قال مسؤول عراقي رفيع المستوى في وزارة التخطيط لـ"العربي الجديد"، إن مجموع من تم تعويضهم، في المناطق المحررة، حتى الآن لا يتعدى 3 في المائة فقط من سكان مدن شمال وغرب البلاد، وأغلبهم ظهرت أسماؤهم بسبب قربهم من مسؤولين نافذين.
وأكد المسؤول الحكومي، الذي رفض ذكر اسمه، أن ضعف حركة الإعمار والتأهيل وعدم تعويض المتضررين أو منحهم قروض أو أي مساعدات حكومية للبدء بحياتهم مجددا، رفعا نسبة الفقر والبطالة في تلك المناطق خاصة بمدن معروف عنها أن أغلب سكانها ينتمون للقطاع الخاص أو الأعمال التجارية الخاصة وليسوا بموظفين مثل الفلوجة والرمادي والموصل وتكريت.
وتابع: هناك مدن نسبة الفقر فيها ستتجاوز الخمسين في المائة مثل الفلوجة والكرمة وتلعفر والحويجة والساحل الأيمن للموصل، والسبب يرجع إلى عدم وجود مشاريع لتشغل اليد العاملة ولا الحكومة منحت تعويضات لأصحاب المصانع والورش والمعامل المدمرة حتى يتمكنوا من إعادتها وتشغيلها ولا هم خلقوا فرص عمل جديدة لهم.
وكشف عن "وجود مقترح لمنح سكان تلك المناطق قروضا، فالبنوك الحالية لا تمنح القروض، إلا للموظفين ونسبة تصل إلى أكثر من 60 في المائة من سكان هذه المناطق هم من القطاع الخاص بمعنى أنهم لا يتقاضون أي مرتب من الدولة".
واعتبر أن الحكومة العراقية مسؤولة عن أزمة ارتفاع معدل البطالة والفقر في تلك المناطق إلى مستويات قياسية، ووزارة التخطيط لديها تقرير ومسح ميداني يقدمان بشكل دوري إلى مجلس الوزراء حول المشكلة.
وبحسب أرقام سابقة لوزارة التخطيط العراقية، فإن ما بين 200 ألف إلى ربع مليون وحدة سكنية تعرضت لأضرار كبيرة جراء المعارك البرية والقصف الجوي أو قبلها بسبب العمليات الإرهابية لتنظيم "داعش"، أثناء احتلاله المدن أو خلالها عدا عن خروج آلاف المعامل والورش والمصانع عن الخدمة للسبب ذاته.
وحتى الآن، لم تفِ أي من الدول التي شاركت في مؤتمر المانحين بالكويت الذي عقد مطلع العام الماضي، لإعادة الإعمار ومساعدة العراق في تأهيل المدن المحررة، عدا عن بضع منظمات إنسانية عربية وأجنبية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة. ويأتي ذلك وسط تنصل حكومي واضح في جهود الإعمار والتأهيل بتلك المدن، وعدم تعويض السكان عما لحق بهم من أضرار مادية فادحة جراء الحرب والعمليات الإرهابية.
الخبير الاقتصادي العراقي، نافع الراوي، يؤكد أن معظم سكان مدن شمال وغرب العراق بعد عام 2003 هم من العاملين خارج القطاع الحكومي، واضطر أغلبهم للاتجاه إلى مهن مختلفة (سائق تاكسي، حداد، نجار، بائع في دكان، وغيرها من تلك المهن الحرة).
وبعد اجتياح داعش مناطقهم عقب انهيار قوات الجيش، وجدوا أنفسهم بلا مدخول مالي مثل الموظف الحكومي، وتفاقمت معاناتهم ووصلت الآن إلى درجة سيئة للغاية، فلم تعوضهم الحكومة أو تطلق مشاريع إعمار وتأهيل لمناطقهم المدمرة، بهدف خلق فرص عمل ولم تمنحهم قروضا حت يبدأوا حياتهم من جديد، بحسب الراوي.
ويشير إلى أن مدن الشمال والغرب العراقي الرئيسة، مثل الموصل وتلعفر والشرقاط والبعاج وتكريت وبلد والحويجة والرياض والفلوجة والرمادي والكرمة وهيت والقائم والرطبة ومدن أخرى، تبدو فيها ملامح الفقر والبطالة أكثر من غيرها، بفعل الدمار الواسع فيها، ولجوء سكان القرى والارياف المدمرة إلى تلك المدن أيضا.
ويضيف: "غالبية المعامل الحكومية والأهلية نهبت أو دمرت خلال احتلال داعش أو خلال العمليات العسكرية لتحرير المدن في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وشمال بابل وحزام بغداد، بمعنى أن 49 في المائة من العراق أصيب بشلل شبه كامل في قطاعه الخاص".
عضو لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، النائب علاء سكر، قال لـ"العربي الجديد"، إن سكان المناطق المحررة حرموا من الحقوق والالتزامات التي كان على الحكومة الإيفاء بها، والإحباط يخيم على أهل تلك المناطق. ويضيف: "حتى الآن، لا قروض وتعويضات. ولا توجد إجراءات من قبل الحكومة ترتقي للنكبة التي تمر بها تلك المدن وسكانها".
ولم يستبعد سكر أن تكون الصراعات السياسية بين الكتل سببا في هذه الصورة التي وصلت إليها تلك المدن بعد عامين من تحريرها، قائلا: "هناك كتل تتصدى لمحاولات آخرين تحسين وضع هذه المناطق لغايات سياسية وانتخابية، ومن واجب الحكومة أن تأخذ في الاعتبار أن لهذه المناطق الأولوية بالخدمة والعيش الكريم، لكن مع الأسف الإجراءات بطيئة جداً وغير مدروسة".
وفي نفس السياق، قال النائب عن محافظة الأنبار، يحيى المحمدي، إن تصدي الحكومة لمشكلة البطالة والفقر بالمناطق المحررة شمال وغرب العراق لم يعد فقط مجرد التزام أخلاقي وقانوني، إنما هو ضرورة ملحة لاستقرار المدن وطي صفحة الماضي بشكل نهائي.
ويضيف: "البطالة هي العنوان الذي يهدد مستقبل تلك المناطق، والحكومة لم تستطع تنفيذ أي من وعودها لسكان تلك المناطق في هذا الإطار، رغم أنها ألزمت نفسها بذلك سابقا فلا فرص عمل ولا تعويضات ولا قروض ولا رعاية اجتماعية".
محمد العلواني صاحب معمل لطلاء السيارات في الرمادي يقول إن معمله تمت تسويته بالأرض والمواد والمكائن التي فيه قيمتها أكثر من 140 ألف دولار انتهت تحت السقف المنهار، والحكومة حتى الآن لم تطلق تعويضات لأصحاب المعامل.
وبحسب العلواني، قد يطول الأمر على هذا الحال، لذا اتجه إلى شراء سيارة تاكسي مع قريب له وهو يعمل بها صباحا ثم يسلمها لشريكه كي يعمل بها مساء من أجل تأمين الطعام لأسرتيهما.
ويضيف: "بعت ذهب زوجتي لشراء السيارة، لكن آخرين سقطوا في حفرة الفقر والبطالة وهي تتسع يوميا في مناطقنا والحكومة تتعامل مع الملف بلا مبالاة".
سعاد جاسم (35 عاما) تعيش مع أطفالها ووالدتها، تقول إنها باعت أبواب الغرف بالدور العلوي من منزلهم حتى تتمكن من تأمين أمور حياتهم اليومية.
وتضيف جاسم لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في مدرسة للصم والبكم بالموصل لكنها دمرت وتم تسريحنا ولا مصدر رزق ثانياً عندي سوى أني أطبخ بالمناسبات والولائم، وهذه غير متوفرة فالمدينة كلها متعبة ولم يعد أحد يتزوج أو يقيم مناسبة".
وتتابع: "الحال سيئة والحكومة تتفرج ولولا المنظمات الإنسانية الأجنبية الموجودة في الموصل لكان أسوأ، والمسؤولون المحليون في الموصل حتى إن جاء شيء فهم لا يوزعونه إلا على أعضاء أحزابهم وأقربائهم".