين في الأسهم الأميركية لا ينبغي أن يقلقوا من الضعف الحالي للعملة الأميركية.

دلالات
المساهمون