فتور شهية شركات النفط حيال ثروات الغاز اللبنانية

06 ابريل 2014
منصة لاستخراج الغاز من حقل بحري
+ الخط -

لم تعد شركات الطاقة الأوروبية، مثل شتات أويل النرويجية وايني الإيطالية، تبدي اهتماماً بالاستثمار في ثروات الغاز اللبنانية الهائلة، رغم تأهلها العام الماضي، لخوض جولة أولى طال انتظارها لإرساء تراخيص التنقيب.

واختار لبنان 46 شركة في أبريل/ نيسان 2013 للمنافسة على التنقيب عن الغاز، من بينها 12 شركة ستدخل المنافسة على حصص تشغيلية، لكن محللين ومصادر في القطاع يقولون إن الإجراءات المعقدة، وتداعيات الحرب في سوريا والنزاعات بشأن الحدود البحرية، تشكل عقبات في وجه المستثمرين المحتملين.
وبعد عشرة أشهر من الجمود السياسي في ظل حكومة تسيير الأعمال، بدأت الحكومة الجديدة التي أعلن تشكيلها منتصف فبراير/ شباط الماضي برئاسة تمام سلام، ممارسة صلاحيات تمكنها من التعامل مع حصتها في أحد أكبر معاقل الغاز الطبيعي وأكثرها إثارة للخلافات السياسية.

ويعول اللبنانيون على إنتاج الغاز في تحسين الوضع الاقتصادي للبلد الذي انهكته ديون عامة تزيد على 60 مليار دولار، وتراجع في معدلات النمو بسبب الأزمة السورية ذات التأثير المباشر والقوي على الجارة لبنان.

ويرى محللون أن الشروط المالية المقترحة صارمة، الأمر الذي يثني الشركات، رغم احتمال العثور على موارد كبيرة، قدّرتها بيانات لوزارة الطاقة اللبنانية العام الماضي بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز.

وقالت محللة الشأن اللبناني في شركة آي.اتش.اس إنرجي مريم الشمة "إنه استثمار ينطوي على مخاطر بالغة في الوقت الراهن".

وتابعت "نرى أن الوضع السياسي يتجه صوب مزيد من عدم الاستقرار، وهو ما يعني استمرار القلاقل السياسية ما استمر الصراع في سوريا".

ويملك لبنان، الواقع في شرق البحر المتوسط بين إسرائيل وسوريا، احتياطيات كبيرة من الغاز لكنه يقبع أيضاً فوق خطوط التماس لصراعات إقليمية مزمنة.

ويقدر المسؤولون حجم الاحتياطيات البحرية من الغاز بما يصل إلى 96 تريليون قدم مكعبة.

وإذا تأكد ذلك فسيحتل لبنان المرتبة الخامسة عشرة عالمياً من حيث حجم الاحتياطيات بحسب ترتيب بي.بي لموارد الغاز العالمية في 2012، لكن من المرجح أن تكون الكميات القابلة للاستخراج أقل بكثير في ضوء نقص بيانات الحفر في لبنان.

لكن حتى ذلك الجزء الضئيل يكفي لإحداث تحول بالنسبة إلى بلد تقطنه نحو أربعة ملايين نسمة ويعتمد على واردات باهظة التكلفة من النفط، وقد يجعله مصدراً للغاز نظراً إلى الطلب المحلي المحدود.

وكان وزير الطاقة أرتور نظريان قد حث مجلس الوزراء في مارس/ آذار الماضي على التصديق على قرار لترسيم الامتيازات وتحديد شروط العقود، وهي خطوة ضرورية لبدء العطاءات، وتعهد بأن المشاكل السياسية لن تكبل يد وزارته.

ومن أكبر مشاكل لبنان عدم التوافق السياسي وحالة الشلل في صناعة القرار الناشئة عن نظام المحاصصة الطائفية الموروث عن حقبة الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

ففي الفترة من مارس/ آذار 2013 إلى فبراير/ شباط 2014 عجز الساسة حتى عن تشكيل حكومة، لتصبح جولة العطاءات الأولى في طي النسيان بسبب عدم امتلاك حكومة تسيير الأعمال سلطة إقرار المراسيم المطلوبة.

وشهدت الأزمة انفراجاً بعد نزاع طويل بشأن الفصيل الذي سيحصل على حقيبة الطاقة، لكن القرارات لم توقع بعد.

وقال المحلل في مجموعة أوراسيا أيهم كامل، إن إغراء الامتيازات المحتملة وحتى الواعدة جداً منها، يتضاءل على نحو مطرد بالنسبة إلى الشركات.

وتابع "أقول في هذا الصدد إن هناك منعطفات مهمة على لبنان أن يتخطاها أو عقبات عليه أن يذللها قبل أن تصبح هذه فرصة ملموسة حقيقية لشركات النفط العالمية. في الوقت الحالي هي مجرد فرصة لا أكثر".

ومن غير الواضح حجم الغاز الذي سيستهلكه لبنان محلياً وحجم ما سيسعى إلى تصديره.

وفي حالة التصدير، ليس من الواضح نوع البنية التحتية الضرورية وتكلفة تشييدها، خصوصاً في ظل استحالة الدخول في مشاريع مشتركة مع إسرائيل أو سوريا بسبب الصراعات الإقليمية، وهو ما كان سيخفض تكاليف التصدير.

وقال مصدر في القطاع اطلع على الوضع اللبناني، إن النظام الضريبي الذي تقترحه السلطات ويتضمن فرض ضرائب على الأرباح ورسم امتياز 4% على الغاز باهظ جداً في ضوء المخاطر القائمة.

وأضاف "إنهم كمن يريد بيع السمك قبل صيده. بدلاً من تطمين السوق بشأن المخاطر السياسية أثاروا فزع الجميع".

وقال المصدر إن هناك مؤشرات على رغبة الحكومة في الاحتفاظ بحق إشراك شركات النفط الوطنية في تطوير الحقول، وإنهم قد يفرضون تشغيل نسبة كبيرة من العمالة المحلية، ما أثار قلق المستثمرين أيضاً.

وشارك في جولة التراخيص الأولى شركات مثل أناداركو وشيفرون وإكسون موبيل وإنبكس وإيني وبتروبراس وريبسول وبتروناس وشتات أويل وتوتال وشل.

لكن شتات أويل أبلغت رويترز أنها لن تشارك، وأحجمت شل وتوتال وجي.دي.اف سويز عن التعليق على الجولة في حين من غير الواضح إن كانت ايني ستشارك حسبما قال مصدر قريب من الشركة.

وثمة مشاكل أخرى ناجمة عن العلاقات مع إسرائيل التي تعتبر رسمياً في حالة حرب مع لبنان، فمن شأن النزاع على الحدود البحرية أن يؤثر على عدد من الرقع المعروضة، وقد يكون من الصعب أن تعمل الشركات في البلدين معاً بسبب التوترات.

وقال مصدر في إديسون الايطالية التي تجري محادثات لشراء حقلين إسرائيليين "التوترات بين الجانبين تعني ببساطة أن المستثمر في مجال الطاقة لا يستطيع أن يعمل في كل من إسرائيل ولبنان في الوقت نفسه".

وتشمل المنطقة المتنازع عليها أكثر من 300 ميل مربع، وقد تحوي، بحسب وكالة الطاقة الدولية، احتياطيات كبيرة نظراً لقربها من منطقة وسط حوض الشام.

بالإضافة إلى هذا، تبرز سوريا الجار المهيمين تاريخياً على الشأن اللبناني والذي يخوض منذ 3 سنوات غمار صراع عنيف من الثورة على نظام بشار الأسد، راح ضحيته نحو 150 ألف شخص وأجبر الملايين على النزوح عن منازلهم.

ويغذي الصراع في سوريا مواجهات مسلحة وهجمات صاروخية وتفجيرات وعمليات خطف رهائن داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما لا يبعث على الاطمئنان بالنسبة إلى المستثمرين المحتملين.

لكن يبقى بصيص من الأمل في أن تصنيف المخاطر الإجمالية للبنان أقل بكثير منه في بلدان أخرى في المنطقة مثل العراق وإيران.

وقال مصدر في ايني الإيطالية، "نحن نعمل في ليبيا ونيجيريا ومصر. لبنان يشبه سويسرا على المتوسط مقارنة بتلك الدول".

دلالات
المساهمون