الضربات المتلاحقة من كورونا وتهاوي إيرادات النفط وارتفاع تكلفة الحرب في اليمن أرهقت اقتصاد السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم.
وعلى إثر تصاعد الأزمات المالية تحولت السعودية من دولة توفر أموالاً طائلة من عائدات النفط والعمرة والحج إلى أحد أكبر المقترضين في المنطقة العربية.
وتتأهب الرياض للحصول على قروض قياسية تقدّر بنحو 59 مليار دولار العام الجاري، الأمر الذي سيؤدي إلى قفزة تاريخية في الديون البالغة حالياً نحو 192 مليار دولار. ويأتي ذلك ضمن العديد من الإجراءات الصعبة التي تنتظر السعودية خلال الفترة المقبلة.
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، مساء أول من أمس، إن المملكة ستتخذ إجراءات "مؤلمة" لخفض النفقات، في ظل تراجع الإيرادات بسبب أزمة "كورونا".
وأضاف الجدعان أن السعودية يجب أن تخفض مصروفات الميزانية بشدة؛ نظراً لانخفاض الإيرادات النفطية لأقل من النصف وتراجع الإيرادات غير النفطية بسبب الإغلاق في إطار إجراءات مكافحة كورونا.
وقال إنه سيتم اقتراض 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار) بزيادة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) عما كان مخططاً له قبل كورونا.
وأضاف أن بلاده "ستتخذ إجراءات صارمة جداً"، وقد تكون "مؤلمة"، وأن "جميع الخيارات مفتوحة حالياً" للتعامل مع الأزمة. وأكد أن بعض المشاريع سيمدد أجل تنفيذها بسبب إجراءات مواجهة كورونا (حظر التجول وإغلاق الأنشطة الاقتصادية).
حسب مراقبين، فإن ديون السعودية ستقفز إلى مستويات قياسية حيث ستبلغ أكثر من ربع مليار دولار نهاية العام الجاري في حالة تنفيذ الرياض مخططها باقتراض نحو 59 مليار دولار في 2020.
وارتفع الدين العام السعودي 6.7 بالمائة إلى 723.5 مليار ريال (192.9 مليار دولار) في نهاية الربع الأول، مقارنة بنهاية 2019.
وكانت بيانات الميزانية قد أظهرت ارتفاع حجم الدين العام مع نهاية عام 2019 إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، وهو ما يمثل نحو 24 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك مقارنة مع 560 مليار ريال خلال العام الماضي.
وحسب تقديرات رسمية ستصل نسبة إجمالي الدين العام في نهاية 2020 إلى 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت هذه التقديرات قبل تفشي فيروس كورنا، الأمر الذي يعني أن النسبة ستزيد، ولاسيما مع إعلان وزارة المالية عن زيادة كبيرة في معدلات الاقتراض الفترة المقبلة.
وتوقعت المملكة ارتفاع عجز ميزانيتها العام الجاري إلى ما بين 7 إلى 9 في المائة بعد تفشي الفيروس، مقارنة بـ6.4 في المائة في توقعات سابقة.
وتوقع "ستاندرد تشارترد"، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5 في المائة. كما عدلت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، الجمعة الماضي، النظرة المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى سلبية، وأكدت تصنيفها السيادي عند A1.
يبدو أن تهاوي الإيرادات المالية لا يرجع إلى النفط فقط بل امتد إلى انهيار إيرادات أخرى مهمة، ومنها السياحة (العمرة والحج)، الأمر الذي جعل خيارات السعودية محدودة من أجل مساندة اقتصادها المنهك وخاصة في ظل فشل خطط تنويع الاقتصاد، التي روج لها وليّ العهد محمد بن سلمان، طيلة السنوات الماضية.
وتراجعت الإيرادات النفطية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 24 في المائة على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، ما دفع إجمالي الإيرادات للتراجع 22 في المائة على أساس سنوي بحسب الوزارة. والسعودية هي أكبر مُصدر للنفط في العالم، وتعتمد ميزانيتها عليه بنسبة 70 بالمائة تقريباً.
وفقدت أسعار النفط نحو 60 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام بسبب تراجع الطلب على الخام جراء الإغلاق للحد من تفشي "كورونا".
وأفاد وزير المالية السعودي في تصريحاته، أول من أمس، بأن الإيرادات انخفضت بشكل كبير جداً، وفي الغالب سيظهر أثرها في الأرباع القادمة في الإيرادات النفطية، مضيفاً: لقد بدأنا العام في أسعار النفط بأعلى من 60 دولاراً للبرميل، ونشاهد هذه الأيام أرقاماً بحدود 20 دولاراً، وهذا الانخفاض الكبير يؤدي إلى انخفاض الإيرادات لأكثر من النص. وتابع أنه نتيجة للإجراءات الاحترازية ستنخفض وتيرة النشاط الاقتصادي بشكل كبير جداً.
وأدى تفاقم أزمة الإيرادات إلى اندفاع الحكومة نحو اللجوء إلى الاحتياطي الذي شهد نزيفاً حاداً الفترة الأخيرة، وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، الثلاثاء الماضي، إن صافي الأصول الخارجية للمملكة نزل في مارس/ آذار إلى نحو 1.775 تريليون ريال (473.33 مليار دولار) مقابل 1.865 تريليون ريال (497.33 مليار دولار) بنهاية شهر فبراير/ شباط السابق له، متراجعاً بنسبة 4.8 في المائة خلال شهر واحد.
ضمن التداعيات السلبية لكورونا قررت السعودية عزل منطقة صناعية بمدينة الدمام بشرق المملكة ومنعت الدخول إليها أو الخروج منها اعتباراً من أمس الأحد، وحتى إشعار آخر للحد من تفشي فيروس كورونا، حسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
وامتدت أضرار كورونا من الصناعة إلى مختلف القطاعات الأخرى وأبرزها السياحة، إذ تقدّر خسائر السعودية من توقف موسم العمرة، ولا سيما في رمضان والحج، في حال تواصل وباء كورونا بمليارات الدولارات.
وكانت الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة قد قدّرت إيرادات موسم الحج في عام 2017 بما يتراوح بين 20 و26 مليار ريال (5.33 مليارات و6.94 مليارات دولار).
هوى مؤشر البورصة السعودية في تعاملات، أمس، وشهدت معظم الشركات خسائر باهظة وسط هبوط جماعي لجميع القطاعات. ويأتي ذلك، على خلفية الإعلان عن التوجه الحكومي نحو اتخاذ "إجراءات مؤلمة" لمواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا الجديد، منها تقليص الإنفاق في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وفقد مؤشر البورصة 527 نقطة بنسبة انخفاض بلغت 7.41 في المائة، ليغلق المؤشر على 6.585.58 نقطة.
وشهدت القطاعات هبوطاً جماعياً، بصدارة قطاع النقل بنسبة 9.97 في المائة، تلاه قطاع التطبيقات بنسبة 9.95 في المائة، وحل قطاع السلع الرأسمالية ثالثاً بنحو 9.50 في المائة.
وتصدر قطاع المواد الأساسية خسائر القطاعات الرئيسية بعد هبوطه 8.19 في المائة، وتراجع قطاع البنوك بنسبة 8.04 في المائة، وهبط قطاع الطاقة بنحو 5.72 في المائة، وسجل قطاع الاتصالات أقل الخسائر بتراجع 4.15 في المائة.
وأغلقت جميع الأسهم باللون الأحمر، باستثناء "حلواني إخوان"، الذي نجا وحيداً، بارتفاع نسبته 9.93 في المائة.
وترجع حالة الذعر التي كان عليها المستثمرون أمس إلى تزايد المخاوف من اتساع تداعيات انهيار أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، الأمر الذي دفع معظمهم إلى الاتجاه نحو البيع بدلاً من الشراء.