الجزائر: رهان حكومي على الصيرفة الإسلامية لمواجهة أزمة السيولة

08 ابريل 2018
المصارف تعاني من أزمة سيولة (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -


تجد الصيرفة الإسلامية صعوبة في كسب المزيد من الزبائن والانتشار في الساحة المصرفية في الجزائر، رغم مراهنة الحكومة عليها في السنوات الأخيرة، لامتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية والمقدرة بأكثر من 40 مليار دولار، وذلك لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها المؤسسات المصرفية جراء الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 3 سنوات.

وسمحت الحكومة للمصارف التقليدية بفتح وحدات إسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2017، لتنضم بذلك إلى ثلاثة مصارف تعتمد الصيرفة الإسلامية في الجزائر، كلها خليجية بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة "البركة" البحرينية، وفرع "بنك الخليج الجزائر" كويتي، وبنك السلام الإماراتي.

وتمثلت خدمات الصيرفة الإسلامية المعتمدة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثات وتجهيزات)، فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.

وحسب ما علمته "العربي الجديد" من الجمعية الجزائرية للبنوك، فإن البنك المركزي قد تلقى 4 طلبات من مصارف تقليدية لفتح نوافذ أو وحدات تتعامل بالصيرفة الإسلامية.

إلا أن المشكل يبقى في عدم امتلاك المركزي لهيئة مؤهلة لإعطاء رأي شرعي في المنتجات البنكية التي ستقدمها البنوك التقليدية عبر وحداتها الإسلامية، وهو ما وقع في السابق مع البنوك الإسلامية المعتمدة التي لم يفصل المركزي الجزائري في تطابق تعاملاتها مع "الشريعة الإسلامية" إلى يومنا هذا، رغم نشاطها لأكثر من 20 عاماً، كما هو الحال مع بنك "البركة".

ويعترف محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لوكال في ردّ على سؤالٍ لـ "العربي الجديد"، على هامش يوم تعريفي بمهامه أقامه البرلمان الجزائري، بأن "المركزي الجزائري لا يملك هيئة علمية دينية يمكنها الإفتاء في المنتجات البنكية البديلة "الإسلامية""، مضيفاً أن "الأمر هو من صلاحية هيئات شرعية يمكن للبنوك التقدم إليها" من دون أن يقدم توضيحات عن هذه الهيئات.


وتبقى العقبة الأولى التي تواجه انتشار الصيرفة الإسلامية في الجزائر، هي غياب الإطار القانوني المنظم لها، فقانون "القرض والنقد" المنظم لعمل ونشاط المصارف لا يحمل أي مواد تتحدث عن الصيرفة الإسلامية بشكل صريح، رغم وجود مصارف إسلامية في الجزائر، جلها طرح منتجات مصرفية إسلامية لم تفصل فيها هيئة دينية رسمية، سواء داخل البنك المركزي الجزائري أو خارجه.

وحسب الخبير في الاقتصاد الإسلامي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر فارس مسدور، فإن "الحكومة الحالية ورغم تبنيها للصيرفة الإسلامية في مخططها الذي عرضته على البرلمان في سبتمبر/أيلول 2017 ، إلا أنها لا تملك نية صريحة لتنظيم الصيرفة الإسلامية".

والدليل حسب نفس المتحدث لـ "العربي الجديد"، هو "تعديل قانون القرض والنقد لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لإدخال "التمويل غير التقليدي" في القانون، ما سمح للمركزي الجزائري بطبع الأموال، ولم تدخل الحكومة أي تعديل على القانون يتعلق بالصيرفة الإسلامية".

ويقول مسدور، إن "الصيرفة الإسلامية فرضتها الظروف المالية ولم تأت عن قناعة سياسية، وإلا ما الذي يمنع البنك المركزي من تشكيل هيئة علمية دينية مكونة من رجال دين وإطارات مصرفية تفصل في معاملات الوحدات الإسلامية ،لأن المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر لا يملك التأهيل المالي والبنكي الكافيين لإصدار الفتوى المناسبة".

من جانبه، قال أستاذ العلوم الإسلامية جمال حضري، إن "الإشكال كان في الأسباب، لأن الحكومة لجأت إلى الصيرفة الإسلامية لجلب الأموال النائمة خارج البنوك وليس عن عقيدة وإيمان، وبالتالي نحن نجعل من الشريعة الإسلامية ترقيعاً لأخطاء وقعت جراء سوء إدارة البلاد، وهذا يكفي ليجعل من الصيرفة الإسلامية حلاً مؤقتاً قد يزول بزوال أسبابه أي زوال الأزمة المالية وارتفاع أسعار النفط".

وتابع حضري في حديث لـ "العربي الجديد" إن "الصيرفة الإسلامية في الجزائر تحتاج إلى شيئين مهمين حتى تكون لها انطلاقة صحيحة وهما، أولاً الإطار القانوني المنظم لها، وثانياً هيئة شرعية موحدة تكون المرجع في ظل وجود تنوع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، فما هو مباح في الخليج والمشرق قد يكون محرماً في المغرب العربي والعكس بالعكس".

واستشهد المتحدث نفسه بأن "بعض البنوك الإسلامية تقدم عروضاً بنكية على أنها "إسلامية" غير ربوية وبهامش ربح معلوم، وفي الحقيقة هي عروض ربوية في التفاصيل، وبالتالي يجب أن يفصل المركزي الجزائري والمجلس الإسلامي الأعلى في هذه المفاهيم".

وحسب الناشطين في المجال المصرفي في الجزائر، فإن تباطؤ انتشار الصيرفة الإسلامية في البلاد لا يعود فقط إلى الجانب القانوني والفقهي، بل يتعداهما إلى أسباب أخرى تقنية ومتعلقة بواقع الساحة المصرفية التي تتميز بهيمنة المصارف التقليدية.

ويقول أنيس خماسة الذي يعمل في أحد المصارف الإسلامية الخليجية إن "المصارف التقليدية تستحوذ على 87% من السوق، فيما تتقاسم نسبة الـ 13% المتبقية أكثر من 13 مصرفاً خاصاً كلها أجنبية، وبالتالي فإن البنوك التقليدية لديها الأولية والأفضلية". وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "هذه الهيمنة أثرت على انتشار البنوك الإسلامية في الجزائر.

وحسب الإطار البنكي فإن "حجم الأموال المتداولة في البنوك الإسلامية لا تتعدى 200 مليار دينار، أي أقل من ملياري دولار، وهو رقم ضئيل للغاية بالنظر للإمكانات المالية المتوفرة في الجزائر.

ويرى بضرورة وضع استراتيجية واضحة لتسويق الصيرفة الإسلامية، لأن المشكل لا يتعلق بالتعامل بالربا، بل بعدم علم المواطن بوجود تعاملات غير ربوية".

وتحت ضغط الأزمة النفطية وتراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، لجأت الجزائر قبل سنتين إلى عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة، لمواجهة العجز في الموازنة العامة، وتمكنت من تحصيل قرابة 6 مليارات دولار.

ثم لجأت الحكومة نهاية السنة الماضية إلى اعتماد التمويل غير التقليدي الذي يسمح للبنك المركزي بطبع الأموال إقراض الخزينة العمومية بقروض دون فوائد، تستغلها الحكومة في دفع أجور العمال والمتقاعدين.

وضخ البنك المركزي سيولة محلية في الأسواق بقيمة 2.18 تريليون دينار جزائري، حتى نهاية العام الماضي، في إطار سياسة "التمويل غير التقليدي" أو ما يعرف بـ"طباعة النقود"، وفقا لما تضمنه تقرير للبنك المركزي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه في مارس/آذار الماضي.

واستند المركزي الجزائري في عملية ضخ هذه السيولة الضخمة إلى المادة 45 من قانون القرض والنقد، والتي تنص على أنه "يقوم بنك الجزائر بشكل استثنائي، ولمدة خمس سنوات، بشراء مباشر عن الخزينة، للسندات المالية التي تصدرها هذه الأخيرة من أجل المساهمة على وجه الخصوص في تغطية احتياجات تمويل الخزينة وتمويل الدين العمومي الداخلي وتمويل الصندوق الوطني للاستثمار".

وكشفت أرقام رسمية صادرة في مارس/آذار الماضي، عن تأكل جزء كبير من احتياطي النقد الأجنبي للجزائر بفعل أزمة تراجع الإيرادات في ظل انخفاض أسعار النفط.

وبحسب إحصاءات البنك المركزي، فقدت الدولة نحو نصف احتياطاتها خلال السنوات الخمس الماضية إذ بلغ نحو 194.01 مليار دولار عام 2013 لينخفض إلى نحو 97.3 مليار دولار نهاية العام الماضي 2017.

وتوقع وزير المالية عبد الرحمن راوية في تصريحات صحفية مؤخرا، تواصل تأكل احتياطات النقد الأجنبي لتصل إلى 85.2 مليار دولار في نهاية 2018، ثم 79.7 مليار دولار بنهاية 2019، على أن تبلغ 76.2 مليار دولار خلال عام 2020.