حلفاء أبوظبي يفرون بالأموال... كورونا يُعمق فضائح الديون

09 ابريل 2020
تعثر شركة الرعاية الصحية يتزامن مع انتشار كورونا(فرانس برس)
+ الخط -
 

لا يكاد يمر أسبوع في الأشهر الأخيرة، حتى تخرج إلى العلن أزمة ديون وهروب بمليارات الدولارات من قبل قائمين على شركات كبرى، ترتبط بعضها بعلاقات وثيقة بحكومة أبو ظبي وأعمال واسعة في إمارة دبي، بينما يتوقع أن يتسبب وباء كورونا، الذي يشل مفاصل الأنشطة الاقتصادية المختلفة، في وضع قائمة مفتوحة دون نهاية للكيانات المتعثرة.

ضربة مالية كبيرة تعرضت لها الدولة، إثر الكشف عن تعثر شركة الرعاية الصحية الإماراتية "إن.إم.سي هيلث" وهروب مؤسسها الهندي "بي آر شيتي" إلى بلاده، بعد خداع نحو 80 بنكا محليا وإقليميا ودولياً والاستيلاء على ما يقرب من 6.6 مليارات دولار.

وخرجت الفضيحة إلى العلن بعد أن شككت شركة "مادي ووترز" الأميركية المساهمة في أوضاعها المالية في ديسمبر/كانون الأول الماضي لتتوالي أحداث الانهيار وتبدأ سلسلة من الاستقالات شملت المؤسس الهندي الذي سارع إلى الهرب لبلاده، والرئيس التفيذي للشركة ونائبه وقيادات أخرى.

وتوالت إفصاحات البنوك والشركات المدرجة في أسواق الأسهم في الإمارات، في الأيام الأخيرة، عن انكشافها (ارتباطها) بأزمة شركة "إن.إم.سي هيلث" ، أو أي من الشركات الشقيقة أو التابعة لها.

وجاءت أكبر حصة من الديون لصالح مجموعة بنك أبوظبي التجاري، الذي كشف في بيان أرسله لبورصة أبوظبي عن أن الشركة المتعثرة مدينة له بنحو 4.2 مليارات درهم (1.14 مليار دولار) بما يعادل 17.3 في المائة من إجمالي الديون المعلنة حتى الآن.

كما أعلن بنك دبي الإسلامي عن ديون على الشركة بقيمة 1.98 مليار درهم، وأبوظبي الإسلامي 1.1 مليار درهم، والإمارات دبي الوطني 747.3 مليون درهم، فيما توزع باقي الديون على بنوك وشركات مالية أخرى.

وفي الرابع من إبريل/نيسان الجاري، أعلن بنك أبوظبي التجاري في إفصاح للبورصة، أنه تقدم في الثاني من هذا الشهر بطلب للمحكمة العليا في بريطانيا للسماح بتعيين حارس قضائي على " إن.إم.سي هيلث"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى المحافظة على حقوقه.

وكتب الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، المقرب من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في تغريدة على تويتر، أمس الأربعاء، جاء فيها أن "الكشف عن هذا المستثمر المحتال ومن معه من شركاء ومدراء لم يأت بسبب كورونا بل كان سابقا لانتشار الفيروس وتم قبل أشهر من خلال شركة غربية متخصصة في التدقيق المالي".

والثلاثاء الماضي كتب: "لابد من محاسبة كل من له علاقة بالاحتيال في قضية NMC وشركة الصرافة (الإمارات للصرافة التابعة لها) حسابا عسيراً واسترداد المليارات لمستحقيها من دائنين وبنوك وعدم الثقة بعد اليوم بمثل هذا المستثمر المحتال فهناك عشرات غيره يعملون عبر وسطاء محليين جشعين لديهم مليارات الدنيا. كفاية نهباً وتلاعبا وتسيبا بحقوق الناس".

لكن محللين يرون أن محاسبة كل من له علاقة بالاحتيال تبدو بالغة الصعوبة فالشركة ومؤسسها ارتبطا بعلاقات وثيقة بحكومة أبوظبي خلال السنوات الماضية، وفق تقارير دولية.

ويبدو أن قائمة الشركات المتعثرة التي تلاحقها أزمات الديون لن تقتصر على"إن.إم.سي هيلث" ، فهناك مجموعات عملاقة في قطاعات الموانئ والشحن البحري والعقارات والاستثمار على القائمة.

وفي 19 مارس/آذار الماضي، كشفت مصادر حكومية، لوكالة رويترز، عن أن دبي تلقت تعهدات من مجموعة تضم 10 بنوك لتقديم قروض بقيمة 9 مليارات دولار من مساعدة شركة موانئ دبي على الوفاء بسداد ديونها، بينما لم يتم الإعلان منذ ذلك الحين عن تطورات جديدة.

وفي 30 مارس/آذار، أعلنت شركة ليمتلس العقارية الإماراتية عن تعيين مستشارين ماليين وقانونيين للقيام بإعادة الهيكلة الثالثة لديون الشركة التي تتركز أعمالها في دبي.

وتكافح الشركة لسداد مديونياتها منذ أكثر من 10 سنوات، بعد أن قامت بإعادة جدولة المدفوعات خلال الأزمة المالية العالمية.

كما عين مصرف الإمارات المركزي مستشارا للمساعدة في حل مشاكل الديون والتشغيل في شركة الإمارات للصرافة، التابعة للمستثمر الهندي الهارب المتورط في فضيحة شركة الرعاية الصحية، وذلك وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية في وقت سابق من الشهر الجاري.

والإمارات للصرافة، تأسست عام 1980، ويقع مقرها الرئيسي في أبو ظبي، وتعمل في تحويل الأموال وصرف العملات الأجنبية والمدفوعات وخدمة عملاء التجزئة والشركات التجارية، وفقا لموقعها.

وتلعب الشركة دوراً رئيسياً في الدولة، إذ إنها أكبر شركة لتحويل الأموال في اقتصاد يستضيف ملايين العمال المغتربين، الذين يرسلون رواتبهم إلى بلدانهم، كما أنها واحدة من كبرى الشركات في الإمارات ولديها الآلاف من الموظفين.

والشهر الماضي، أعلنت شركة أملاك للتمويل، عن إجراءات لإعادة هيكلة ديونها، الناتجة عن الخسائر المتراكمة البالغة 1.35 مليار درهم والتي تشكل 90 في المائة من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم.

وارتبطت الكثير من قضايا الديون والهروب بالأموال من الإمارات في السنوات الأخيرة، فقد تعرضت مجموعة أبراج كابيتال العام الماضي، لأزمة تعثر وديون كبيرة دفعت إلى إعادة هيكلتها.

وتأتي أزمات الديون المتجددة، بينما كادت الإمارات وخصوصا دبي تلملم أوراق التعثر الكبير التي تعرضت له خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009.

وذكرت وكالة بلومبيرغ في تقرير لها في سبتمبر/أيلول الماضي، إن القروض المقدمة لحكومة دبي، والمقرر دفعها بحلول عام 2021، قد تتم إعادة هيكلتها مرة ثانية، بحسب شركة التقييمات المالية "فيتش ريتنغز ليمتد".

وفق تقييم الشركة فإن المصارف في الإمارات، التي لا تزال تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية وأصابت سوق العقارات بشكل خاص، تعاني من مخاطر جديدة بسبب تراجع أسعار العقارات، والقروض غير المرتبطة بمدة لدفعها.

ووفق التقرير فإن التراجع المستمر يعيد للذاكرة عام 2009 والأزمة المالية العالمية، عندما تمت إعادة هيكلة المجموعة التي تملكها الدولة "دبي العالمية" بدين 23.5 مليار دولار، و"النخيل بي جي أس سي" بقيمة 10.5 مليارات دولار على شكل فواتير غير مدفوعة.

لكن تداعيات كورونا قد تكون أشد وطأة حيث تتسب إجراءات كبح انتشار الفيروس في انهيار نشاطات حيوية تعتمد عليها دبي مثل السياحة والتسوق والخدمات المالية.

والثلاثاء الماضي، مددت دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، إغلاق الأنشطة التجارية حتى 18 إبريل/ نيسان الجاري، تماشياً مع التدابير الوقائية للحد من انتشار كورونا.

وفي 25 مارس/ آذار الماضي، طالبت الدائرة الحكومية، المنشآت التجارية في دبي بغلق أبوابها لمدة أسبوعين، حتى الثامن من إبريل/نيسان. ويشمل القرار، الأسواق الرئيسية وكافة المنشآت والأنشطة التجارية المنتشرة في جميع الشوارع الرئيسية والفرعية في الإمارة، بما في ذلك المراكز التجارية ومراكز التسوق، والأسواق المفتوحة التي تشمل بيع الأسماك والخضروات واللحوم بالتجزئة، باستثناء أسواق الأسماك والخضروات واللحوم للبيع بالجملة والتوريد.

ومراكز التسوق، هي أحد شرايين الحياة الرئيسية في المدن الإماراتية، خصوصاً دبي التي تعتمد بشكل رئيسي في مواردها على التسوق والسياح، حيث تضم "دبي مول" بالقرب من برج خليفة، وهو أحد أكبر مراكز التسوق في العالم.

وفي أحدث ضربة للاقتصاد، دفع التفشي العالمي لفيروس كورونا دبي، إلى طلب تأجيل معرض إكسبو الدولي لمدة عام، بينما كان من المقرر أن تستضيفه لمدة 6 أشهر تبدأ من 20 أكتوبر تشرين/ الأول 2020. وكانت دبي تأمل انتعاش السياحة بتنظيم المعرض، لكن الفيروس واسع الانتشار قضى على آمالها بجذب نحو 25 مليون زائر إلى الحدث.

وأنفقت دبي مليارات الدولارات على البنية التحتية للاستعداد، وكان مسؤولون محليون وآخرون تنفيذيون قد قالوا إن الحدث العالمي سيكون محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي.

وتأتي هذه التطورات لتزيد من الصعوبات المالية للإمارة عالية الاستدانة، حيث يرجّح محللون ومصادر في القطاع المالي أن تجبر تداعيات كورونا، الحكومة، على السعي إلى صفقة إنقاذ مماثلة لتلك التي قدمتها لها أبوظبي الغنية بالنفط بعد أزمة مالية في 2009، لكن الآمال في تحقيق ذلك ستواجه بتحديات تهاوي عائدات النفط مع الانهيار الحالي للأسعار.

ونهاية مارس/آذار الماضي، نقلت وكالة رويترز عن مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية، أن عبء ديون دبي يبلغ نحو 135 مليار دولار، ما يعادل 125 في المائة من الناتج الإجمالي، تحل مواعيد استحقاق نصفها تقريبا قبل نهاية 2024.

ومددت أبو ظبي العام الماضي للمرة الثانية أجل قرض بـ 10 مليارات دولار قدمته لدبي خلال الأزمة المالية العالمية. وكانت إمارة أبوظبي قد اضطرت خلال تلك الأزمة لإنقاذ دبي عبر قرض بقيمة 20 مليار دولار وقتها، ولم تسدد دبي منها سوى 10 مليارات دولار.