الاستثمار في التعذيب

14 مايو 2015
تمويل البنوك لإقامة سجون انتهاك صارخ لحقوق الإنسان(العربي الجديد)
+ الخط -
كثير منا يفصل بين الأخلاق والاقتصاد، والمثل العليا والمال، كما يفصل بين الدين والسياسة، ويقولون: ما علاقة الأرقام والمال والبزنس والدولارات بالأخلاق والمثل العليا والمبادئ الإنسانية؟ وما علاقة السماء النظيفة بالأرض المليئة بممارسات لا أخلاقية؟

بل، ويضيف هؤلاء على قولهم قول أخر هو أن رأس المال لا يعرف الأديان والشرائع السماوية، وأنه ما دمنا نتحدث في المال فيجب أن ننحي الأخلاق جانباً، وأن رجل الأعمال الناجح هو من يجب أن يقتنص الفرصة الاستثمارية المتاحة والسريعة حتى وإن تنافت مع الأخلاق العامة حتى يحقق مزيداً من الأرباح التي تعود في النهاية بالنفع عليه وعلى باقي المساهمين في شركاته.

ولذا لا مانع لدى هؤلاء المستثمرين (بنوك، مؤسسات مالية، صناديق استثمار، شركات تمويل، رجال أعمال) من استثمار أموالهم في صناعات مرتبطة بالفساد والرشي وغسل الأموال، أو استثمارات مضرة بالصحة العامة مثل السجائر والتبغ والخمور، أو تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان مثل تمويل البنوك مثلاً لإقامة سجون جديدة تستوعب آلاف المعارضين للأنظمة القائمة، أو منح المؤسسات المالية أجهزة الأمن ووزارات الداخلية قروضاً بسعر فائدة بسيط أو بلا عائد لشراء آلات تعذيب يتم استخدامها ضد المعارضين السياسيين.

كما تلجأ بعض المؤسسات المالية إلى تمويل إقامة مشروعات صناعية مضرة بالبيئة وملوثة لها، مثل صناعة الفحم وغيرها، كما لا يوجد لدى هذه المؤسسات مانع من استثمار ملايين الدولارات في مضاربات غير مشروعة بالبورصات وأسواق المال تلحق أضراراً شديدة بصغار المستثمرين، عبر استغلال معلومات داخل الشركات، والحصول على بيانات غير متوافرة لباقي حملة الأسهم.

لكن صندوق الثروة النرويجي أعطانا، أمس، مثالاً واقعياً وعملياً على أن الاقتصاد والأخلاق مترابطان ولا يتناقضان، وأن تحقيق المؤسسة المالية أرباحاً ضخمة لا يتنافى مع احترام آدمية الإنسان وصحته وحقوقه.

فقد أعلن الصندوق النرويجي انسحابه من القطاعات التي أسماها باللاأخلاقية والتي يستثمر أمواله فيها منذ سنوات وبمليارات الدولارات، مثل التبغ والسجائر وصناعة الأسلحة النووية وشركات التعدين الملوثة للبيئة، وباع الصندوق عشرات الشركات التي تنتهك حقوق الإنسان أو تورطت في قضايا فساد، كما قلص استثماراته كثيرا في قطاعات أخرى، مثل الفحم وإنتاج زيت النخيل لأسباب بيئية.

ولمن لا يعرف صندوق الثروة النرويجي فهو أكبر صندوق سيادي حول العالم يدير ثروة النرويج النفطية الضخمة، ويديره البنك المركزي النرويجي ( بنك الدولة)، ويتفوق على كل الصناديق الخليجية والأميركية والصينية في حجمه، حيث تبلغ قيمته 900 مليار دولار، وهو بالمناسبة أحد أكبر المستثمرين في العالم، وأكبر نستثمر كذلك في قطاعات التبغ حول العالم، ويملك الصندوق أسهما في أكثر من 9 آلاف شركة، كما يملك ما يزيد على 1% من جميع الأسهم العالمية.

صناديق الأستثمار السيادية الأجنبية تعطينا نحن المؤسسات المالية العربية دروساً في الأخلاق بشكل مستمر، فهل نقتدي بها، أم نواصل شراء صالات القمار وشركات صناعة التبغ والسجائر الغربية؟

اقرأ أيضا: مصر تبني السجون وتغلق المصانع

المساهمون