كشف تقرير رسمي عن زيادة الفقراء في مصر بنسبة 32.5 في المائة من إجمالي السكان، في مؤشر على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد وسط غلاء متفاقم وتآكل في قيمة الأجور ونقص بالخدمات.
في المقابل، شكك مراقبون في هذه النسبة وقالوا إنها أكبر، إذ قدّر البنك الدولي في بيانات حديثة ارتفاع نسبة الفقر والفئات القابلة للدخول في دائرته بنحو 60 في المائة.
وتأتي قفزة الفقر على عكس ما يعلنه النظام المصري، عن تحسن المؤشرات الاقتصادية وارتفاع نسب النمو وتحسن الجنيه أمام الدولار وتحقيق إنجازات عملاقة.
وحسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن الارتفاع الكبير في نسب الفقر هو حصاد السياسات الاقتصادية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي لم يضع محدودي الدخل ضمن أولوياته إذ رضخ لتعليمات صندوق النقد بتقليص الدعم ورفع أسعار الوقود والسلع وتقليص أعداد الموظفين الحكوميين، ما أدى إلى إنتاج مزيد من الفقراء. كما اتجه السيسي نحو مشروعات عملاقة ليس لها أي مردود على المواطن المصري مثل تفريعة قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية وغيرها.
وأعلن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، ارتفاع معدل الفقر في البلاد خلال العام المالي 2017-2018 إلى 32.5 في المائة، مقابل 27.8 في المائة خلال العام المالي 2015-2016، أي زاد عدد الفقراء بنسبة 4.7 في المائة خلال عام واحد ليصبح ثلث سكان مصر تحت خط الفقر.
وحسب بيانات رسمية، كان عدد المصريين تحت خط الفقر في عام 2013، الذي شهد انقلابا عسكريا على الرئيس الراحل محمد مرسي، يبلغ نحو 23 مليون مواطن، وزادوا خلال الأعوام الخمسة التالية إلى 35 مليون مواطن (استنادا للنسبة الرسمية المعلنة) من إجمالي عدد السكان البالغ 108 ملايين شخص منهم 99 مليون مواطن داخل البلاد، أي أن مصر استقبلت نحو 12 مليون فقير جديد خلال هذه الفترة.
وقال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اللواء خيرت بركات، في مؤتمر صحافي، أول من أمس الاثنين، إن متوسط الإنفاق الكلي للأسرة ارتفع من 36 ألف جنيه إلى 51 ألف جنيه سنوياً، علاوة على ارتفاع متوسط الدخل السنوي من 44 ألف جنيه إلى 58 ألف جنيه، وكذا قيمة الدعم الغذائي إلى ألفي جنيه مقابل 860 جنيهاً في عام 2015.
مشروعات للأثرياء
تعددت أسباب قفزة نسبة الفقر في مصر، حسب المراقبين، وأبرزها تحميل الحكومة للمواطنين أعباء تعثر اقتصاد البلاد والأزمات المالية التي تعاني منها، عبر تقليص الدعم ورفع الأسعار، إلا أن سببا آخر بارزا ساهم في تفاقم الفقر وهو اتجاه النظام نحو مشروعات تجميلية تصب في صالح الأغنياء على حساب الفقراء.
وفي هذا الإطار، أكد أستاذ الاقتصاد أشرف دوابة لـ"العربي الجديد" أن التنمية الحقيقة تؤدي إلى تراجع معدلات الفقر، إلا أن ما يحدث في مصر الآن هو إطلاق مشروعات تجميلية تستفيد منها مجموعة محدودة من الأثرياء كما حدث في بناء العاصمة الإدارية التي تتكلف مئات المليارات من الجنيهات وسعر الشقة فيها يصل إلى أكثر من مليوني جنيه.
وقال إن قفزة نسبة الفقر كشفت أن الإنجازات التي يعلن عنها النظام وهمية وتجميلية ولا تعود بالفائدة على المواطنين.
وتوقع دوابة ارتفاع نسبة الفقر مجدّداً خلال الفترة المقبلة في ظل استمرار الإجراءات التقشفية التي تحمل المواطن عبء فشل إدارة الملف الاقتصادي.
وتبلغ تكلفة العاصمة الإدارية حسب التخطيط المبدئي نحو 90 مليار دولار على مرحلتين، وأظهر مؤشر "عقارماب" الذي يرصد أسعار العقارات في مصر في شهر يوليو/ تموز الماضي، ارتفاع أسعار الشقق السكنية في العاصمة الإدارية بنسبة 122 في المائة، بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، كذا ارتفع سعر المتر المربع للفيلات بنسبة 2.4 في المائة، وبلغ حجم الطلب 13 في المائة. وأنفق النظام المصري مبالغ طائلة على المشروعات التجميلية، ومنها تفريعة قناة السويس بلا عائد على المواطن، حسب دوابة. وبلغت تكلفة حفر التفريعة نحو 20 مليار جنيه حسب تصريحات سابقة للسيسي، بالإضافة إلى فوائد شهادات الاستثمار البالغة قيمتها نحو 64 مليار جنيه.
غلاء وضرائب
واتجهت الحكومة المصرية نحو إجراءات تقشفية، وسط أزمات مالية حادة أدت إلى ارتفاع نسب العجز وزيادة الديون المحلية والخارجية إلى مستويات قياسية.
وتحت وطأة الأوضاع الاقتصادية رضخت الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض إجمالية 12 مليار دولار، وبدأت في تنفيذ برنامج إصلاحات يشمل تقليص الدعم ورفع أسعار الوقود والسلع وفرض ضرائب ورسوم جمركية ساهمت في تأزيم أوضاع المصريين المعيشية. وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب من القاهرة لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع نسب الفقر كان متوقعا مع تنفيذ الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد، ما أدى إلى أعباء إضافية على المواطنين.
وأضاف أن ما حدث هو نتيجة مباشرة لسياسات تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية حيث أدت هذه السياسات إلى تضاعف أسعار كافة السلع والخدمات، وانخفاض القوة الشرائية للعملة المصرية، وعلى الجانب الآخر كان هناك ثبات للدخول بالقيمة الاسمية، وانخفاض بالقيمة الحقيقية.
وطالب عبد المطلب الحكومة بضرورة مراعاة محدودي الدخل في ظل رفع أسعار الوقود والسلع وتقليص الدعم وفرض ضرائب جديدة. وتابع: من أفضل وسائل علاج ارتفاع نسب الفقر هي تهيئة الظروف لزيادة الإنتاج، وتشجيع إقامة المشروعات الجديدة، وإتاحة فرص أكثر للعمل وزيادة الدخل. كما أن توفير التمويل المناسب لإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعد أحد حلول زيادة الإنتاج لتقليص نسب الفقر، حسب الخبير الاقتصادي.
تدابير تقشفية
وطبقت مصر حسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 2016، عدة تدابير تقشفية شملت خفض دعم الوقود والكهرباء لعدة مرات، وكذلك خدمات أخرى، بالإضافة إلى تعويم الجنيه. وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حررت مصر عملتها، ليصعد سعر الدولار إلى نحو 16.53 جنيها حاليا مقابل 8.88 جنيهات منذ نحو ثلاث سنوات. ونتيجة لتلك الإجراءات، ارتفعت معدلات التضخم بمصر إلى مستويات قياسية (35 في المائة) غير مسبوقة خلال عقود، ما أدى إلى تآكل قيمة الدخول الحقيقية للمواطنين، قبل أن تبدأ في التراجع دون 10 في المائة مؤخرا، وهي النسبة التي شكك فيها خبراء اقتصاد.
وفي إطار الاتجاه الحكومي لزيادة الضرائب، قال وزير المالية، محمد معيط، في تصريحات صحافية مؤخرا، إن الحكومة ستشكل لجنة لتعديل قانون ضريبة القيمة المضافة خلال العام المالي 2019-2020، منوهاً إلى أن المراجعة ستشمل تعديل قائمة الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة "بما لا يمس محدودي الدخل"، على حد زعمه. وأشار معيط إلى أن الحصيلة الضريبية لبلاده ارتفعت إلى 660 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، مقابل 566 مليار جنيه في العام المالي 2017-2018. وقامت الحكومة بزيادة الضرائب وفرض رسوم جمركية على مئات السلع خلال العامين الأخيرين في محاولة للحد من عجز الموازنة.
وزادت أسعار الوقود خمس مرات منذ تولي السيسي الحكم في عام 2014، والرابعة منذ حصول مصر على قرض صندوق النقد، وارتفعت أسعار المواد البترولية بما فيها غاز الطهو بنسب تصل إلى أكثر من 700 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية.
التوزيع الجغرافي والتلاعب بالأرقام
ورصد بيانات جهاز الإحصاء زيادة معدلات الفقر في كافة الأنحاء، فيما عدا ريف الوجه القبلي حيث تراجع بنحو 4.8 في المائة إلا أنه لا يزال نحو 52 في المائة من السكان هناك لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، ولا يزال ثلث الفقراء يسكنون الريف.
وتصدرت محافظات الجنوب كأسيوط معدل الفقر بنسبة 66.7 في المائة تليها سوهاج والأقصر والمنيا، وأخيرا جاءت محافظة بورسعيد (شمال) بنسبة 7.6 في المائة.
ويتهم مراقبون الحكومة المصرية بالتلاعب بالأرقام من أجل خفض نسبة الفقر الحقيقية.
وقال البنك الدولي في تقرير له مايو/أيار الماضي إن "60 في المائة إما فقراء أو عرضة له كما أن عدم المساواة آخذ في الازدياد".
ويحدد البنك الدولي 1.9 دولار في اليوم تعادل حدًا للفقر المدقع عالميا، بينما حددت مصر قيمته بأقل من 1.5 دولار يوميا، أي أن عدد الفقراء في مصر بحساب البنك الدولي أكبر بكثير.