وورد في التقرير أنه قبل عامين بدأ ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، ما كان يأمل بأن يكون إصلاحاً شاملاً لاقتصاد المملكة. وبرأي الكاتب، كانت هناك حاجة بالتأكيد للتغيير، لأن الاقتصاد يعتمد كثيراً على عائدات النفط، التي يتم توزيعها بشكل غير فعّال من خلال شبكات المحسوبية.
كما كان واضحاً أنّ البلد بحاجة إلى قطاع خاص حيوي وتنافسي، وإلى تطوير صناعات غير نفطية، وإلى الاستعداد لمستقبل قد لا تكون فيه السعودية قادرة على الاعتماد على الثروة الموجودة تحت رمالها.
لكن ولي العهد انطلق في الاتجاه الخاطئ، بحسب التقرير، عندما قرّر الإعداد لبيع أسهم شركة النفط العملاقة "أرامكو" في طرح عام أولي، وهي أكبر شركة نفط في العالم.
فقد كانت هذه الخطة طموحة للغاية، إذ بلغت قيمة الشركة نحو تريليونَي دولار، وكان مقرراً أن يتم الاكتتاب الضخم بحلول هذا العام، لكن الآن تم تأجيل الصفقة إلى أجل غير مسمى، ما يمنح ولي العهد فرصة لإعادة تقييم استراتيجية ما يعتبره إصلاحاً من خلال اتباع إجراءات أكثر عملانية.
في هذه المرحلة، يعتبر التقرير أن ولي العهد بحاجة إلى التحرّك سريعاً، لأن قرار وقف طرح أسهم شركة "أرامكو" للاكتتاب العام سيضع المستثمرين في وقع الانتظار، كما أن وتيرة هروب رؤوس الأموال، وهي مشكلة خطيرة فعلاً، يمكن أن تتسارع.
تناقضات
كما سيتعيّن علي ولي العهد، وفقاً للتقرير، أن يتصرّف تحت مراقبة مكثفة من جانب السعوديين والمستثمرين الأجانب الشاعرين بمباعث القلق حيال جهود "الإصلاح" التي تمت حتى الآن، والتي جاءت نتائجها متباينة. فقد سُمح للمرأة بقيادة السيارة، في حين أن العديد من نشطاء حقوق المرأة تم اعتقالهم.
وفي سياق التناقضات، يلاحظ التقرير أنه تم تخفيض الإعانات وفرض ضرائب جديدة، ما أنتج وفراً مالياً قضى عل مكاسبه ارتفاع الإنفاق الحكومي على الأجور والمزايا.
ويلاحظ التقرير أن صندوق الثروة السيادي حقق بعض الاستثمارات الناجحة في الخارج، ومع ذلك لم تحافظ الرياض على ميلها إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية العملاقة في الداخل.
ويشير إلى أن ولي العهد نفسه بدا مشتتاً بمسائل بعيدة كل البُعد عن الإصلاح، ومنها حالة العداء المستجدة مع كندا والتي لا فائدة منها بالنسبة إلى السعودية.
العودة إلى أهداف 2016
ومن أجل طمأنة المواطنين والمستثمرين الأجانب إلى أن ولي العهد لم يُضِع بوصلة رؤيته الإصلاحية، يرى التقرير أن على محمد بن سلمان أن يعود أدراجه إلى أهداف كان قد حدّدها عام 2016، وتتمثل بالحد من دور الدولة في الاقتصاد، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وإدخال بعض الشفافية إلى نظام مبهم مشهور بتوزيع عائدات النفط على النخبة.
ويعتقد كاتب التقرير أن الهدف من الاكتتاب الذي كان مقرراً في إطار طرح أسهم "أرامكو" (قبل أن يوقفه الملك سلمان، بحسب تقرير آخر صادر عن وكالة رويترز مساء أمس الإثنين)، هو الدفع باتجاه الأهداف الثلاثة المُشار إليها.
مشاريع أكثر واقعية
ومن شأن مسار أكثر واقعية، بحسب التقرير، أن يتضمّن مشاريع أصغر، مثل خصخصة مطار، أو محطة تحلية، أو حتى مطحنة دقيق.
إذ إن أي مشروع من مشاريع الخصخصة غير النفطية الأربعة عشر التي أعلنتها الرياض في إبريل/ نيسان الماضي، يمكن أن يثبت أن الحكومة قادرة على نقل الأصول بشفافية إلى أعلى مزايد، وهذا لن يكون إنجازاً صغيراً في اقتصاد هيمنت عليه دولة دأبت على محاصصة الأصول بين قلة من المنتفعين المفضلين لديها.
كذلك، يعتقد كاتب التقرير أن ولي العهد سيُبدي ذكاء إن هو جمّد مشروعه الطموح الثاني، نيوم، البالغة تكاليفه 500 مليار دولار، شمال غربي البلاد، والمُسمّى "مدينة المستقبل". إذ من الأفضل إنفاق أموال الصندوق السيادي بفعالية على مبادرات القطاع الخاص، لا سيما في الصناعات التي تسمح بالتنويع الاقتصادي بعيداً من الاعتماد غير السليم على إيرادات النفط.
ثم ينتهي التقرير إلى خلاصة مفادها أنه يمكن تفهّم ما يغري محمد بن سلمان لإثبات مكانته من خلال مشروع ضخم، أكان بإدراج "أرامكو" العملاقة أو بناء مدينة صحراوية جديدة، خصوصاً بالنسبة لولي عهد عمره 32 عاماً وهو في عجلة من أمره ليصبح حاكماً.لكن مصداقية ولي العهد، بحسب التقرير، قد تتحسن أكثر، وقد يخدم بلده بشكل أفضل، إذا ما وجّه انتباهه وانتباه العالم أكثر، إلى تأثير تراكمي نحو إصلاحات تتّسم بقدر أقلّ من المبالغة.