صدام ما بعد بريكست...بروكسل تحذّر من قيود تجارية ولندن تلوّح بالجُزر

03 فبراير 2020
الاتحاد الأوروبي يطالب بريطانيا بثمن المرور لأسواقه (Getty)
+ الخط -

 

أطلق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، معركة ما بعد بريكست، عبر تحديد الخطوط الحمر لعلاقتهما المستقبلية، ليعبّر الطرفان منذ البداية عن مواقف حازمة، وسط التلويح بأوراق ضغط بيد كل منهما، ما ينذر بإمكانية الصدام خلال المفاوضات التي تستهدف تحديد أطر العلاقات التجارية.

وبعد مشاعر الفرح أو الأسف لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد عضوية استمرت 47 عاما، بات يتوجب على الطرفين الاتفاق حول العديد من الملفات التجارية الحاسمة.

وأعلن كبير المفاوضين الأوروبيين، ميشال بارنييه، أمس، أن الاتحاد الأوروبي سيعرض على بريطانيا علاقة تجارية وثيقة لمرحلة ما بعد بريكست، لكنه سيطالب بشروط مشددة في ما يتعلق بصيد الأسماك، وبفرص متساوية للأعمال التجارية.

وقال بارنييه "نحن على استعداد لعرض اتفاق تجاري طموح للغاية يشكّل أساس هذه الشراكة، يتضمن غياباً تاما للرسوم الجمركية"، محذراً من أن بروكسل لن تقبل "بميزات تنافسية غير منصفة".

وجاءت تصريحات بارنييه في إطار كشفه عن صلاحياته التفاوضية قبيل محادثات مع حكومة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بشأن العلاقات المستقبلية مع لندن، في أعقاب فترة ما بعد بريكست الانتقالية.

كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين "لن تكون هناك أي مفاجآت. حددنا مع بريطانيا من الأساس في اتفاق الانسحاب المعايير المستقبلية التي ستتضمنها مفاوضاتنا".

وأضافت أنه سيكون على بريطانيا ألا تتوقع أنه سيكون بإمكانها الوصول إلى السوق الأوروبي بلا حدود، موضحة: "كلما رغبت بريطانيا في أن تكون أقرب، سيكون وصولها إلى السوق الموحدة أسهل، لكن لا شيء يأتي مجاناً، لذلك الوصول إلى السوق الموحدة أمر قيّم للغاية، إنها أكبر سوق موحدة في العالم، وتحمل أهمية بالغة، ولذا أعتقد أن الالتزام بالقواعد هو أمر منصف".

لكن رئيس الوزراء البريطاني حذّر من أن بلاده سترفض اتفاقاً يفرض عليها أن تواصل احترام بعض قوانين الاتحاد، وذلك بحسب مقتطفات من خطاب له، أمس، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه.

وبحسب مقتطفات الخطاب "فليس هناك حاجة إلى اتفاق تبادل حر يتضمن قبول قواعد الاتحاد الأوروبي في مجال المنافسة والمساعدات والضمان الاجتماعي والبيئة ومواضيع أخرى".

وتلوّح بريطانيا بأوراق ضغط، منها فرض رسوم جمركية مضاعفة على السلع الأوروبية، فضلا عن استغلال وضع الجزر التي تقع تحت سيادة التاج البريطاني وتتمتع بحكم ذاتي في تحقيق منافع تجارية ومالية تخشاها دول الاتحاد الأوروبي.

ووفق الوزير السابق لشؤون أيرلندا في حكومة المحافظين، جون بينروز، فإن جبل طارق وجزر الفوكلاندز، ربما ستُمنح وضعاً مماثلاً لأقاليم أيرلندا واسكتلندا وويلز، مشيرا، في تصريحات صحافية، إلى أن مثل هذا الترتيب سيكون مثالياً لضم الجزر في البناء السياسي والاقتصادي التجاري الجديد الذي تستهدفه بريطانيا بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية.

ولدى بريطانيا حوالى 14 جزيرة ومنطقة تقع خارج حدودها، ولكنها تخضع للتاج البريطاني. وتستخدم بريطانيا هذه الجزر كمناطق "أوفشور مصرفية" ومنافذ مالية لجذب الرساميل وضخها في حي المال البريطاني.

ولكن هذا التصور البريطاني الجديد يثير المخاوف في بروكسل، حيث يرى مسؤولون أنه ربما يحول بريطانيا إلى دولة "أوفشور". ومناطق أو دول الأوفشور، هي التي تتراكم فيها رؤوس الأموال الأجنبية، نظرا لإعفاءات ضريبية ومحفزات جاذبة.

وحسب تصريحات دبلوماسية، فإن دول الاتحاد الأوروبي تنوي وضع النزاع بين إسبانيا وبريطانيا حول جبل طارق في افتتاحية مفاوضات الترتيبات التجارية، وبالتالي ربما ستكون صخرة جبل طارق الواقعة تحت سيادة التاج البريطاني أولى العقبات التي ستواجه الترتيبات التجارية بين لندن وبروكسل.

وحسب دبلوماسي أوروبي لصحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية في عددها الصادر، الأحد الماضي، فإن الحكومة الإسبانية طلبت من الاتحاد الأوروبي استبعاد جبل طارق من أية مفاوضات حول الترتيبات التجارية التي سيجري التفاوض حولها.

وتعد الترتيبات التجارية أحد الأعمدة الرئيسية التي ستبنى عليها مفاوضات المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تفضي إلى اتفاق شامل للتجارة والهجرة والمصايد البحرية، بنهاية العام الجاري.

وفي ذات الصدد، نسبت صحيفة "أوبزيرفر" اللندنية إلى مصادر أوروبية، أن الحكومة الإسبانية تصر على عدم تضمين جبل طارق في أية اتفاق تجاري. وبالتالي، من المتوقع أن تطلب دول الاتحاد الأوروبي من رئيس الوزراء البريطاني الاتفاق مع إسبانيا حول مستقبل جبل طارق قبل مناقشة الترتيبات التجارية.

في المقابل، فإن بريطانيا تصر على التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على كامل الأراضي والجزر الواقعة تحت سيادة التاج البريطاني.

وحسب محللين، ستكون لإقليم جبل طارق، أهمية مصرفية وتجارية قصوى لبريطانيا تضاف إلى أهميته التجارية. وتشعر إسبانيا بالقلق من فقدان الميزات التجارية التي يمنحها الإقليم لبريطانيا.

ويرى خبراء أن رئيس الوزراء البريطاني، سيكون متشدداً في مفاوضات الترتيبات التجارية والجمركية التي سيقودها مع دول الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد لفترة أحد عشر شهراً. ويستفيد جونسون في تعزيز موقفه من الدعم الأميركي والتوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ووفق صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، فإن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعمق من مشاكل التماسك داخل دوله التي تعيش حالياً ظروفاً اقتصادية صعبة واحتجاجات اجتماعية.

وتساهم بريطانيا بنحو 10 مليارات جنيه إسترليني سنوياً في ميزانية الاتحاد. وتسبب خسارة هذا المبلغ توتراً بين الدول الكبيرة مثل ألمانيا التي تسعى إلى تحديد سقف مساهمة الأعضاء بنسبة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى تتفادى زيادة مساهمتها في الميزانية، ودول أوروبا الشرقية التي تريد زيادة كبيرة في الميزانية.

المساهمون