أدرجت مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف" (FATF)، اليوم الجمعة، إيران على قائمتها السوداء بعد انتهاء مهلتها الرابعة لها لإقرار التشريعات اللازمة للانضمام إليها. و"فاتف" هي هيئة رقابية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف عملها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
واتخذت هذه المجموعة الدولية قرارها بإدراج إيران في قائمتها السوداء خلال اجتماع الدول الأعضاء الـ39، اليوم الجمعة، في باريس.
وفي أول تعليق على قرار "فاتف"، اعتبر محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، أن القرار "سياسي وغير مهني"، مضيفاً أنه صدر تحت ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل، "خلافاً لآراء خبراء المجموعة". وأشار همتي إلى أن بلاده بحسب بيانات مجموعة "فاتف"، اتخذت "خطوات كبيرة" في سبيل الانخراط فيها.
تداعيات القرار
وفيما تسود مخاوف في إيران من أن يؤثر إدراجها على قائمة "فاتف" السوداء على تجارتها الخارجية مع شركائها، خصوصاً في ظلّ العقوبات الأميركية التي تطاول كافة مفاصل الاقتصاد الإيراني، إلا أن محافظ البنك المركزي الإيراني أكد أن بلاده "نسجت علاقات مالية غير قابلة للحظر مع النظام المالي والنقدي في العالم خارج إطار فاتف".
وأضاف همتي أن البنك المركزي الإيراني سيستمر في سياساته "لأجل توفير الاحتياجات التجارية الإيرانية دون توقف"، مطمئناً الشارع الإيراني بأن "مثل هذه الإجراءات لن تخلق مشكلة للتجارة الخارجية الإيرانية ولاستقرار أسعار العملات في البلاد".
وارتفعت على مدى الأيام الماضية أسعار العملات الأجنبية في إيران، تحت تأثير أنباء راجت عن احتمال إدراج البلاد على قائمة "فاتف" السوداء، ليتجاوز سعر صرف كل دولار أميركي عتبة 140 ألف ريال، ليصل، أمس الخميس، إلى قرابة 145 ألف ريال. ومن المتوقع أن يترك قرار مجموعة العمل الدولية آثاراً سلبية عاجلة على البورصة الإيرانية، تظهر خلال فتح الأسواق غداً، السبت، وسط توقعات بأن الريال الإيراني سيواصل النزيف لتسجيل مستويات هبوط جديدة.
اتفاقيتان مثيرتان للجدل
وكانت مجموعة "فاتف" قد منحت مهلة رابعة وأخيرة لإيران، خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لإقرار التشريعات المتبقية للانضمام إلى هذه المجموعة، محذرة إياها، حينها، في بيان، من أنه "إذا لم تقر إيران قبل فبراير/ شباط 2020 اتفاقية باليرمو (لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود)، واتفاقية سي إف تي لمكافحة تمويل الإرهاب (CFT) بما يتماشى مع معايير فاتف"، فإن المنظمة "ستلغي بالكامل تعليق تدابير مضادة، وتدعو أعضاءها وتحث جميع الولايات القضائية على تطبيق تدابير مضادة فعالة".
وتشمل اتفاقية "سي إف تي" (الانضمام إلى معاهدة مكافحة تمويل الإرهاب)، البحث والتحرّي والردع، ومنع مصادر التمويل للأنشطة التي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية من خلال العنف والتهديد بالعنف ضد المدنيين.
خلافات داخلية
وأشعل الموقف من الانخراط في "فاتف" خلافات حادة بين الحكومة الإيرانية وأنصارها الإصلاحيين والمؤسسات السيادية الأخرى في البلاد، المحسوبة على المحافظين.
وكان مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، قد أقرّ مشروع الاتفاقيتين، العام الماضي، بعد تقديمهما من قبل الحكومة، لكنه عاد واحتكم إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام بشأن الخلاف الدائر حول المشروعين، بعد معارضة مجلس صيانة الدستور.
لكن المجمع الذي يشكل المحافظون غالبية أعضائه، البالغ عددهم 44 شخصاً، لم يبد رأيه النهائي حول المسألة، سواء لصالح الحكومة والبرلمان أو لصالح مجلس صيانة الدستور، على الرغم من عقده اجتماعات عدة في هذا الشأن، مع ميله إلى رفض الانخراط في هذه الاتفاقيات، وهو ما أظهرته التصريحات العديدة التي صدرت عن أعضاء بارزين فيه.
وينصّ الدستور الإيراني على أنه في حال فشل مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور المشرف على أعمال الأول وعلى القوانين الصادرة عنه، في حلّ القضايا العالقة والخلافات الدائرة بينهما، تُحال هذه المسائل إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام، بوصفه الهيئة الاستشارية العليا في البلاد للفصل بين المجلسين.
وإلى جانب إقرارها الاتفاقيتين وتقديمهما إلى البرلمان للمصادقة عليهما، دفعت الحكومة الإيرانية، خلال السنوات الأخيرة، باتجاه إصلاحات مالية عملاً بمقررات مجموعة "فاتف"، فعدّلت قانون الضرائب، كما قدمت مشروعاً للبرلمان يصبح بموجبه لإيران قانونٌ خاص بـ"مكافحة الدعم المالي للإرهاب"، وذلك طبعاً بحسب تعريف الجمهورية الإيرانية للإرهاب وفق معايير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كما ينصّ عليه القانون.
إلا أن المشروعين المرتبطين باتفاقيتي "باليرمو" و"سي إف تي" ظلّا عالقين، ورهينة ما قد يخرج عن الخلاف والجدل العميق والمتواصل بين القوى السياسية ومؤسسات الحكم حول الانضمام إليهما. وكانت الحكومة الإيرانية ترى في إقرار المشروعين ضرورة لإخراج البلاد من قائمة "فاتف" السوداء، وعدم تعرضها لعقوبات إضافية من قبل المجموعة الدولية في ظلّ عودة العقوبات الأميركية، وكذلك لتسهيل تعاملات إيران المالية مع العالم.
وأشارت حكومة الرئيس حسن روحاني في وقت سابق، إلى أنه في حال لم تنضم إيران إلى الاتفاقيتين، وقامت "فاتف" بتفعيل تدابيرها المضادة بعد فبراير/ شباط المقبل، فلن يعود بالإمكان العمل حتى مع المصارف في الدول الجارة، مثل العراق.
في السياق، سبق أن شنّ الرئيس الإيراني هجمات حادة على معارضي الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية، متسائلاً عن الأسباب التي "تدفع البعض لعرقلة أربع لوائح أقرتها الحكومة والبرلمان"، مشدداً على "ضرورة عدم السماح لأن يلصقوا بنا تهمة غسل الأموال في نظامنا المصرفي".
ويسود قلقٌ على ضفة المحافظين المعارضين للانضمام إلى اتفاقيتي "فاتف" من أن يؤدي هذا الانضمام إلى انكشاف المنافذ والطرق التي تلتف إيران من خلالها على العقوبات الأميركية وإغلاقها، بالإضافة إلى أن هذا الانخراط يجعل النظام المالي الإيراني مكشوفاً بالكامل أمام "الأعداء" ويجلب مزيداً من المشاكل للبلاد، من دون أن يحلّ القائمة منها، لأن النظام المالي والمصرفي الإيراني خاضع بقوة للعقوبات الأميركية، بحسب قولهم.
كذلك ينظر المعارضون إلى الأمر باعتباره أداةً لاستهداف الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية، باعتبار أن هذه الجهات موضوعة على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة ودول أوروبية.
وزارة الخارجية
من جهتها، علّقت وزارة الخارجية الإيرانية على إدراج إيران في القائمة السوداء، لتكون ثاني دولة بعد كوريا الشمالية، مشيرة إلى أن هذا القرار صدر رغم أن طهران منذ أكثر من عام تنفذ جميع القوانين والمقررات المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، للتلفزيون الإيراني، إن "وصمة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لن تلصق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية"، متهماً كلاً من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل بتسييس الآليات الدولية والوقوف وراء إدراج بلاده في القائمة السوداء لمجموعة "فاتف".
ووجه موسوي انتقادات حادة للسعودية، متهماً إياها بأنها "البنك المركزي للإرهاب"، مشيراً إلى أن "الكيان الصهيوني يرتكب أسوأ جرائم إرهاب الدولة ويدعم المنظمات والمجموعات الإرهابية في العالم".