وبعد أن اعتبرت العديد من مراكز الأبحاث الشهيرة في واشنطن التباطؤ الاقتصادي في أوروبا أحد أهم مصادر التهديد للاقتصاد الأميركي والعالمي، أظهر تقرير صدر يوم الجمعة انخفاض الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو، في شهر مارس/آذار، بأسرع معدل في ستّ سنوات، في الوقت الذي انخفضت فيه بعض مؤشرات التصنيع في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من عامين، الأمر الذي أدى إلى إقفال مؤشر الأسهم الأميركية الأشهر في العالم، يوم الجمعة، بالقرب من أدنى مستوياته خلال اليوم، منخفضاً 460 نقطة، مثلت 1.77% من قيمته.
ولم يتلق مؤشر داو جونز الصناعي الصدمة وحيداً، حيث تبعه مؤشر "أس آند بي 500" بانخفاض 1.9%، ومؤشر ناسداك، الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا، بانخفاض 2.5%، مع إقفال تعاملات الجمعة، لينتهي الأسبوع سلبياً على المؤشرات الثلاثة.
وعلى نحوٍ متصل، انخفضت مؤشرات الأسهم الأوروبية الرئيسية، وأغلقت مؤشرات أسهم لندن وباريس وبرلين على خسائر أسبوعية، وانخفضت عوائد السندات الحكومية، ووصل عائد سندات الحكومة الألمانية لعشر سنوات إلى مستويات سلبية (أقل من الصفر)، لأول مرة منذ عام 2016.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قال الاقتصادي الأميركي، محمد العريان، إن "قيمة ما يتم تداوله حالياً حول العالم من سندات بعوائد تقل عن الصفر تقترب بسرعة من مستوى 10 تريليونات دولار".
واعتبر العريان أن الرقم ضخم، مع توجّه البنوك المركزية حول العالم إلى تطبيع الظروف المالية (أي السياسات النقدية والمالية)، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية. وكرر العريان، يوم الجمعة، توقعاته السابقة، بأن تعاني أوروبا للوصول بمعدل نمو اقتصادها هذا العام إلى 1%.
وفي أميركا، سجل عائد سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات أقل مستوى له منذ يناير/كانون الثاني 2018، بعد أن حملت كلمات جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، يوم الأربعاء، إشارة إلى الأسواق باستبعاد إجراء أي رفع لمعدلات الفائدة خلال العام الحالي 2019.
ولفت العريان، الذي استبعد قبل أيام قليلة حدوث ركود اقتصادي هذا العام، إلى أن عائد سندات العشر سنوات الآن يقل عن عائد أوراق الخزانة لثلاثة أشهر، "وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ عام 2007"، الذي سبق حدوث الأزمة المالية العالمية، واعتبر العريان أن هذا "تقليدياً" يمهد لحدوث ركود قريب.
لكن العريان أكد أن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك حالياً "ليست الاقتصاد الأميركي، وإنما أوروبا وسياسات البنك الفيدرالي".
وفضل أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في اجتماعهم، على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، الإبقاء على الفائدة عند نطاق 2.25% -2.50%. وبعد أن عكست العقود الآجلة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قيام البنك الفيدرالي برفعين خلال عام 2019، تلاشت احتمالات، أي رفع يوم الأربعاء.
وفي حين أكدت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية استمرار قوة سوق العمل، كانت هناك إشارات واضحة على تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي، وهو ما قصّر من عمر مكاسب الأسهم، على ما يبدو، بعد بيان البنك الفيدرالي.
ومع إعلان البنك الفيدرالي نيته الانتهاء من تخفيض ميزانيته بنهاية سبتمبر/أيلول القادم، وهو ما يعرف بالتقييد الكمي، سادت التوقعات بتأثير تلك السياسة سلبياً على الأسواق، تماماً كما تسببت سياسات التيسير الكمي، التي اتبعتها أغلب البنوك المركزية حول العالم عقب الأزمة المالية العالمية، في ارتفاع العوائد على الأصول. ومؤخراً، اعتبر أغلب المحللين أن توسع البنك الفيدرالي في تطبيق التقييد الكمي، خلال الربع الأخير من العام الماضي، كان السبب الرئيسي لإنهاء مؤشر "إس آند بي 500" العام عند مستوى يقل 20% عن أعلى مستوى وصل إليه المؤشر في 2018.
وفي نشرة حديثة وجّهها بنك الاستثمار العالمي "يو بي إس" لعملائه، توقّع مارك هايفيلي، مسؤول الاستثمار العالمي في البنك، أن يكون لسياسات التقييد الكمي من البنك الفيدرالي تأثير سلبي على أسواق الأسهم في الفترة القادمة، إلا أنه أكد "محدودية ذلك التأثير".
ونصح هايفيلي المستثمرين بعدم التعامل مع سياسات التقييد الكمي، على أنها ستقضي على عوائد الأصول "أولاً لأنها ستكون أقل حجماً مما حدث عند تطبيق سياسات التيسير الكمي، كما أنها لن يكون لها نفس التأثير طويل المدى على معدلات الفائدة، ولن يكون لها تأثير كبير على السيولة والتضخم، وأخيراً لأن ميزانية البنك الفيدرالي ستبدأ في النمو مرة أخرى في 2020".
ومن ناحية أخرى، بدأت بعض قطاعات الاقتصاد الأميركي، التي تميزت بالضعف في الفترة الماضية، في التعافي مؤخراً. ويوم الجمعة، أظهرت البيانات الصادرة ارتفاع مبيعات المنازل السابق امتلاكها، في شهر فبراير/شباط المنتهي، بنسبة 12%، مقارنةً بشهر يناير/كانون الثاني، وهو ما فاق توقعات الاقتصاديين.
لكن يبقى السؤال الذي يؤرق الجميع هو هل يمكن أن يؤثر التباطؤ "الحتمي" في أوروبا على أرباح الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة، فينتقل التباطؤ إلى الاقتصاد الأقوى في العالم في الوقت الحالي؟