تونس تلجأ إلى السوق السوداء لمواجهة كورونا

11 يونيو 2020
الحكومة تسعى إلى إدماج قانوني للاقتصاد الموازي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

سرّعت جائحة كورونا في دفع الحكومة التونسية نحو إدماج العملة غير المصرح بها في الدورة الاقتصادية، في إطار مرسوم تستعد لإصداره يتعلق بإجراءات لدعم أسس التضامن الوطني ومساندة المؤسسات المتضررة من تداعيات انتشار الفيروس.

ومثلت العملة غير المصرح بها المتأتية من النشاط الموازي والسوق السوداء أحد حلول حكومة إلياس الفخفاخ، التي تنوي العفو عن جرائم الصرف لتوفير السيولة الكافية لتنشيط الاقتصاد ومساعدة المؤسسات المتضررة من وقف العمل على استعادة عافيتها.

وأكدت وثيقة مشروع المرسوم، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة حصرية منها، إقرار عفو عن مخالفات الصرف المتعلقة بمسك عملات بالخارج مقابل دفع ضريبة تحررية بـ10 بالمائة، ومنح المنتفع العفو من أي تتبع جبائي أو جمركي، مع إيداع هذه العملات في حسابات خاصة بالعملة أو بالدينار مفتوحة لدى بنك وفي أجل أقصاه 3 أشهر.

كما يوجد مقترح بمراجعة مجلة الصرف، والسماح لجميع التونسيين بإمكانية فتح حسابات بالعملة، وإضفاء مرونة على العمليات المالية مع الخارج بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والمعنويين ومنح تسهيلات للفاعلين الاقتصاديين، بما يساهم في تحسين مناخ الأعمال ومزيد من الانفتاح على الخارج.

وتدرس حكومة تونس كل إمكانيات توفير السيولة من أجل خطة إنعاش اقتصادي ستعلن عن تفاصيلها في الأيام القادمة، فيما يمثل شح الموارد المالية أحد أكبر الصعوبات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية، رغم تأكيد البنك المركزي استعداده لإعادة تمويل القروض وتوفير السيولة الكافية للبنوك لمواجهة طلب المتعاملين الاقتصاديين.


وفي عام 2018 قدمت حكومة يوسف الشاهد السابقة للبرلمان مشروع قانون للعفو عن جرائم الصرف بهدف استقطاب جزء من أموال القطاع الموازي، غير أن هذا القانون لم ير النور بسبب مخاوف برلمانية من تبييض الأموال، في وقت كانت فيه تونس على لوائح الاتحاد الأوروبي للبلدان المتهمة بغسل الأموال.

وقال الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنادي، إن تونس مطالبة بفك كل القيود من أجل تحرير المبادرة الاقتصادية وتسخير الإمكانيات لمواجهة الطلب على السيولة، بما في ذلك استقطاب أموال القطاع غير المنظم والعملة غير المصرح بها.

وأضاف الجنادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جائحة كورونا لم تترك خيارات عديدة لحكومة تونس، مشددا على أهمية التقليص من القيود القانونية والإدارية التي تكبل المستثمرين.

وأضاف أن دولا عديدة، بما في ذلك التي وضعت تونس على لوائح غسل الأموال، تستغل أموال القطاع غير المنظم لتنمية اقتصاداتها، مشددا على ضرورة بحث حلول تونسية جذرية للأزمة الاقتصادية خاصة أن كل دول العالم منهمكة في معالجة مشاكلها المحلية، حسب تأكيده.

ويشكل الاقتصاد الموازي، حسب دراسات أجرتها جمعية الاقتصاديين التونسيين، نحو 35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 35 مليار دينار (12.5 مليار دولار)، من بينها نحو 4 مليارات دولار يتم تداولها في المناطق الحدودية. وفي هذا السياق، أشار الجنادي إلى أن استيعاب ثلث هذه المعاملات سيوفر للدولة المليارات من العملات المحلية والأجنبية.

ولا يزال احتواء السوق السوداء لصرف العملات الأجنبية متعثراً في تونس، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة والبنك المركزي من أجل الحد من نشاط هذه السوق، التي تستحوذ على نسبة كبيرة من التعاملات، وفق البيانات الرسمية.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، سمحت تونس، لأول مرة في تاريخها، بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي، وذلك عقب إقرار نص قانوني لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين.

وكانت الحكومة تقود خطةً لاستيعاب سوق الصرف السوداء في إطار برنامج للحد من الاقتصاد الموازي والنزول به من 54% من إجمالي اقتصاد الدولة حالياً إلى 20% بحلول العام الحالي، قبل أن تعيد الجائحة الصحية العالمية خلط جميع الأوراق.

وقال عضو الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، أحمد الكرم، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إن البنك المركزي مستعد لضخ السيولة للبنوك في الفترة القادمة، لمساعدتها على الاستجابة للتمويل الذي يحتاجه الاقتصاد في فترة ما بعد كورونا، بما قيمته 3.5 مليارات دولار. وأشار إلى أن العفو عن جرائم الصرف يمكن أن يساعد على تحصيل الأموال المتداولة خارج الاقتصاد المنظم.

وقدّر محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، قيمة رصيد العملة الصعبة المتداول في السوق الموازية (السوداء) بنحو 4 مليارات دينار (1.4 مليار دولار)، فيما تقدّر الموجودات الصافية من النقد الأجنبي بما يعادل 14.48 مليار دينار.

المساهمون