لم يستطع صالح بن سالم، النازح من مناطق الاشتباكات جنوب العاصمة الليبية طرابلس، الحصول على حقنة أنسولين لمرض السكري بسبب نقصها الحاد في الأسواق وغلاء سعرها، كأحد نتائج الحرب التي تشنها مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الغرب الليبي، والعاصمة خصوصاً.
وقال بن سالم، لـ"العربي الجديد"، إن هناك مساعي من قبل المواطنين لتوفير أدوية له بمجهود فردي، مضيفا أنه ذهب إلى صندوق الزكاة لمساعدته بشأن الحقنة، ولكنهم طلبوا منه أوراقا رسمية ومستندات لا يمتلكها حاليا. وتصاعدت أزمة نقص الدواء في ليبيا وسط تصاعد الاشتباكات بين قوات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف به دوليا، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي فشلت في السيطرة على طرابلس على مدار 3 أسابيع من الصراع بين الطرفين.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، أمين الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك نقصا حادا في أدوية الأمراض المزمنة في الأسواق، إلا أنه أكد توفر الأدوية والمستلزمات الطبية في جميع المستشفيات الحكومية بطرابلس، حيث إن الوزارة لم تمس الاحتياطي من الأدوية المتعلقة بالمستشفيات حتى الآن.
وتوفر ليبيا الأدوية للأمراض المزمنة بشكل مجاني للمواطنين، منها أمراض السكري وغسيل الكلى وضيق التنفس والقلب والسرطان وغيرها من الأمراض. وحسب تقارير رسمية، تبلغ ميزانية جهاز الإمداد الطبي الحكومي، التي تختص بأدوية المستشفيات العامة، نحو 700 مليون دينار ليبي (507.2 ملايين دولار) سنوياً، وتبلغ الديون المستحقة على جهاز الإمداد الطبي للشركات الخاصة الموردة للأدوية نحو 1.4 مليار دينار (1.02 مليار دولار).
وذكرت تقارير ديوان المحاسبة (الحكومي) أن ليبيا تنفق سنويا أربعة مليارات دينار (2.9 مليار دولار) على الصحة والأدوية، ورغم ذلك تشهد المصحات الخاصة داخل البلاد وخارجها إقبالا من المواطنين، في ظل ضعف الخدمات التي تقدمها المستشفيات الحكومية. ويبلغ عدد الشركات الموردة للأدوية والمعتمدة لدى وزارة الصحة 350 شركة طبية.
إلى ذلك، توقّف أكبر سوق للأدوية في العاصمة الليبية طرابلس عن العمل، بسبب عمليات السطو التي تعرّض إليها رواد السوق من شركات وموزعين للأدوية وصيدليات خاصة. وقال عضو اتحاد موردي الأدوية، عبد الرحمن البوسيفي، لـ"العربي الجديد" إن سبب إغلاق سوق الأدوية بمنطقة الدريبي في العاصمة طرابلس، يرجع إلى الفراغ الأمني وتصاعد الاشتباكات المسلحة، مؤكدا ضرورة سرعة فتح السوق، لأن إغلاقه لمدة طويلة سيتسبب في زيادة أسعار الأدوية المرتفعة أصلا.
وقال أحد المتعاملين في السوق، محمد التومي، لـ"العربي الجديد"، إن لديه مجموعة صيدليات في ضواحي العاصمة تحتاج إلى أدوية بشكل عاجل، موضحاً أن إغلاق السوق سوف يؤدي إلى أزمة أدوية خانقة في البلاد. ويرى صاحب شركة لتوريد الأدوية، محمد المعدني، أن سوق الأدوية يحتاج إلى تنظيم جيد، لأن البعض يحتكر تسعيرة الأدوية، ما يؤدي إلى معاناة معظم الشركات العاملة في هذا المجال.
ووفقاً لمصادر أمنية تحدثت لـ"العربي الجديد"، يوجد أكثر من 364 بلاغا عن جرائم السطو المسلح والسرقة لبيوت وسيارات ومحال تجارية ومزارع ومصانع صغيرة في طرابلس والمناطق المجاورة، خلال 20 يوما من الاشتباكات.
وعلى صعيد الإجراءات الحكومية للتخفيف من الأزمات المعيشية التي تشهدها العاصمة، وافق رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، على تخصيص ميزانية طوارئ للبلديات التي سيتم من خلالها تقديم الدعم للأسر النازحة والمتضررة، وضمان استمرار حصول المواطن على الخدمات والاحتياجات الأساسية اليومية، بما في ذلك الكهرباء والوقود والاتصالات، بالإضافة إلى توفير الأدوية وضمان توريدها، خاصة المتعلقة بالأمراض المزمنة وتوفير التطعيمات.
كما صدر قرار آخر بتخصيص ميزانية طوارئ للشركة العامة للكهرباء، لصيانة الشبكة العامة وخطوط النقل المتضررة.
وقال عضو لجنة الأزمة ببلدية طرابلس، طه الشكشوكي، لـ"العربي الجديد"، إن 90% من احتياجات الأسر النازحة لمختلف البلديات يتم عبر التبرعات من المواطنين، في ظل تزايد أعداد النازحين البالغة 43 ألف نازح حتى الآن.
من جانبه، قال رئيس لجنة النازحين في المجلس الرئاسي، فاضل جبران، إن هناك بطئا في الإجراءات بشأن النازحين، بسبب تأخر صرف الميزانية منذ أربعة أشهر. مضيفا أن هناك 100 مليون دينار سوف تصرف للبلديات لمعالجة أوضاع النازحين. وأكد جبران، لـ"العربي الجديد"، أن أرقام النازحين في تزايد مستمر، ويتم رصده عبر التسجيلات الجديدة لأسماء النازحين، في ظل تصاعد الاشتباكات المسلحة. ويعاني الاقتصاد الليبي من أزمات خانقة، في ظل تصاعد الحرب التي تؤثر سلبا على العائدات النفطية التي توفر نحو 95% من الإيرادات المالية. وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق الوطني، مصطفى صنع الله، يوم السبت الماضي، إنّ الأعمال العدائية التي اندلعت مؤخّراً تشكّل خطراً على عملياتنا، وتهدّد كلّاً من الإنتاج والاقتصاد الوطني.