تمتزج استعدادات الشاب الفلسطيني معاذ السحار (23 عامًا) للاحتفال بزفافه بعد أيامٍ قليلة، بمشاعر الحزن والغصة بعد أن أقدمت إحدى الشركات المحلية العاملة في قطاع غزة على تسريحه من عمله رفقة عدد من زملائه نتيجة للأزمات الاقتصادية وتردي الواقع الاقتصادي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية أقدمت عشرات الشركات والمؤسسات الخاصة في القطاع، على تسريح عمالها وتقليص أعدادهم إلى أقل من النصف مع إدخال حسومات على الرواتب الممنوحة لهم.
وتحولت حياة الشاب السحار وغيره ممن قامت هذه الشركات بتسريحهم تحت ضائقة الأزمات المالية والاقتصادية التي تضرب بالاقتصاد الفلسطيني في القطاع المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006، إلى جحيم في ظل تراكم الاحتياجات الأسرية وإعالة الكثير منهم لأسرهم في الوقت الذي لا تبدو هناك أية بوادر على تحسن في الأوضاع.
وأصبح حلم الحصول على فرصة عملٍ شبه ثابتة في القطاع بالنسبة للشباب حدثا غير عابر، خصوضا مع الارتفاع المهول في معدلات البطالة وتحديدا خريجي الجامعات، إذ اقتربت النسبة وفقًا لآخر الإحصائيات الرسمية إلى نحو 60.1% في فئة الشباب.
ويقول السحار لـ "العربي الجديد" إنه عمل لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة في القطاع الخاص، بينما اضطرت الشركة إلى تسريح العاملين وإعطائهم مستحقاتهم المالية بسبب التردي الاقتصادي الذي وصل إليه القطاع لاسيما في العامين الأخيرين، الأمر الذي انعكس بالسلب على مختلف المؤسسات.
ويشير السحار إلى أن الشركة التي كان يعمل بها وضعته هو وغيره ممن جرى إنهاء عملهم ضمن قائمة التوظيف الأولى حال تحسن الواقع المعيشي والاقتصادي، إلا أن ذلك لا يبدو قائما في ظل استمرار تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية بشكلٍ متسارع.
أما الشاب عبد الرحمن المدهون فلم يختلف حاله عن حال سابقه كثيرا، إذ قامت إحدى الشركات بتسريحه هو الآخر من عمله بعد أن عمل بها لفترة ليست بالقليلة، وأضحى اليوم بلا أي عمل منتظرا أن يتمكن خلال الفترة المقبلة من الحصول على وظيفة جديدة.
ويقول المدهون لـ "العربي الجديد" إن الشركة التي كان يعمل بها أرجعت سبب الاستغناء عنه إلى الوضع السيئ للاقتصاد الغزي في الشهور الأخيرة وقامت إدارة الشركة بوضع خطة طوارئ على مدار ثلاثة أشهر وكان يجري تأجيلها على أمل تحسن الأوضاع إلا أن ذلك لم يحصل.
ويرى أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع واستمرار حالة الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس هو السبب الرئيسي لما يحدث في قطاع الأعمال في غزة وهو ما دفع نحو انهيار قطاعات اقتصادية وإغلاق أخرى وتقليص أعمال شركات أخرى.
ويشير المدهون إلى أنه لم يجد فرصة عمل جديدة خصوضا وأن معظم الشركات تسرح موظفيها وتستغني عن كثير من الوظائف تماشيا مع الوضع الراهن، ولا تقوم بطرح أي إعلانات جديدة من أجل استقدام موظفين جدد في ظل استمرار واقع غزة على الشكل الحالي.
وكان البنك الدولي قال في تقرير أصدره مؤخرا إن قطاع غزة دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، فيما تتعرض الخدمات الأساسية المقدمة للسكان إلى الخطر في ظل شح السيولة، بالإضافة إلى أن فردا واحدا من أصل اثنين في القطاع يعاني من الفقر.
وأشار البنك الدولي إلى أن القطاع سجل نموا بالسالب بنسبة 6% في الربع الأول من العام الجاري 2018، والمؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور.
في الأثناء، يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل لـ "العربي الجديد" أن تراجع السيولة النقدية في داخل غزة أدى إلى شل الحركة الاقتصادية، ففي ظل عدم توفر الأموال لا يمكن الاستيراد من الخارج أو حتى إنجاز التجارة الداخلية في القطاع وهو ما انعكس بالسلب على مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويشير نوفل إلى أن العديد من القطاعات تواجه خطر الانجرار نحو الانهيار خصوصا قطاع السياحة والفندقة المرتبطة بالمطاعم، إلى جانب قطاعات أخرى، في الوقت الذي لا يزال فيه القطاع الزراعي يحاول المقاومة للبقاء صامدا في ظل استمرار الحصار والانقسام.
واستمرار الواقع على ما هو عليه في القطاع يدفع نحو هروب رؤوس الأموال ورجال الأعمال إلى خارج القطاع، خصوصا مع تراجع الاستثمار في القطاع وارتفاع معدلات الفقر ولجوء كبرى الشركات لتسريح العمال والموظفين نظرا لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفق نوفل.
وارتفعت معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي في القطاع لما يزيد عن 55%، فضلا عن ازدياد معدل اعتماد الأفراد على المساعدات الإغاثية المقدمة من المؤسسات الدولية لنحو 80%، فيما يشير تقريرٌ صادر عن اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في أغسطس/ آب الماضي، إلى أن متوسط دخل الفرد اليومي في غزة قد تراجع إلى دولارين.
ومنذ فرض الرئيس محمود عباس إجراءاته العقابية ضد غزة، حُرمت أسواق القطاع من أكثر من 300 مليون دولار، بواقع أكثر من 20 مليون دولار شهرياً، وهي السيولة النقدية التي كانت تشكل مصدراً رئيسياً لتحريك التجارة بغزة رغم الحصار الإسرائيلي المفروض عليها وفقًا لتقديرات الخبراء الاقتصاديين.