السلطات السعودية تحاول استعادة 73 مليون متر مربع مسروقة

28 يناير 2016
الاستيلاء على أراضي الدولة يعطّل العديد من المشروعات(فرانس برس)
+ الخط -




بدأت أكثر من جهة سعودية تشديد الرقابة على كتابات العدل ومراجعة صكوك الأراضي بخاصة الكبيرة منها، بعد أن اكتشفت آلاف الأراضي المنهوبة من أراضي الدولة، والتي تم الاعتداء عليها بالتواطؤ مع عدة أطراف سهلت إصدار صكوك ملكية مزورة لها.

وبحسب بيانات رسمية، فقد بلغ إجمالي المساحات التي أبطلت وزارة العدل صكوكها، أو أزالت وزارة الشؤون البلدية والقروية التعديات عنها خلال خمس سنوات أكثر من 1.5 مليار متر مربع موزعة على 12 منطقة، وبقيمة إجمالية 2.3 تريليون ريال، بحسب متوسط أسعار العقار في مختلف أطراف كل مدينة، غير أن اقتصاديين قدروا حجم الأراضي المسروقة بأكثر من 2.5 مليار متر مربع.

وتتصدر جدة (غرب السعودية) جميع مدن السعودية في حجم الأراضي المسروقة بأكثر من 822 مليون متر مربع، تلتها الرياض بنحو 502 مليون، ثم مكة المكرمة بـ100 مليون، وصولا إلى 30 ألف متر مربع في المدينة المنورة.

ومنذ مطلع العام الجاري تم كشف سرقة أكثر من 73 مليون متر مربع، وبحسب المحلل الاقتصادي محمد العنقري تكفي هذه المساحة بعد تطويرها واقتطاع الشوارع والخدمات منها لبناء 73 ألف منزل للمواطنين.

ومنذ قرابة العامين والمحاكم السعودية تستقبل باستمرار قضايا تزوير واعتداء على الأراضي العامة، وفي الشهر الماضي فحصت المحكمة العليا صكاً مليونياً مشبوهاً طوق مساحات فضاء شاسعة على طريق عسفان شمال مدينة جدة، وثبت بعد التحقيقات أن الصك مزور، ومخالف للأنظمة.

وجاء قرار المحكمة بعد يومين فقط من إحباط أمانة جدة تعديات على أراض مساحتها 4.604 ملايين متر مربع، بينها 1.5 مليون متر مربع مخصصة لوزارة الإسكان، وكانت وزارة العدل أبطلت صكا صدر في جدة عن طريق التزوير والتحايل بمساحة تسعة ملايين متر مربع.

وتتسبب هذه السرقات في تعطيل العديد من المشاريع الحكومية، وأكد تقرير رسمي أن هذه الممارسات عطلت خمسة مشاريع حيوية في جدة شملت جامعة جدة ومشروع الأرض المخصصة لوزارة الإسكان ضمن أراضي المليساء بمساحة نحو مليون ونصف المليون متر مربع، وأرضاً مخصصة لمشروع الطاقة الذرية والمتجددة، وأخرى لجمعية أصدقاء المجتمع، وكذلك مشروع طريق مكة جدة الجديد.

رشاوى بالملايين

في أغلب تلك القضايا يتورط الكتاب العدل في التزوير، مقابل رشاوى بالملايين، والأسبوع الماضي أعلنت هيئة مكافحة الفساد نزاهة عن صدور حكم بالسجن لمدة سنتين على كاتب عدل دين بتزوير صك ملكية أرض، بالإضافة إلى فصله من العمل.

وثبت خلال التحقيقات أن الكاتب العدل قام بإتمام إجراءات بيع الأرض عدة مرات دون حضور مالكها الأصلي، مما يمثل تزويراً بإثباتات وقائع كاذبة على أنها وقائع صحيحة.

يؤكد الخبير العقاري عبدالعزيز اللعبون، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "ما يحدث كان نتيجة سنوات طويلة من عدم المراقبة، وهو ما أغرى الكتاب العدل بالتواطؤ مع رجال أعمال للاستيلاء على الأراضي الحكومية ووضع اليد عليها، عبر إصدار صكوك غير رسمية لها.

وأضاف: "الأمر ليس مجرد إصدار صك، بل هي عمليه معقدة، ويشترك فيها أكثر من كاتب عدل في أكثر من منطقة، يتم خلالها تمرير الصك على أكثر من مالك وهمي وبتواريخ قديمة، حتى تصل للمالك الأساسي، ويتم استخدام رقم صك حقيقي لتمرير الجريمة".

وأكد أنه: "كانت الأعين لا تلاحظ الكتاب العدل الذين يتقاضون في المتوسط ما يقارب سبعة آلاف دولار شهريا كيف تحولوا لمليونيرات، ولكن اكتشاف أكبر عملية تحايل بقيمة 600 مليون ريال جعلت السلطات تعيد التدقيق في الصكوك القديمة، كشف جشع ستة رجال أعمال متواطئين مع عدد كبير من كتاب العدل في محاولة للحصول على تعويض من الدولة مقابل الأرض التي بنيت عليها جامعة الملك عبدالله للعلوم (كاوست) بحجة أنها مملوكة لهم".

ويتابع اللعبون بالقول: "قضية الصكوك المزورة هم كبير للحكومة التي وجهت وزارة العدل باتخاذ معايير خاصة لتدقيق الصكوك وفرزها، وبما يساعد على استرجاع الأراضي الحكومية المستولى عليها من قبل البعض، ومكافحة الفساد وفق آلية دقيقة، وبالفعل نجحت وزارة العدل في ملاحقة بعض المتورطين في التعدي على الأراضي البيضاء بموجب حجج استحكام مزورة أو مبايعات وهمية، وإعادتها إلى ملكية الدولة، ولكن على الرغم من جهود الوزارة المتميزة في مكافحة سرقات الأراضي، إلا أن العدد مازال كبيراً".
 
تواطؤ البلديات

لا يقع اللوم كله على الكتاب العدل، حيث يسهل على كثير من كبار موظفي البلديات سرقة الأراضي الحكومية، فهم الأكثر معرفة بها بحكم أشرافهم على المخططات.

وكشفت عملية تلاعب كبيرة تمت في مدينة جدة مدى تفشي سرقة الأراضي الحكومية، أستولى عدد من موظفي بلدية جدة على أكثر من 500 حديقة كانت موزعة في الأحياء الجديدة من المدينة، وحولوها إلى أراض سكنية لصالحهم، وقاموا ببيعها، ولم يعلم الملاك الجدد أن أراضيهم التي اشتروها كانت مملوكة للدولة، حتى تقدم عدد من المواطنين بشكوى للمحكمة الإدارية للمطالبة بأسترجاع تلك الأراضي.

 ويؤكد المحلل الاقتصادي، ربيع سندي، لـ"العربي الجديد" أن "الأمر مقلق جدا، هذه السرقات كانت السبب الرئيسي وراء أزمة السكن الطاحنة التي يعاني منها أكثر من 70% من السعوديين، لأن الأراضي التي كان يجب أن يتم منحها لهم، تمت سرقتها لمصلحة رجال أعمال".

ويضيف: "سرقة الأراضي الحكومية ليست بظاهرة جديدة، فالمجتمع يعاني من لصوص الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً، كان البعض يستغل آنذاك بعض الفتاوى الفقهية مثل إحياء الأرض ووضع اليد أو بموجب مبايعات ووثائق مزورة، ولكن مع مرور الوقت تطورت سرقة الأراضي الحكومية".

ويتساءل سندي كيف نجح عشرات المسؤولين في سرقة كل تلك الملايين من الأراضي دون أن يلاحظ أحد، ويتابع: "بالتأكيد دفع من قاموا بالسرقة الكثير من الرشاوى، وزوروا، ولكن كيف استطاعوا القفز على الأنظمة واللوائح؟ لا أحد للأسف يجيب عن هذا التساؤل والسبب في ذلك يتمثل في تحديد المسؤوليات وهذا ما تتجنبه البيروقراطية القديمة".

ويؤكد المختصون على ضرورة فرض عقوبات صارمة ومشددة على لصوص الأراضي، ولكن في الوقت ذاته يتخوفون من أن هذه العقوبات إذا تم فرضها فإنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع بسبب شيوع المسؤولية، وفي جميع الأحوال ستطبق العقوبات على صغار الموظفين دون محاسبة المسؤول الحقيقي عن مثل هذه الجريمة.

ويستغرب الخبير الاقتصادي، برجس البرجس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، من وجود كل هذه المليارات من الأمتار المسروقة، ويتساءل كيف سيتم التعامل معها بعد عودتها للدولة؟

ولفت إلى أنه: "يجب أن توضع فورا في تصرف وزارة الإسكان، فهذه الأراضي لو تم توزيعها بشكل سليم، فستُحل أزمة السكن في السعودية بسهولة وسرعة، فهي كافية لأن تبني أكثر من مليوني وحدة سكنية على الأقل، ولكن لا أحد يعرف أين سيكون مصير هذه الأراضي، فهي تتبع الدولة، ووزارة الإسكان هي التي يجب أن تضع يدها عليها لتدويرها في برامج الإسكان، بخاصة تلك الأراضي الواقعة في داخل المدن".



اقرأ أيضاً: بوادر اتفاق بين كبار المنتجين لرفع أسعار النفط
المساهمون