دفعت حالة الركود، التي تخيم على الأسواق المصرية، التجار في العديد من القطاعات، إلى حرق الأسعار في محاولة لجذب المشترين وإنقاذ أنشطتهم، التي باتت مهددة بالإغلاق مع انحدار القدرة الشرائية لأغلب المصريين الذين أنهكتهم قرارات متلاحقة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع أسعار مختلف السلع والخدمات منذ نحو ست سنوات.
وأظهرت مؤشرات اقتصادية، تراجع الطلب على عشرات السلع خلال 2019 الذي يشرف على الانتهاء، بنسب تخطت 50 في المائة، مقارنة بالعام 2018، وهو ما اضطر العديد من الشركات إلى النزول بالأسعار، رغم ارتفاع تكاليف التشغيل خاصة الوقود، وذلك لتوفير سيولة نقدية لتسديد فوائد القروض البنكية، أو لإعادة توجيهها في مشروعات أخرى تعوضهم جزءاً من خسائرهم البيعية.
وتسبب الركود الحاد في الأسواق في تراكم مخزون بعض السلع الغذائية، في سابقة غير معهودة في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، ما دفع الحكومة إلى التدخل لإنقاذ إحدى الشركات التابعة لها بإجراءات تساعدها في تصريف منتجاتها.
ولم تقتصر تداعيات الركود على القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، بل امتدت إلى البورصة المصرية، التي تكبدت الأسهم فيها خسائر كبيرة، في الفترة الأخيرة، وسط شح شديد في السيولة.
ولم تكشف الحكومة المصرية عن آخر أرقام الفقر في العامين الأخيرين، مكتفية وفق بيان صادر في يوليو/تموز 2019 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالإعلان عن ارتفاع معدلات الفقر إلى 32.5 في المائة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/2018، مقابل 27.8 في المائة لعام 2015/2016، وهي أعلى نسبة للفقر منذ عام 2000.
اقــرأ أيضاً
بينما أظهرت مؤشرات حديثة للبنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر والفئات القابلة للدخول في دائرته بنحو 60 في المائة.
وطبقاً لتقرير مؤشر الجوع العالمي، الذي يصدر سنوياً عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جاءت مصر في المرتبة 61 ما بين 119 دولة، ويعتمد التقرير على البيانات الأولية لمنظمات أممية منها الفاو والصحة العالمية، واليونيسف، والبنك الدولي.
وفي رصد لـ"العربي الجديد"، طاول الركود مختلف القطاعات سواء الزراعية أو الصناعية والتجارية والعقارية وحتى أسواق المال في مأزق ينذر بخطر محدق بالاقتصاد، رغم التجاهل الحكومي.
ففي القطاع الزراعي تراجعت أسعار الأسمدة الحرة بنسبة 22 في المائة خلال 2019 مقارنة بالعام الماضي، إذ انخفض سعر الشيكارة (عبوة زنة 50 كيلوغراما) من 250 جينها (15.7 دولارا) إلى 195 جنيها في المتوسط. وأرجع مزارعون الانخفاض الكبير في الأسعار إلى ضعف القوى الشرائية لهم، ما أدى إلى تقلص كميات الشراء وارتفاع المخزون في الأسواق.
ويعاني مزارعو القطن هذا العام من أزمة في تسويق منتجهم، رغم تقليص المساحة المنزرعة، وتراجع الإنتاج من 2.4 مليون قنطار (القنطار يعادل 100 كيلوغرام) العام الماضي إلى نحو 1.5 مليون هذا العام بهبوط تبلغ نسبته 37.5 في المائة.
وهبطت أزمة التسويق بالسعر إلى 1700 جنيه للقنطار، مقابل 2500 جنيه العام الماضي، نتيجة وجود مخزون لدى التجار من العام الماضي يقدر بنحو مليون قنطار.
ووصل الركود إلى سلعة السكر الاستراتيجية، حيث تكدست كميات سكر البنجر في مخازن الشركات الحكومية الثلاث (الدقهلية، النوبارية، الدلتا) إلى مليون طن في منتصف الموسم، نتيجة انخفاض أسعار السكر المستورد من جهة، وتراجع حجم الاستهلاك، الأمر الذي دعا وزارة الزراعة إلى التقدم بمقترح إلى مجلس الوزراء لمناقشة فرض رسوم حمائية على واردات السكر.
تدخل حكومي لإنقاذ شركات السكر
وتدخلت الحكومة، خلال الأيام الماضية لإنقاذ شركات سكر من أزمة محدقة، نتيجة تراكم الإنتاج، وأصدرت تعليمات للشركة القابضة للصناعات الغذائية، بشراء 480 ألف طن بسعر 6 آلاف جنيه للطن.
ويقدر الاستهلاك المحلي من السكر في الغالب بـ3 ملايين طن سنوياً، منها 2.2 مليون طن إنتاج محلي، بينما كانت تتراوح الكميات المستوردة بين 800 و900 ألف طن لتغطية الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك على مدار السنوات الماضية.
كما تراجعت مبيعات اللحوم الحية في الأسواق وفقًا لتجار تحدثوا لـ"العربي الجديد" بنسب وصلت إلى 50 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، وهو ما أدى لانخفاض أسعار اللحوم الحمراء بحوالي 25 في المائة في المتوسط.
وأكد محمد أحمد، أحد كبار تجار المواشي بمحافظات الدلتا (شمال مصر)، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تدهور أوضاع تجارة وتربية المواشي، تدخل الجيش سواء عن طريق استيراد اللحوم، أو التربية المحلية، والبيع بأسعار تسبب خسائر للمربين، لأن تكلفة الإنتاج في الجيش لا تذكر، مقارنة بتكلفة التربية لدى الفلاحين.
وفي قطاع السيارات، أظهرت إحصاءات مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" تراجع مبيعات السيارات بمختلف فئاتها بنسبة 4.3 في المائة، خلال الشهور العشرة الأولى من 2019، مقارنة بنفس الفترة من 2018.
ويتحفظ عدد من خبراء مبيعات السيارات في مصر، على هذه النسب، إذ إن معلومات التقرير تشمل حركة مبيعات 60 في المائة من العلامات التجارية فقط، كما أنه يعتمد على حجم مبيعات الوكلاء للموزعين والتجار وليس للمستهلك، بمعنى أن السيارات تم تسجيلها كمبيعات، وهي ما زالت في مخازن الموزعين، كما أن الوكلاء يضخمون من حجم مبيعاتهم، كنوع من الرواج الوهمي لاقتناص شرائح جديدة.
ركود عقاري يضرب مواد البناء
ولم يسلم قطاع العقارات من الركود، بينما ظل لعقود ماضية قاطرة الاقتصاد المصري. ويقدر حسين الحمصاني، خبير التقييم العقاري في حديث لـ"العربي الجديد"، نسبة تراجع الطلب على الشراء بنسبة 20 في المائة في 2019 عن العام الماضي، مشيرا إلى ارتفاع المعروض بينما يخشى المطورون خفض الأسعار بعد أن تحملوا تكاليف مرتفعة بعد تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) بنهاية 2016.
ويتوقع مؤشر "عقار ماب"، المتخصص في دراسة ومتابعة أسواق العقارات، استمرار تراجع الطلب على العقارات حتى بدايات العام المقبل 2020، بالرغم من تقديم الكثير من شركات التطوير العقاري لعروض تنافسية. ويساهم القطاع العقاري بـ16.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع معدل نمو قطاعَي التشييد والبناء والأنشطة العقارية من 225 في المائة في 2010/2011، إلى 952 في المائة في 2016/2017.
وانعكس الركود العقاري على أسواق مواد البناء، إذ كشفت مصادر في غرفة صناعة الحديد باتحاد الصناعات عن وجود نحو 900 ألف طن راكد في مخازن الشركات، ما أدى إلى انخفاض الأسعار نحو 10 آلاف جنيه للطن، بعد أن اقتربت من 13 ألف جنيه للطن عقب قرار تعويم الجنيه.
وأظهرت تقارير للبنك المركزي أن متوسط إنتاج مصر من الحديد بلغ 5.9 ملايين طن خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2018/2019، في الوقت التي سجلت المبيعات خلال نفس الفترة نحو 5.1 ملايين طن. ويبدأ العام المالي في الأول من يوليو/تموز.
كما تضررت مبيعات الإسمنت، وتتوقع تقارير متخصصة توقف طاقات إنتاجية بنحو 6 ملايين طن بنهاية 2019، إذا استمر تراجع معدل المبيعات، إذ تُقدر الطاقة الإنتاجية، للمصانع بنحو 85 مليون طن سنوياً، في حين تبلغ احتياجات السوق 50 مليوناً.
وأرجع خوسيه ماريا، المدير التنفيذي، لشركة السويس للإسمنت المملوكة لـ"هايدلبرغ الألمانية" في بيان للبورصة المصرية أخيرا، خسارة شركته خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، إلى حالة الركود التى تضرب السوق العقاري، نتيجة المنافسة التخريبية، على حد وصفه، متوقعا استمرار المزيد من الركود، وعدم حدوث انتعاشة للسوق في 2020.
وطاولت الأزمة مواد التشطيب من سلع كهربائية وطلاء وأدوات صحية. وأكد تامر حافظ، الذي يدير متجرا كبيرا للأدوات الصحية، أن الركود اضطر كبار التجار إلى البيع بأقل من سعر المصنع، مشيرا إلى أن هناك حرقا للأسعار (البيع بسعر التكلفة أو أقل)، لتدبير سيولة نقدية، لسداد أقساط مستحقة للشركات.
الجيش يهزم القطاع الخاص
ويتزامن تراجع القطاع الخاص، الذي يسهم بأكثر من 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة، مع تغلغل الجيش المصري في مختلف الأنشطة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث أعلن المتحدث العسكري في وقت سابق من العام الجاري، أن الهيئة الهندسية التابعة للجيش تشرف على نحو 2300 مشروع يعمل بها 5 ملايين شخص.
ويعاني المصريون من استمرار الغلاء، في ظل زيادات مستمرة في الأسعار فرضها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ منتصف عام 2014. وتمتد أزمة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة إلى البنوك.
فقد نقلت جريدة البورصة، يوم الأحد الماضي، عن يحيى أبوالفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، أكبر البنوك الحكومية في مصر، أن أعداد العملاء المتعثرين بالبنك تبلغ 4600 حالة بقيمة مديونية إجمالية تبلغ 16 مليار جنيه.
اقــرأ أيضاً
وأوضح أبوالفتوح أن تمويلات القطاع السياحي تبلغ قيمتها 16 مليار جنيه منها 6 مليارات جنيه محفظة متعثرة، مشيرا إلى أن محفظة التمويل العقاري تبلغ حاليا 8 مليارات جنيه منها 90 في المائة تمويلات لصالح محدودي الدخل. ويأتي الركود بينما تقول الحكومة إنها تستهدف نمواً اقتصادياً بنسبة 6 في المائة في السنة المالية 2019/2020، التي تنقضي بنهاية يونيو/حزيران المقبل، مقدرة نمو العام المالي الماضي بنحو 5.6 في المائة.
وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي، أن نظام السيسي، طبع نحو 12 مليار جنيه في أغسطس/آب الماضي، في وقت تظهر المؤشرات مواجهة القطاعات الاقتصادية المختلفة ركوداً متواصلاً. وأشارت البيانات التي رصدتها "العربي الجديد" من خلال نشرة "المركزي" الإحصائية لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى وصول قيمة النقد المصدر إلى 547.29 مليار جنيه (34 مليار دولار) مقابل 535.21 مليار جنيه في يوليو/تموز.
ووفق البيانات الأخيرة، يصل إجمالي ما طبعه نظام السيسي منذ منتصف عام 2014 إلى نحو 257.5 مليار جنيه، وهو رقم غير مسبوق، على الرغم من القروض الضخمة، التي تتجاوز ضعف ما استدانه خمسة رؤساء سابقين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عاماً.
وأظهرت مؤشرات اقتصادية، تراجع الطلب على عشرات السلع خلال 2019 الذي يشرف على الانتهاء، بنسب تخطت 50 في المائة، مقارنة بالعام 2018، وهو ما اضطر العديد من الشركات إلى النزول بالأسعار، رغم ارتفاع تكاليف التشغيل خاصة الوقود، وذلك لتوفير سيولة نقدية لتسديد فوائد القروض البنكية، أو لإعادة توجيهها في مشروعات أخرى تعوضهم جزءاً من خسائرهم البيعية.
وتسبب الركود الحاد في الأسواق في تراكم مخزون بعض السلع الغذائية، في سابقة غير معهودة في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، ما دفع الحكومة إلى التدخل لإنقاذ إحدى الشركات التابعة لها بإجراءات تساعدها في تصريف منتجاتها.
ولم تقتصر تداعيات الركود على القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، بل امتدت إلى البورصة المصرية، التي تكبدت الأسهم فيها خسائر كبيرة، في الفترة الأخيرة، وسط شح شديد في السيولة.
ولم تكشف الحكومة المصرية عن آخر أرقام الفقر في العامين الأخيرين، مكتفية وفق بيان صادر في يوليو/تموز 2019 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالإعلان عن ارتفاع معدلات الفقر إلى 32.5 في المائة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/2018، مقابل 27.8 في المائة لعام 2015/2016، وهي أعلى نسبة للفقر منذ عام 2000.
بينما أظهرت مؤشرات حديثة للبنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر والفئات القابلة للدخول في دائرته بنحو 60 في المائة.
وطبقاً لتقرير مؤشر الجوع العالمي، الذي يصدر سنوياً عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جاءت مصر في المرتبة 61 ما بين 119 دولة، ويعتمد التقرير على البيانات الأولية لمنظمات أممية منها الفاو والصحة العالمية، واليونيسف، والبنك الدولي.
ففي القطاع الزراعي تراجعت أسعار الأسمدة الحرة بنسبة 22 في المائة خلال 2019 مقارنة بالعام الماضي، إذ انخفض سعر الشيكارة (عبوة زنة 50 كيلوغراما) من 250 جينها (15.7 دولارا) إلى 195 جنيها في المتوسط. وأرجع مزارعون الانخفاض الكبير في الأسعار إلى ضعف القوى الشرائية لهم، ما أدى إلى تقلص كميات الشراء وارتفاع المخزون في الأسواق.
ويعاني مزارعو القطن هذا العام من أزمة في تسويق منتجهم، رغم تقليص المساحة المنزرعة، وتراجع الإنتاج من 2.4 مليون قنطار (القنطار يعادل 100 كيلوغرام) العام الماضي إلى نحو 1.5 مليون هذا العام بهبوط تبلغ نسبته 37.5 في المائة.
وهبطت أزمة التسويق بالسعر إلى 1700 جنيه للقنطار، مقابل 2500 جنيه العام الماضي، نتيجة وجود مخزون لدى التجار من العام الماضي يقدر بنحو مليون قنطار.
ووصل الركود إلى سلعة السكر الاستراتيجية، حيث تكدست كميات سكر البنجر في مخازن الشركات الحكومية الثلاث (الدقهلية، النوبارية، الدلتا) إلى مليون طن في منتصف الموسم، نتيجة انخفاض أسعار السكر المستورد من جهة، وتراجع حجم الاستهلاك، الأمر الذي دعا وزارة الزراعة إلى التقدم بمقترح إلى مجلس الوزراء لمناقشة فرض رسوم حمائية على واردات السكر.
تدخل حكومي لإنقاذ شركات السكر
وتدخلت الحكومة، خلال الأيام الماضية لإنقاذ شركات سكر من أزمة محدقة، نتيجة تراكم الإنتاج، وأصدرت تعليمات للشركة القابضة للصناعات الغذائية، بشراء 480 ألف طن بسعر 6 آلاف جنيه للطن.
ويقدر الاستهلاك المحلي من السكر في الغالب بـ3 ملايين طن سنوياً، منها 2.2 مليون طن إنتاج محلي، بينما كانت تتراوح الكميات المستوردة بين 800 و900 ألف طن لتغطية الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك على مدار السنوات الماضية.
كما تراجعت مبيعات اللحوم الحية في الأسواق وفقًا لتجار تحدثوا لـ"العربي الجديد" بنسب وصلت إلى 50 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، وهو ما أدى لانخفاض أسعار اللحوم الحمراء بحوالي 25 في المائة في المتوسط.
وأكد محمد أحمد، أحد كبار تجار المواشي بمحافظات الدلتا (شمال مصر)، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تدهور أوضاع تجارة وتربية المواشي، تدخل الجيش سواء عن طريق استيراد اللحوم، أو التربية المحلية، والبيع بأسعار تسبب خسائر للمربين، لأن تكلفة الإنتاج في الجيش لا تذكر، مقارنة بتكلفة التربية لدى الفلاحين.
وفي قطاع السيارات، أظهرت إحصاءات مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" تراجع مبيعات السيارات بمختلف فئاتها بنسبة 4.3 في المائة، خلال الشهور العشرة الأولى من 2019، مقارنة بنفس الفترة من 2018.
ركود عقاري يضرب مواد البناء
ولم يسلم قطاع العقارات من الركود، بينما ظل لعقود ماضية قاطرة الاقتصاد المصري. ويقدر حسين الحمصاني، خبير التقييم العقاري في حديث لـ"العربي الجديد"، نسبة تراجع الطلب على الشراء بنسبة 20 في المائة في 2019 عن العام الماضي، مشيرا إلى ارتفاع المعروض بينما يخشى المطورون خفض الأسعار بعد أن تحملوا تكاليف مرتفعة بعد تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) بنهاية 2016.
ويتوقع مؤشر "عقار ماب"، المتخصص في دراسة ومتابعة أسواق العقارات، استمرار تراجع الطلب على العقارات حتى بدايات العام المقبل 2020، بالرغم من تقديم الكثير من شركات التطوير العقاري لعروض تنافسية. ويساهم القطاع العقاري بـ16.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع معدل نمو قطاعَي التشييد والبناء والأنشطة العقارية من 225 في المائة في 2010/2011، إلى 952 في المائة في 2016/2017.
وانعكس الركود العقاري على أسواق مواد البناء، إذ كشفت مصادر في غرفة صناعة الحديد باتحاد الصناعات عن وجود نحو 900 ألف طن راكد في مخازن الشركات، ما أدى إلى انخفاض الأسعار نحو 10 آلاف جنيه للطن، بعد أن اقتربت من 13 ألف جنيه للطن عقب قرار تعويم الجنيه.
وأظهرت تقارير للبنك المركزي أن متوسط إنتاج مصر من الحديد بلغ 5.9 ملايين طن خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2018/2019، في الوقت التي سجلت المبيعات خلال نفس الفترة نحو 5.1 ملايين طن. ويبدأ العام المالي في الأول من يوليو/تموز.
كما تضررت مبيعات الإسمنت، وتتوقع تقارير متخصصة توقف طاقات إنتاجية بنحو 6 ملايين طن بنهاية 2019، إذا استمر تراجع معدل المبيعات، إذ تُقدر الطاقة الإنتاجية، للمصانع بنحو 85 مليون طن سنوياً، في حين تبلغ احتياجات السوق 50 مليوناً.
وأرجع خوسيه ماريا، المدير التنفيذي، لشركة السويس للإسمنت المملوكة لـ"هايدلبرغ الألمانية" في بيان للبورصة المصرية أخيرا، خسارة شركته خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، إلى حالة الركود التى تضرب السوق العقاري، نتيجة المنافسة التخريبية، على حد وصفه، متوقعا استمرار المزيد من الركود، وعدم حدوث انتعاشة للسوق في 2020.
وطاولت الأزمة مواد التشطيب من سلع كهربائية وطلاء وأدوات صحية. وأكد تامر حافظ، الذي يدير متجرا كبيرا للأدوات الصحية، أن الركود اضطر كبار التجار إلى البيع بأقل من سعر المصنع، مشيرا إلى أن هناك حرقا للأسعار (البيع بسعر التكلفة أو أقل)، لتدبير سيولة نقدية، لسداد أقساط مستحقة للشركات.
الجيش يهزم القطاع الخاص
ويتزامن تراجع القطاع الخاص، الذي يسهم بأكثر من 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة، مع تغلغل الجيش المصري في مختلف الأنشطة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث أعلن المتحدث العسكري في وقت سابق من العام الجاري، أن الهيئة الهندسية التابعة للجيش تشرف على نحو 2300 مشروع يعمل بها 5 ملايين شخص.
ويعاني المصريون من استمرار الغلاء، في ظل زيادات مستمرة في الأسعار فرضها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ منتصف عام 2014. وتمتد أزمة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة إلى البنوك.
فقد نقلت جريدة البورصة، يوم الأحد الماضي، عن يحيى أبوالفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، أكبر البنوك الحكومية في مصر، أن أعداد العملاء المتعثرين بالبنك تبلغ 4600 حالة بقيمة مديونية إجمالية تبلغ 16 مليار جنيه.
وأوضح أبوالفتوح أن تمويلات القطاع السياحي تبلغ قيمتها 16 مليار جنيه منها 6 مليارات جنيه محفظة متعثرة، مشيرا إلى أن محفظة التمويل العقاري تبلغ حاليا 8 مليارات جنيه منها 90 في المائة تمويلات لصالح محدودي الدخل. ويأتي الركود بينما تقول الحكومة إنها تستهدف نمواً اقتصادياً بنسبة 6 في المائة في السنة المالية 2019/2020، التي تنقضي بنهاية يونيو/حزيران المقبل، مقدرة نمو العام المالي الماضي بنحو 5.6 في المائة.
ووفق البيانات الأخيرة، يصل إجمالي ما طبعه نظام السيسي منذ منتصف عام 2014 إلى نحو 257.5 مليار جنيه، وهو رقم غير مسبوق، على الرغم من القروض الضخمة، التي تتجاوز ضعف ما استدانه خمسة رؤساء سابقين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عاماً.