أوقفت العديد من مصارف الاستثمار الكبرى تمويلاتها لمشاريع النفط والطاقة المكلفة، فيما هرب المستثمرون الكبار الذين يديرون صناديق المعاشات وصناديق الثروة وحتى الأفراد من أسهم شركات النفط والغاز في "سوق وول ستريت" الأميركي والعديد من أسواق المال العالمية بسبب الأداء السيئ للعوائد المتحققة منها، مقارنةً بقطاعات الاستثمار الأخرى.
من بين المصارف ومؤسسات الاستثمار التي توقفت عن ضخّ تمويلات جديدة في قطاع النفط والغاز، مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأميركية، حيث اتخذ اجتماعه السنوي يوم الثلاثاء الماضي، منصة لإعلان حظره لتقديم قروض جديدة لمشاريع تطوير حقول النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي، ووضع المصرف سقفاً محدوداً لتمويل مشاريع الفحم الحجري.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" قد سبق "جي بي مورغان" إلى ذلك في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وعلى الرغم من أن بعض المصارف تعلن وقف التمويلات الجديدة بدعوى مناصرة البيئة وحمايتها، إلا أن خبراء الاستثمار يؤكدون أن الأسباب الرئيسية وراء وقف التمويلات يعود إلى المخاوف من تكبد خسائر ضخمة وسط تداعيات تفشي فيروس كورونا على الطلب العالمي على الطاقة ومستقبل النمو الاقتصادي في الصين الذي يُعَدّ من أهم محددات الطلب على النفط والغاز الطبيعي.
وبينما تحسب شركات الطاقة الكبرى نجاحاتها بحجم الاحتياطات من النفط والغاز التي تملكها، فإن المستثمر يحسب بما يدخل جيبه من عائد مالي من ارتفاعات أسهم الطاقة وتوزيعاتها. وما دامت أسهم شركات الطاقة لا تحقق له عوائد مجزية على المدى المتوسط وحتى عام 2025، بحسب متوسط أسعار النفط التي وضعت لها معظم البنوك بين 50 إلى 70 دولاراً حتى عام 2025.
ومن بين مشاريع النفط والغاز المكلفة التي يحاصرها تفشي فيروس كورونا في الوقت الراهن، حقول النفط الرملي في كندا، وصناعة النفط الصخري في أميركا، ومشاريع النفط الجديدة في المياه العميقة في البرازيل، وحقول النفط والغاز في منطقة القطب المتجمد.
وتتخطى كلفة استخراج البرميل في بعض هذه المشاريع 65 دولاراً، وهي بالتالي بعيدة جداً عن الجدوى الاستثمارية، وذلك مقارنة بالنفوط ذات الكلفة الرخيصة في العراق وبعض دول الخليج والتخمة النفطية المتزايدة في السوق النفطية وتوجهات العالم نحو الطاقة المتجددة.
على صعيد النفط الصخري في أميركا، فإن العديد من شركات النفط الصخري تواجه حالياً نقصاً في السيولة وأزمات تمويلات جديدة حسب تقرير نشرته أخيراً صحيفة "وول ستريت".
وحسب تقرير شركة "هاينز آند بون" الأميركية الأخير، هنالك نحو 200 شركة تعمل في مجال النفط الصخري، أعلنت إفلاسها خلال الأعوام الأخيرة. كذلك ترتفع معدلات الديون بين شركات النفط الصخري الصغرى، رغم ما تجده من دعم حكومي غير مباشر من إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وتقدر كلفة البرميل التي تقف برزخاً بين الربح والخسارة لمعظم حقول النفط الصخري، خارج منطقة برميان الغنية بالنفط، بنحو 50 دولاراً للبرميل.
أما بالنسبة إلى صناعة النفط الرملي في كندا، فمن غير المتوقع عودة الشركات للإنتاج خلال الأعوام المقبلة، بسبب الخسائر الباهظة المتوقعة تحت ظروف أسعار النفط المتدهورة حالياً.
وبينما يبلغ سعر خام غرب تكساس حالياً نحو 47 دولاراً، فإن خبير الطاقة بشركة الاستشارات الأميركية "آي أتش أس"، كيفن بيرن، يقدّر أن مشاريع النفط في حقول البرتا بكندا، تحتاج سعراً لخام غرب تكساس لا يقل عن 65 دولاراً، حتى لا تتكبد خسائر، وذلك وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الاثنين الماضي.
وفي مقابل هذه الأسعار، تتوقع معظم تقديرات البنوك الاستثمارية أن تراوح أسعار النفط من نوعية خام برنت بين 50 و70 دولاراً بين العام الجاري وعام 2025.
وهذا يعني أن حقول الغاز والنفط الرملي في كندا قد تنتظر لعقود أخرى حتى تتمكن من العودة للإنتاج. وتقع العديد من الاحتياطات النفطية في النرويج في مناطق بحرية عميقة، وسيكون استخراجها ونقلها مكلفَين ما لم ترتفع أسعار النفط إلى مستويات مائة دولار.
وسط هذه الظروف القاسية التي تعيشها الصناعة النفطية، فإن الرهان الاستثماري في مشاريع الطاقة المكلفة يعتمد على مدى قدرة الصين على السيطرة على فيروس كورونا. وحتى الآن تراوح تقديرات تداعيات الفيروس على تراجع النمو الصيني بين 5.8 و5.5% على المستوى السنوي.
في هذا الصدد، يرى مصرف "مورغان ستانلي" الأميركي، في تقرير صدر أول من أمس الأربعاء، أن النمو الاقتصادي في الصين قد يتراجع إلى 3.5% خلال الربع الأول من العام الجاري، إذا لم تتمكن السلطات الصينية من احتواء الفيروس بالسرعة المطلوبة وعودة المصانع إلى مستويات التشغيل الطبيعي بنهاية مارس/آذار المقبل.
ويتوقع أيضاً أن يتراجع الإنتاج الصناعي إلى معدلات تراوح بين 60 إلى 80% خلال الربع الجاري.