آمال روسيا في تعويض نفقاتها في سورية تتبخر وإيران الأكثر استفادة

15 يونيو 2020
قوات أميركية في محيط حقل نفط سوري (فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور أكثر من 4 سنوات ونصف السنة على التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، أسهمت موسكو بشكل فعال في منع سقوط حليفها بشار الأسد، ومكنته من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من يد المعارضة.

لكن هذا التقدم العسكري لم يكن مجاناً، فروسيا تكبدت نفقات عسكرية كبيرة لتحقيق ذلك، وبالمقابل لم تحصل على عوائد مالية من النظام الذي يعاني لسنوات من تدهور اقتصادي، جعلته عاجزاً عن دفع أي مبالغ لحلفائه.

صحيح أن روسيا عززت تواجدها العسكري الذي كان قائماً حتى قبل تدخلها المباشر، إلا أنها لم تستطع جني فوائد اقتصادية تذكر، ولم تتمكن حتى الآن من تهيئة الأرضية في سورية لتحقيق عوائد تغطي ما تكبدته من نفقات، وفق تحليل نشرته وكالة الأناضول اليوم الاثنين.

فحسب عدد من الدراسات والتقارير، فإن معدل النفقات العسكرية الروسية في سورية يبلغ بين 3 و4 ملايين دولار يومياً وهذا يعني 5 إلى 7 مليارات دولار منذ تدخلها.

ومن الجهات التي أجرت تلك الدراسات، مؤسسة البحوث الدولية "إي إتش أس" ومركزها لندن، وفي روسيا نفسها، مثل تقرير لحزب "يابلوكو" المعارض وصحيفة غازيتا.

ويضاف إلى ذلك، الدعم بالسلاح الذي قدمته للنظام منذ لجوئه لاستخدام الحل العسكري في البلاد، حيث لم تقبض ثمن تلك الأسلحة وحولتها إلى ديون طويلة الأجل، أو اختارت تحصيلها من خلال مزايا أو اتفاقيات تضمن بها مصالحها وتواجدها بالمنطقة.

وبحسب تحليل الوكالة فإن كل ما حصلت عليه روسيا اقتصاديا من سورية، هي عقود طويلة الأجل في مجالي النفط والغاز من نظام يبدو متهالكا ومهدداً بالسقوط في أي لحظة، بالإضافة إلى أن الجدوى الاقتصادية من تلك العقود تبقى غير مؤكدة، وخاصة أن معظم الحقول الغنية تقع في شرق البلاد تحت الحماية الأميركية.

فقد عقدت شركات روسية عدة اتفاقيات مع النظام للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الحقول المتبقية في يد النظام، كذلك وقعت اتفاقيات لترميم وتطوير المنشآت النفطية، إضافة إلى عقود لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة واستخراج الثروات المعدنية.

وفي عام  2019، وقعت وزارة النفط التابعة للنظام السوري عقداً مع شركتي "ميركوري" و"فيلادا" الروسيتين، كما حصلت شركة "ستروي ترانس" على أحقية التنقيب واستخراج الفوسفات من المنطقة الشرقية الواقعة جنوب مدينة تدمر السورية، وعقد تأجير مرفأ طرطوس لشركة " أس تي جي إنجينيرينغ" لمدة 49 عاماً. 

كما وُقعت عقود في مجال الطاقة، في مدينة حمص، في مارس/ آذار 2018 بين النظام وشركات روسية، وعقد آخر لإنشاء خط حديدي يصل مطار دمشق بمركز المدينة.

إلا أن جميع هذه العقود حتى لو ثبتت جدواها الاقتصادية، فهي غير قابلة للتطبيق في حال لم يتحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والعسكري في سورية، والبدء في إعادة الإعمار.

ويبدو أن روسيا أصيبت بخيبة أمل كبيرة مع رفض المجتمع الدولي بشكل متكرر وحازم تمويل أي خطط لإعادة إعمار سورية، طالما لم يتحقق انتقال سياسي في البلاد وفقا لقرارات مجلس الأمن، ولم تتمكن روسيا رغم كل التقدم على الأرض من فرض أمر واقع يدفع العالم إلى القبول ببقاء النظام مع تغييرات شكلية.

وزادت خيبةَ الأمل الروسية مؤشرات لانهيار اقتصادي كامل في سورية، حيث انخفضت قيمة الليرة إلى مستويات قياسية وبشكل متسارع غير مسبوق، بوصول سعر صرف الدولار الأميركي إلى 3500 ليرة قبل أيام، في حين كان قبل عام 2011 لا يتجاوز 50 ليرة.

ويشكل قانون قيصر الأميركي الذي سيدخل حيز التنفيذ في 17 من يونيو/حزيران الجاري، ضربة جديدة وقوية للآمال الروسية في تحقيق انتعاش اقتصادي في سورية بعد حالة التقدم الميداني التي حققها النظام بمساعدة من موسكو وطهران.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد صادق على قانون قيصر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقد سمي القانون نسبة إلى ضابط سوري منشق قام بتسريب آلاف الصور لمعتقلين قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، الأمر الذي شكل صدمة للعالم، ومع ذلك لم يتم اتخاذ خطوات عملية ضد النظام.

فالقانون يفرض عقوبات اقتصادية على كل شخص أو شركة يثبت تعامله أو تعاملها مع النظام في مجالات البترول والبناء والمجالات العسكرية.

وهذا يعني أن الشركات الروسية العاملة في سورية، سوف تنال حظها من تلك العقوبات، مما سيزيد الضغط الاقتصادي على روسيا التي تواجه أساساً عقوبات أوروبية وأميركية بسبب دعمها للانفصاليين في أوكرانيا.

وبعد العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وأطلق عليها "نبع السلام" وانسحاب الولايات المتحدة من مناطق واسعة في شرق الفرات، دخلت القوات الروسية إلى المنطقة ونشرت أكثر من ألفين من جنودها هناك، لتملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.

ومنذ دخول قواتها لشرق الفرات، حاولت روسيا الوصول إلى حقول النفط الغنية فيها، إلا أن القوات الأميركية التي انسحبت إلى محيط حقول النفط، منعتها من ذلك مراراً،  فقد قطعت دوريات أميركية عشرات المرات الطريق على قوافل عسكرية روسية حاولت  الوصول لمنطقة رميلان شمال شرقي سورية.

على عكس روسيا، تمكنت إيران من تحقيق مكاسب اقتصادية ملحوظة في سورية، ويعود ذلك إلى أن الاستثمارات الإيرانية قائمة وبقوة حتى قبل اندلاع الثورة السورية، إضافة إلى أن طبيعة الاستثمارات الإيرانية هي قصيرة ومتوسطة الأجل، وتعتمد على التصنيع والإنتاج.

ومنذ التدخل العسكري الإيراني المباشر في سورية عام 2013، زادت استثمارات طهران بشكل كبير، وشملت مجالات الإلكترونيات والبتروكيميائيات والجرارات والنقل ومواد بناء وتعهدات إنشاء وحدات سكنية.

من الشركات الإيرانية العاملة في سورية، شركة "Nikan Engeering Development" في مجال التعهدات والبناء، والشركة الإيرانية لصناعة الجرارات وتجهيز المعامل ( İTMC)، وشركة electronic Afzar Azma المتخصصة في مواد البناء، وشركة Hooman Polymer للبتروكيميائيات، وغيرها.

هذه الشركات حصلت على امتيازات من النظام خلال السنوات الماضية، وهي تدر أرباحاً كبيرة على الجانب الإيراني، تمكنها إلى حد كبير من تغطية نفقاتها العسكرية في سورية أو جزء منها.

إن النفقات الكبيرة التي تكبدتها روسيا في سورية، أدت إلى ارتفاع أصوات المعارضين في البلاد الذين تساءلوا عن الفائدة من الاستمرار في دعم النظام عسكريا وما ينجم عنه من نفقات.

هذا الأمر دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه إلى التأكيد أكثر من مرة، أن المشاركة في الحرب في سورية أفسحت المجال لاختبار الأسلحة الروسية ومدى فعاليتها، في محاولة لتبرير تلك النفقات بأنها ضرورية ومطلوبة.

كما أن ترسيخ روسيا لوجودها في سورية عبر استئجار قواعد هناك لمدد طويلة، قد يكون سبباً مقنعاً في ذهن بوتين ورجاله يستحق أن تضخ كل تلك النفقات من أجله، فالوصول إلى المياه الدافئة، هو هدف روسي قديم منذ سنوات طويلة، ولا يبدو أن هذه الغاية قد فقدت قيمتها بتقادم الزمن.

وخلال السنوات الماضية، عززت روسيا تواجدها في مطار حميميم بمحافظة اللاذقية الساحلية على البحر المتوسط غربا، وقامت بتوسيع مساحته ليصبح أكبر قاعدة روسية في المنطقة، ووقعت على اتفاقية مع النظام على استخدامه متى شاءت دون أي إطار زمني.

كما قامت باستئجار ميناء طرطوس على المتوسط أيضا لمدة 49 سنة، فيما تشير تقارير إلى أن روسيا تسعى حالياً إلى إنشاء قاعدة أخرى في مدينة كسب الساحلية شمالي اللاذقية، إضافة إلى عدد من المطارات في حمص وحماة تسيطر عليها روسيا بشكل كامل.

(الأناضول)

المساهمون