المصريون يسددون فاتورة الارتهان لصندوق النقد... ديون تمتد لأجيال

14 يناير 2018
وعود السيسي بتحقيق الرخاء تتبدل إلى غلاء وفقر(فرانس برس)
+ الخط -

أقدمت الحكومة المصرية على عدة إجراءات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، منذ الاتفاق على برنامج اقتصادي مع صندوق النقد الدولي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار يُصرف على دفعات لمدة ثلاث سنوات.

وكان للصندوق شروطه التي انصاعت لها الحكومة، فقبيل إعلان الصندوق رسمياً الموافقة على إتاحة القرض لمصر، كان على الحكومة إعلان تعويم عملتها (تحرير سعر الصرف) وتركها للعرض والطلب، الأمر الذي أدى إلى انهيار الجنيه مقابل الدولار الأميركي، الذي لامس مستوى 20 جنيها رسمياً، بعد أن كان يتداول بنحو 8.88 جنيهات قبيل ساعات من قرار التعويم.

ورغم الانخفاض المحدود في سعر الدولار في الأشهر اللاحقة، إلا أنه يظل يقترب من مستوى 18 جنيها، ما أدى إلى قفزات كبيرة ومتواصلة في أسعار مختلف السلع والخدمات، التي أصابت خزينة الحكومة وجيوب المواطنين، على حد سواء.

ويتضمن برنامج صندوق النقد، إلغاء الحكومة دعم الوقود خلال العام المالي المقبل 2018/2019، وزيادة أسعار الخدمات والرسوم، وتحرير سعر الصرف، وفرض المزيد من الضرائب، أهمها ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدمغة على تعاملات البورصة وتقليص عدد العاملين في الحكومة.

وبحسب البرنامج، فإن هذه الإجراءات من شأنها كبح عجز الموازنة والدين العام، إلا أن المؤشرات الرسمية تظهر استمرار عجز الموازنة عند مستوياته المرتفعة، بل وقفز الدين العام الداخلي والخارجي إلى مستويات غير مسبوقة.

ووفق وزير المالية عمرو الجارحي، خلال لقاء إعلامي على إحدى القنوات الفضائية المصرية، يوم الأربعاء، فإن الدين الخارجي وحده وصل إلى 81 مليار دولار.

وتشير تصريحات الوزير المصري إلى أن الدين الخارجي قفز بنسبة 35% في عام واحد، منذ إبرام الاتفاق مع صندوق النقد، حيث لم يكن يتجاوز 60 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول 2016، أي قبل شهرين من الاتفاق.

ويتوقع أن يتجاوز الدين الخارجي عتبه الـ90 مليار دولار بنهاية 2018، في ظل اعتزام الحكومة طرح المزيد من السندات الدولية (أدوات دين).

ورغم التداعيات المتعددة والمستمرة للاتفاق المصري مع صندوق النقد، إلا أن هناك من يرى أن للاتفاق إيجابيات، واصفين إياه بأنه جاء كطوق نجاة للحكومة في ظل تدني مؤشرات الاقتصاد.

ويقول فخري الفقي، نائب الرئيس التنفيذي لصندوق النقد سابقاً، إن من الإيجابيات تعويم سعر الصرف، لإنهاء طوابير المنتجين والمستوردين الراغبين في فتح اعتمادات مستندية والحصول على الدولار لتسيير أعمالهم.

وبحسب طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، في تصريحات صحافية مؤخراً، فإن البنوك نجحت في توفير نحو 56 مليار دولار للواردات، منذ قرار التعويم حتى أغسطس/آب 2017.

ويرى مؤيدو الإجراءات الحكومية، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي جذب استثمارات تقدر بنحو 19 مليار دولار، كمشتريات لأدوات الدين المحلية، معتبرين أن ارتفاع التضخم أمر متوقع، فهو انعكاس لآثار الزيادات في أسعار الكهرباء والوقود وضريبة القيمة المضافة الجديدة وتأثير انخفاض سعر الصرف.

وأقدمت الحكومة على رفع أسعار الوقود مرتين بنسب كبيرة، منذ إبرام اتفاقها مع صندوق النقد، جاءت الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بنسب تراوحت ما بين 30% و47%، والثانية في 30 يونيو/حزيران 2017 بنسب تصل إلى 55%.

ويقول خبراء إن المواطنين تجرعوا مرارة الإجراءات الحكومية، حيث قفزت الأسعار وتآكلت المدخرات. كما أقرت وزارة المالية بآثار التعويم على الموازنة العامة المنتهية في يونيو/حزيران الماضي.

وأظهرت البيانات ارتفاع جملة الإنفاق العام، خلال العام المالي الماضي، إلى تريليون و31 مليار جنيه، مقابل إنفاق مستهدف بنحو 936 مليار جنيه، بزيادة 95 مليار جنيه تمثل التكلفة التي تحملتها خزانة الدولة بسبب القرارات.

ويقول وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التعويم تقدر بنحو تريليوني جنيه (113 مليار دولار)، تمثل فارق عجز الموازنة وفوائد الدين العام، التي قفزت بصورة مخيفة، فضلا عن زيادة الدين العام الخارجي وارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية، بخلاف تدني القيمة الشرائية للعملة المحلية وانكماش استهلاك المواطنين".

ويؤكد أن "الأموال والاستثمارات التي دخلت مصر عقب التعويم هي أموال ساخنة، مُنحت بفوائدها على طبق من ذهب للمضاربين الأجانب الذين لم تستفد مصر بشكل حقيقي من دخولهم السوق"، مؤكدا أن "المواطن هو الضحية، فالأسعار قفزت ولن تنخفض مرة أخرى، رغم الإعلان الحكومي عن تراجع معدل التضخم الرسمي".

المساهمون