استهلاك متفاقم للوقود في السعودية

26 فبراير 2015
أسعار الوقود في السعودية الأقل عالمياً (فرانس برس)
+ الخط -
زاد التراجع الحاد في إيرادات النفط بدول الخليج العربي، بسبب تهاوي أسعار الخام عالمياً من الضغوط على هذه الدول، ولا سيما المملكة العربية السعودية، في إعادة النظر لدعم الوقود في السوق المحلية.
وقال مسؤولون في شركات نفطية كبرى ومحللون اقتصاديون، إن رفع الدعم عن الوقود، سواء جزئياً أو كلياً، مسألة وقت، متوقعين تطبيق قرار بتعديل الأسعار مطلع العام المقبل 2016.
وانهارت أسعار النفط في الأسواق العالمية، بنسبة تقارب 50% منذ يونيو/حزيران، متأثرة بزيادة المعروض وضعف الطلب على النفط، خاصة بعد قرار منظمة البلدان المصدرة للخام "أوبك" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عدم خفض مستويات الإنتاج الحالية البالغة 30 مليون برميل يومياً، تستأثر السعودية بالحصة الأكبر منها.
وأكد مصدر حكومي في تصريح لـ"العربي الجديد"، فضل عدم ذكر اسمه، أنه من المحتمل أن يتم رفع الدعم بشكل تدريجي وعلى أنواع معينة من الوقود.
وأضاف "لن يتم رفع الدعم بشكل كامل، حتى لا يتضرر المواطنون من ارتفاع معدلات المعيشة، التي تصاحب ارتفاع أسعار الوقود".
ويتخوف المحللون الاقتصاديون، من أن يتسبب ارتفاع أسعار الوقود في رفع قيمة نقل البضائع، والذي سيتحمله في نهاية المطاف المستهلك النهائي، لكنهم يرون أنه بات من الملحّ مراجعة الأسعار، بعد الارتفاع الكبير في الاستهلاك المحلي، والذي تجاوز 4 ملايين برميل يوميا من النفط، وفق الإحصاءات المحلية.
وكان البنك الدولي أعلن مؤخرا، أن السعودية تعكف على إجراء زيادة في أسعار الطاقة والوقود وتعزيز الكفاءة في الإيرادات غير النفطية.

وقال نائب رئيس شركة أرامكو لشؤون الحفر والتنقيب سابقاً، عثمان الخويطر، إن "ترك أسعار الوقود عند المستوى المتدني حالياً يحمل الكثير من السلبيات". وتعتبر أسعار الوقود في السعودية الأقل على مستوى العالم.
وأكد رئيس المركز السعودي للدراسات الاقتصادية، ناصر القرعاوي، لـ"العربي الجديد" أنه من الضروري أن تراجع الدولة أسعار الوقود المنخفضة، للحد من الاستهلاك الكبير والذي تجاوز 4 ملايين برميل يوميا، وهو ما يعد هدرا كبيراً للموارد المالية.
وقال القرعاوي: "البنك والمؤسسات الدولية أبدوا ملاحظات فيما يتعلق بالدعم الداخلي للمحروقات"، مشيرا إلى أن هذا الدعم لمختلف أنواع الوقود جعلها من أقل الأسعار في العالم، وحتى الأقل خليجياً.
وأضاف: "دعم الوقود زاد من استهلاك الطاقة، فثلث إنتاج المملكة من النفط يذهب إلى الاستهلاك المحلي، وهو ما يتطلب عدة مسارات لعلاجه". وتابع: "بالفعل تم البدء في المسار الأول منذ فترة، بترشيد استهلاك الديزل في محطات إنتاج الكهرباء التي كانت تستهلكه بكميات كبيرة، لكن يتبقى رفع الدعم تدريجيا عن الوقود، وأرى أن هناك اتجاها لذلك حالياً".
وأشار إلى أهمية امتصاص أي تأثير سلبي لرفع الدعم عن الوقود، خاصة أن مثل هذه الخطوة قد تتسبب في رفع تكلفة المعيشة على المواطن، كونها ستتسبب في رفع أسعار نقل البضائع، وهو ما حدث في الكويت مطلع العام الحالي، عندما ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية قرابة 15% جراء رفع الدولة أسعار الديزل، ما أجبر الحكومة على تجميد قرار الزيادة.
لكن القرعاوي أكد أن رفع الدعم في السعودية خطوة ضرورية، كونها ستوفر لخزينة الدولة الكثير من المال من خلال توفير الوقود وتصديره إلى الخارج.
وأضاف "السعودية ستعالج الدعم نسبياً، ولن يكون دفعة واحدة، وهناك خطط للنقل العام، خاصة في العاصمة الرياض، فبدء تشغيل المترو سيخرج على الأقل مليوني سيارة من السوق من أصل 10 ملايين سيارة موجودة في العاصمة".
وتابع: "أعتقد أن وزارة التجارة قادرة على وضع قوانين وأنظمة تحمي المواطن من أي ارتفاع مجنون في الأسعار واستغلال ارتفاع أسعار الوقود.. الدولة لن تسمح بتضخم الأسعار، أي قرار سيكون تحت دراسة مستمرة لتقييم آثاره على المواطنين، خاصة أن الطبقة المتوسطة هي الأكبر في المملكة".

اقرأ أيضا: السعودية تهدر 36 مليار دولار سنوياً بالطاقة

لكن خبير الاستشارات الاقتصادية، فهد القاسم، لا يعتقد أن الظروف الاقتصادية الحالية مناسبة لرفع الدعم عن أسعار الوقود؛ لأن المواطنين سيتضررون بشكل كبير من هذا القرار.

وقال: "الظروف الحالية غير متاحة لاتخاذ مثل هذه الخطوة، لأنها ستزيد الضغط على الأسعار لمختلف السلع، وسيكون له تأثير كبير على المواطنين، فالمواطن ليس جاهزا لتحمل هذا".
وأضاف أن هناك بالفعل هدرا كبيرا في الطاقة، بسبب زيادة الاستهلاك المحلي والتهريب، ولا بد من معالجة هذه الأمور، مشيراً إلى أن تعديل سعر الوقود سيعالج كثيرا من هذه الأمور، ولكن ينبغي حساب التأثيرات السلبية المتوقعة.
وأوضح أن رفع أسعار الوقود سيزيد تكاليف النقل، ومعها الكثير من الصناعات التي سترتفع أسعارها، وستكون هناك سلسلة من الزيادات. وكشف القاسم، عن أن هناك أكثر من مقترح لعلاج هذه المشكلة، مثل أن تتم زيادة الأسعار، ولكن يتم في المقابل منح إعانة أمام السعر المرتفع.
وقال خبير الاستشارات الاقتصادية، إن وزارة التجارة لا تستطيع أن تلزم التجار بعدم رفع الأسعار، عندما ترتفع عليهم أسعار النقل، مشيرا إلى أنه عندما رفعت وزارة العمل قيمة بطاقات العمال لـ200 ريال شهرياً (53.3 دولاراً) مؤخراً، حدث ارتفاع كبير في الأسعار فاق الـ20% آنذاك.
واستبعد المحلل النفطي، الدكتور سداد الحسيني، أن يكون هناك إلغاء لدعم الوقود والطاقة، ولكن تعديل الأسعار الحالية.
ولا يتوقع الحسيني أن يكون لتعديل آلية دعم الوقود والطاقة في السعودية أي تأثير على الأسواق العالمية، على اعتبار أن الطاقة الإنتاجية للسعودية ستظل كما هي دون مساس.
وتنتج السعودية نحو 9.6 ملايين برميل يومياً، بينما يتم تصدير نحو 6.8 ملايين برميل، وفق البيانات الرسمية.

اقرأ أيضا: صندوق النقد: النفط سيكبّد الخليج 300 مليار دولار
المساهمون