إجراءات موجّهة... العمالة اليمنية في السعودية تفقد أرزاقها

04 أكتوبر 2017
الإجراءات السعودية تمثل ضربة قاضية لاقتصاد اليمن (Getty)
+ الخط -
فيما تواصل السعودية طرد العمالة اليمنية تحت عناوين مختلفة، يعتبر خبراء الاقتصاد أن الإجراءات التي تتخذها المملكة الغنية بالنفط توجه ضربة قاصمة لاقتصاد اليمن الذي يتداعى بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف.
وتهدد الإجراءات السعودية بتراجع تحويلات المغتربين اليمنيين بنحو 40%، فضلا عن عودة قرابة 400 ألف يمني إلى بلدهم، ما يلقي أعباء ثقيلة على اقتصاد البلد الغارق في الحرب.
وتعاني العمالة اليمنية في السعودية من صعوبات متزايدة بسبب فرض رسوم حكومية جديدة والبدء بتوطين أنشطة تجارية يهيمن عليها اليمنيون، ومنها سعودة محال بيع وتجارة الخضروات ومحال بيع الذهب، ضمن إجراءات لمواجهة تحديات تراجع أسعار النفط.
ويبلغ عدد اليمنيين العاملين في دول الخليج حوالي مليون ونصف المليون عامل، أغلبهم في السعودية، بنحو 1.2 مليون، وباتت تحويلاتهم أهم مورد اقتصادي في ظل الحرب بعد توقف إنتاج وتصدير النفط وتراجع الإيرادات الجمركية والضريبية.
وعبر نقابيون وعمال يمنيون في السعودية عن مخاوفهم من قرارات مرتقبة لسعودة الأنشطة والمهن المرتبطة بقطاع السيارات، ما يهدد أكثر من 100 ألف يمني يعملون في تجارة وبيع قطع غيار وزيوت وإطارات السيارات، وفي ورش الميكانيك.

وغادرت آلاف الأسر اليمنية الأراضي السعودية منذ يوليو/ تموز الماضي، بعد قرار بفرض رسوم على المقيمين والمرافقين، في ظل توقع بأن يتجاوز العدد 100 ألف أسرة يمنية بحلول يونيو/ حزيران 2018، فيما تم ترحيل آخرين من المخالفين الذين انتهت تأشيرة إقامتهم، ويغادر مئات بعد قرار بسعودة محال بيع الخضروات.
وأكد مسؤولون بوزارة المغتربين اليمنية ومنفذ الوديعة الحدودي، لـ"العربي الجديد"، أن مئات العائلات اليمنية لا تزال تغادر المملكة بعد قرار فرض رسوم المرافقين، وأن عدد العائلات التي عادت عبر منفذ الوديعة يقدر بنحو 22 ألف أسرة (ما يقارب 80 ألف شخص).
ويعاني المغادرون من ازدحام شديد في منفذ الوديعة اليمني بمحافظة حضرموت (جنوب شرق البلاد)، ومن صعوبة في إجراءات دخولهم، حيث ينتظر العائدون ثلاثة أيام أمام المنفذ في طابور طويل من السيارات والمركبات يمتد لمسافة 10 كيلومترات.
ووصل عابد الحيمي إلى العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي عقب موسم الحج، وقال لـ"العربي الجديد": "غادرنا بعد موسم الحج مع ثلاث عائلات أخرى، وأعرف خمسين أسرة غادرت السعودية منذ يوليو، وعائلات أخرى تستعد للمغادرة بحلول يونيو 2018".
واشتكى الحيمي من تأخير إجراءات الدخول في منفذ الوديعة، حيث أسرع مسافر يعبر بعد ثلاثة أيام من الانتظار، فيما تعاني العائلات، وأغلبها نساء وأطفال، من شدة الحرارة وعدم توفر خدمات أو نزل وفنادق خلال فترة الانتظار.
وبدأت السلطات السعودية، مطلع يوليو/ تموز الماضي، تطبيق الرسوم على المرافقين والتابعين للعمالة الوافدة، بواقع مائة ريال سعودي (9.4 آلاف ريال يمني) كرسم شهري على كل مرافق أو تابع، ليصبح المبلغ سنوياً 1200 ريال (112 ألف ريال يمني).

تراجع التحويلات
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، يوسف سعيد، أن الإجراءات السعودية تهدد بعودة نصف مليون عامل يمني حتى نهاية 2018، ما يكبد الاقتصاد اليمني كلفة كبيرة اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد": "تمثل تحويلات المغتربين العاملين في السعودية أهم مورد اقتصادي وسط الحرب، وهي مصدر هام للكثير من الأسر اليمنية تحميهم من شبح الجوع والفقر، ومع بدء تطبيق الرسوم والضرائب التصاعدية الجديدة، من المتوقع أن تنخفض تحويلات المغتربين اليمنيين بنسبة 40%".
وأكد سعيد أن اليمنيين هم الأكثر تضررا من الإجراءات السعودية، لناحية أعداد العاملين وطبيعة الوظائف التي يعملون بها، حيث يعملون في أنشطة بسيطة برواتب متدنية، كما أن الرسوم تزامنت مع بدء تطبيق نظام سعودة أنشطة يحتكرها اليمنيون، ومنها أسواق الخضار ومحال الذهب.

وتعتمد الأسر اليمنية على تحويلات المغتربين بشكل رئيس، في ظل توقف مصادر الدخل وتسريح آلاف الموظفين من القطاع الخاص وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ 11 شهرا.
وبلغت التحويلات المالية إلى اليمن نحو 3.4 مليارات دولار خلال عام 2016، حسب تقرير صدر مطلع يوليو/ تموز الماضي، عن صندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للاقتصاد اليمني الذي يوصف بأنه ضعيف وهش.

استهداف اليمنيين
وقال مغتربون يمنيون في المملكة لـ"العربي الجديد"، إن الإجراءات السعودية الجديدة تستهدف العمالة اليمنية بشكل أساسي من خلال سعودة أنشطة يعمل فيها اليمنيون بنسبة 90%، ومنها أنشطة بيع وتجارة الذهب والخضروات والفواكه.
وأكد محمد عنتر، أحد المتضررين من سعودة أسواق الخضروات، أنه كان يعمل في تجارة وبيع الخضروات في جيزان، إلى أن أبعدت السلطات السعودية جميع العمالة اليمنية من المناطق الحدودية، فانتقل للعمل في منطقة بريدة، لكن المضايقات التي وجدها دفعته للعودة إلى بلده رغم الحرب.
وقال عنتر لـ"العربي الجديد": "أغلب البقالات في السعودية يعمل فيها يمنيون، ويمثلون أغلبية في أسواق الخضروات والفواكه، خصوصا في جدة والطائف وبريدة وخميس مشيط ومدن الجنوب، ولذلك هذه القرارات بمثابة تطفيش (تسريح) ومحاربة تستهدف التضييق على العمالة اليمنية".
وعاد آلاف اليمنيين إلى بلدهم منذ منتصف العام 2016، بعدما طبقت وزارة العمل السعودية قرارا يقضي بتوطين قطاع الاتصالات، ووفقاً لهذا القرار يُمنع على غير السعوديين ممارسة مهنة بيع وشراء وصيانة الجوالات، ما هدد ثلاثين ألف يمني من العاملين في محال بيع وصيانة الهواتف، بحسب وزارة المغتربين اليمنية.
وفي مسلسل طرد العمالة، احتجزت السلطات السعودية آلاف اليمنيين تمهيداً لترحيلهم في إطار حملة "وطن بلا مخالف"، وهي حملة تهدد بطرد عشرات الآلاف، فمعظم العمالة اليمنية تعمل في مهن بسيطة بأجور متواضعة ولا تستطيع تحمل دفع رسوم تجديد الإقامة وتصبح عمالة مخالفة.
وأكدت مصادر حكومية يمنية لـ"العربي الجديد"، أن السلطات السعودية قامت بترحيل 9 آلاف يمني كدفعة أولى من الذين تم ضبطهم في إطار حملة ترحيل المخالفين، وأن آلاف آخرين سيتم ترحيلهم على دفعات.
واتجهت الحكومة السعودية إلى التضييق على الوافدين، حيث فرضت رسوماً باهظة على إقامة التابعين والمرافقين للمقيمين العاملين، وبدأت بسعودة الوظائف في إطار إصلاحات ضمن رؤية 2030 التي تعتبر أن عائلات الوافدين تشكل ضغطا على البنية التحتية والخدمات، فضلا عن مخاطر اجتماعية وأمنية.
المساهمون