"صدقات" ومليارات الجيش السوداني

03 يوليو 2019
حميدتي قائد قوات الدعم السريع (فرانس برس)
+ الخط -


يريد المجلس العسكري الانتقالي في السودان أن يذكرنا من وقت لآخر بما فعلته المجالس الانتقالية في بعض البلاد العربية الأخرى، خاصة تلك التي كانت تعاني من خزائن عامة خاوية وعجز كبير في الموازنات العامة ونقص في إيرادات النقد الأجنبي عقب اندلاع ثورات أو توترات وقلاقل سياسية.

ويريد المجلس السوداني كذلك أن يعيد لأذهاننا مقولة ربما تريد هذه المجالس العسكرية الانتقالية تثبيتها في أذهان المواطن العربي، وهي أن الجيوش أغنى من الدول والخزانة العامة، وأن أموال المؤسسات العسكرية هي التي تنقذ سفينة البلاد والعباد من الغرق في أوحال الأزمات الاقتصادية الحادة.

بل أن أموال المؤسسة العسكرية تحمي الدولة من موجات المشاكل المالية العنيفة التي تكاد تغرق السفينة بمن عليها من مواطنين واقتصاد وأسواق وموازنة وأنشطة اقتصادية.

وأنك كمواطن إذا ما أردت أن تحل أزمات الوقود وانقطاع الكهرباء والمياه وطوابير الخبز واختفاء السلع الغذائية والرئيسية وألبان الأطفال، بل وطفح مياه الصرف الصحي، فما عليك إلا أن تتمسك بأعضاء تلك المجالس التي جاءت على ظهر دبابة.

قبل أيام خرج علينا رئيس المجلس العسكري في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان بتصريح لافت قال فيه لقادة وسائل الإعلام إن تسيير دولاب الدولة، أي الإنفاق على أجهزة الدولة والمواطن والخدمات والصحة والأسواق، يعتمد على ما تصرفه المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع على البلاد.


ويوم 26 إبريل/ نيسان الماضي خرج نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليزف للسودانيين بشرى مفادها أن المؤسسة العسكرية دفعت لوزارة المالية وبنك السودان المركزي مليارا و27 مليون دولار كدعم سريع للموازنة العامة وتغطية كلفة استيراد المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز ومازوت وغيرها، وكذا سداد فاتورة استيراد الدواء والقمح والأغذية، إضافة إلى تغطية احتياجات مطبعة العملة لدى البنك المركزي.

بل إن حميدتي، وكما نقلت الصحف السودانية والعالمية عنه، لم يتأخر في تحويل الدولارات إلى البنك المركزي حتى تواصل مطبعة العملة طباعة الجنيه السوداني بلا توقف، وبالتالي يتم حل أزمة نقص السيولة.

وحسب تصريحات حميدتي: "عندما سألت الزبير (يقصد محمد خير الزبير محافظ بنك السودان المركزي)، عن احتياجات مطبعة البنكنوت، فقال 10 ملايين دولار، فدفعتها له على الفور" ، وكأن المبلغ في جيبه أو تحت وسادته.

وبغض النظر عن الصدقات والمكرمات العسكرية التي يوزعها الجيش السوداني على أشقائه المواطنين السودانيين، فإن السؤال الأهم هنا هو عن مصدر هذه الأموال، هل هي من الثلاثة مليارات دولار التي دفعتها الإمارات والسعودية لقادة الانقلاب العسكري الذي جرى على عمر البشير.

حميدتي يجيب عن السؤال بقوله إن الأموال المدفوعة من قبل الدولتين الخليجيتين دخلت البنك المركزي ولم تدخل في حسابه الشخصي أو حساب غيره من قادة المجلس العسكري.


ومع التصديق لرواية حميدتي، فإن السؤال لا يزال مطروحا، وهو ما مصدر كل هذه المليارات التي يتصدق بها الجيش على المواطنين، وأين كانت المليارات وقت أن كانت الحكومة السودانية تزعم أنها لا تمتلك بضعة ملايين من الدولارات لشراء القمح والدقيق وأدوية القلب والانسولين، وهو ما سبّب أزمات معيشية حادة عاشها الشارع قبل عزل البشير.

وإذا كانت هذه المليارات وغيرها ملكا للجيش السوداني، فهل يتم مراقبتها وفحص أوجه انفاقها ومصادرها من قبل ديوان المحاسبة أو الجهاز المركزي للمحاسبات في البلاد؟ ولماذا لم تظهر وقت أن كان السودانيون في حاجة ماسة إليها؟

كلام برهان وحميدتي يؤكد حقيقة واحدة وهي أن الدول العربية ليست فقيرة كما تزعم الأنظمة، لكن الموارد تذهب لمسارات أخرى غير جيب المواطن وتلبية احتياجاته، سواء الأساسية من غذاء ووقود، أو خدمية مثل الكهرباء والتعليم والصحة والمياه والاتصالات وغيرها.