فشل محاولات تفادي الصدام بين ترامب وباول

25 ديسمبر 2018
استمرار الخلافات بين ترامب وباول (Getty)
+ الخط -
حاول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، جيرومي باول، إمساك العصا من منتصفها، في معركته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورغم ذلك حدث الصدام بين الطرفين.

وقام باول برفع معدل الفائدة من أجل التأكيد على استقلالية قراره عن سياسات الإدارة الأميركية، لكنه في الوقت نفسه حاول امتصاص غضب الرئيس الأميركي، عبر إيحائه للصحافيين بالتراجعٍ الواضح عن مسار السياسة النقدية المتشدد الذي انتهجه منذ جلوسه على كرسي رئيس البنك الأكثر تأثيراً في العالم. وبذلك تصبح التوقعات هي إجراء رفعين فقط خلال العام القادم 2019، مقارنة بأربع مرات كانت شبه مؤكدة العام المقبل، حسب معلومات نشرت في سبتمبر/ أيلول الماضي.

واستفز قرار باول ترامب، ليس فقط بسبب تجاهل الأول تغريدات الأخير الرافضة لرفع معدلات الفائدة، وإنما أيضاً بسبب تجاهل تقلبات أسواق الأسهم الأميركية الأخيرة، وامتناع البنك عن تقديم أي تفسير لهبوطها أو دعم لأسعارها.
 
ومع إصرار باول على تبرير قراره والمضي فيه قدماً، بتأكيده أن "بعض الزيادات التدريجية مستقبلاً ستكون متسقة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المعتدل وتضخم قرب مستوى 2% المستهدف بواسطة البنك"، كان واضحاً عدم رضا ترامب عن القرار.

وأول من أمس، صدرت عن ترامب بعض التساؤلات عن إمكانية إقالته لباول، ورغم عدم تأكد من كانوا حوله من جدية تلك التساؤلات، إلا أن ميك مولفاني، الذي تم اختياره قبل أيام لمنصب رئيس الموظفين بالبيت الأبيض، نفى الأمر برمته، وأعلن أن ترامب "أدرك أنه لا يمكنه فعل ذلك".

وقبل أكثر من خمسين عاماً، وقع خلاف مشابه بين الرئيس الأميركي وقتها ليندون جونسون، ورئيس البنك الفيدرالي ويليام ماكينزي مارتين، الأمر الذي دفع جونسون للتساؤل عن إمكانية عزله لمارتين، وجاء الرد من وزير العدل وقتها رمزي كلارك بالنفي.

وأوضح كلارك أن أعضاء مجلس محافظي البنك يتم تعيينهم لفترة 14 عاماً، ولا تجوز إقالتهم قبل انتهاء تلك الفترة إلا بسبب "الإهمال أو سوء الأداء" فقط. ونظراً لكون البنك مستقلاً، فإن "عدم الثقة فيه، أو الخلاف بينه وبين رئيس الولايات المتحدة على السياسات أو الأحكام"، لا يمكن اعتبارهما مما يسمح بإقالة رئيس البنك، الأمر الذي يسري على الموقف الحالي بين ترامب وباول.

لكن من الواضح للجميع أن ترامب يعد رئيساً استثنائياً، كونه جاء من خارج المؤسسة السياسية الأميركية، بالإضافة إلى عدم تردده في الإقدام على اتخاذ العديد من الخطوات التي لم يسبقه إليها أحد، الأمر الذي جعل البعض يتخوف من قيامه بإقالة باول، على الرغم من دعاوى عدم قانونية تلك الخطوة.
وعلاوة على ذلك، فربما يكون الاستدلال الذي توصل إليه كلارك غير صحيح، حيث كانت هناك حالة أخرى تتعارض مع ما حدث عام 1965، ففي عام 1976، أصدر الكونغرس قانوناً ينص على أن مدة بقاء مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في منصبه هي عشر سنوات.

وكما هو الحال مع رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، لم يحظر القانون صراحة إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في أي وقت، الأمر الذي سمح لكلٍ من بيل كلينتون، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، ثم ترامب، بإقالة مديري مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل انتهاء مدة ولايتيهما. وبالقياس على ذلك، فليس مستبعداً أبداً إقدام ترامب على إقالة باول، رغم تأثره هو شخصياً بكثرة الإقالات والاستقالات التي تضرب أقرب الدوائر المحيطة به.

لكن بعيداً عن الناحية القانونية، فمن المؤكد أن مثل تلك الخطوة ستسبب إزعاجاً كبيراً لأسواق المال الأميركية، التي لديها بالفعل ما يكفيها من أسباب الانزعاج، بالإضافة إلى ما سيترتب عليها من نسف لفكرة استقلالية البنك، التي كانت تمثل الدرع الواقية للمستثمرين في كافة أسواق المال بالولايات المتحدة، حسب مراقبين.

كما أن أي بديل سيتم تعيينه سيتم النظر إليه على أنه جاء ليكون منفذاً لسياسات ترامب، وسيكون من الصعوبة بمكان الوصول سريعاً بسياسة البنك إلى شاطئ الأمان، بعد تحويل دفة القيادة إلى الاتجاه العكسي.

وتوقع الأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب "قوة واستقلال بنك الاحتياط الفيدرالي" بيتر كونتي براون، أن تعم الفوضى فور إقالة ترامب لباول، وقال "سيخلق ترامب الفوضى في أسواق المال إذا أقال باول".