ضرائب لبنان تُفاقم معيشة المواطنين وتزيد أعداد الفقراء

15 أكتوبر 2017
خلال اجتماع يسبق إقرار الضرائب (حسين بيضون)
+ الخط -
أقرّ البرلمان اللبناني الأسبوع الماضي قانونا جديدا للضرائب بعد أقل من شهر على إبطال المجلس الدستوري لقانون سابق أقره النواب وتضمّن مخالفات دستورية عديدة، تطاول آلية عمل مجلس النواب والمبادئ الأساسية التي ينص عليها الدستور كـ "العدالة والمساواة في التكليف وضرورة إقرار أي ضرائب جديدة ضمن موازنة عامة وليس في غيابها". 
وتهدف السلطات اللبنانية من قانون الضرائب الجديد إلى تمويل سلسلة الرتب والرواتب المُعدّلة للقطاع العام التي شكّلت مطلبا نقابيا للمدرسين والموظفين المدنيين في الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي.
لكن مسار العملية التشريعية والحسابات الخاصة للقوى السياسية المشاركة في تسوية انتخاب ميشال عون رئيسا مقابل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة أنتجت سلسلة لا تُحقق طموحات موظفي القطاع العام، وتفرض ضرائب "غير مُحقّة" وفق خبراء الاقتصاد، على حوالي مليون مواطن لبناني يعملون في القطاع الخاص. ويأتي ذلك، في ظل غياب لأي تحرك في الشارع، بالرغم من حجم الضرائب المفروضة ونوعها الذي يصيب الاستهلاك بشكل أساس.

وبحسب الأرقام التي تداولها النواب خلال جلسة إقرار الضرائب فإن حجم واردات الضرائب يتجاوز الكلفة المُفترضة للسلسلة بأكثر من 500 مليار ليرة لبنانية (حوالي 330 مليون دولار أميركي)، مع تقدير لجنة المال والموازنة في مجلس النواب كلفة السلسلة بـ 1400 مليار (حوالي 927 مليون دولار)، وحجم الواردات بأكثر من 1900 مليار ليرة (مليار و258 مليون دولار).

ضرائب بالجملة

ورغم تأكيد وزير المالية علي حسن خليل، وهو أحد ممثلي حركة أمل في الحكومة، أن الضرائب الجديدة لا تصيب ذوي الدخل المحدود، تُظهر مطالعة للضرائب أنها تصيب مُختلف الطبقات وخاصة منهم ذوي الدخل المحدود، وتشمل مُختلف أوجه المصاريف اليومية لهم، مع نسبة قليلة من الضرائب التي تستهدف أصحاب رأس المال.
البداية مع رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 11%، وهو ما يعني عملياً رفع كلفة سلة المشتريات اليومية لكل المواطنين وفواتير الخدمات كالكهرباء والماء والإنترنت... كما فرض رسم على المستوعبات القادمة من الخارج بقيمة بين 53 دولاراً و80 دولاراً، وهي زيادة سيحولها المستوردون إلى التجار ليتحملها المستهلك.
وخضعت المعاملات الإدارية المُختلفة التي تربط المواطن بالدولة عبر كُتاب العدل والفواتير والإيصالات إلى الزيادات الضريبية، كما لحظ القانون الضرائبي رفع الرسم على منتجات التدخين.
وتطاول الضرائب الجديدة أيضاً زوار لبنان براً وكافة المُغادرين اللبنانيين جواً، من خلال فرض رسم على القادمين غير اللبنانيين عبر البر بقيمة 3.3 دولارات، والإبقاء على رسم بقيمة 33.3 دولاراً للمسافرين اللبنانيين على الدرجة السياحية، مع رفعه على المسافرين من الدرجة الأولى ورجال الأعمال.
وفي حال حالف الحظ أحد المواطنين وفاز بإحدى جوائز اليانصيب المحلية والأجنبية فإن الدولة ستكون جاهزة لاقتطاع 20% من قيمة الجائزة.
وطاولت ضريبة بقيمة 4 دولارات كل طُن مُنتج من الإسمنت، وهو ما سينعكس على أسعار الشقق.

ورفع مجلس النواب أيضاً الضرائب على أرباح الشركات الخاصة من 15% إلى 17% من دون تمييز فيما يتعلق بحجم هذه الشركات وأرباحها.
كما تقرر زيادة الرسوم على فوائد وعائدات المصارف من 5% إلى 7%، دون التمييز بين صغار المودعين والمودعين الكبار. وتضمن قانون الضرائب فرض غرامات متواضعة على الإشغال غير القانوني للأملاك العامة في حين أن عددا كبيرا من أعضاء البرلمان والحكومة يعتدون على الأملاك العامة...

ارتفاع أعداد الفقراء

يشدد الخبير والباحث الاقتصادي جاد شعبان، على وجود مشكلة فعلية مرتبطة بعدم إقرار ضريبة تصاعدية في أي بند داخل السلة الضريبية الجديدة، ما يساوي بين الفقراء والأثرياء في نسبة الضريبة المقتطعة من مداخيلهم.
وهذا الإجراء لا يعتبره شعبان عشوائياً، إذ يشرح أن السلطة الحاكمة تسعى لعدم التركيز بضرائبها على فئة اجتماعية دون الأخرى، أما الأسباب فمن بينها التحكم بالرأي العام، ومنعه من تشكيل قوى ضغط فئوية ضد السلطة.
ويتابع شعبان أن غالبية السلة الضريبية تصيب كل المستهلكين وتؤثر مباشرة على ذوي الدخل المحدود، وحتى الضرائب التي تطاول الشركات والمودعين في المصارف، فهي تساوي في الاقتطاع الضريبي ما بين الشركات الصغرى والكبرى، وما بين المودعين الصغار وأصحاب الودائع الضخمة.
ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن هذه السلة الضريبية سترفع أسعار كافة السلع حتى تلك التي لا تطاولها الضرائب والرسوم بشكل مباشر، وذلك بسبب ترابط دورة الإنتاج وكذا دورة الاستيراد والاستهلاك.
وشعبان، وهو صاحب أول دراسة تربط ما بين الضريبة على القيمة المضافة وارتفاع نسب الفقر، يؤكد أن الانفاق الاستهلاكي سينخفض مع الضرائب الجديدة ما بين %10 إلى 15% على الأقل، وسيرتفع عدد الفقراء بين 100 إلى 150 ألفاً على الأقل.

ضد العدالة الاجتماعية

يؤكد مُقرّر لجنة المال والموازنة، عضو "كتلة الكتائب اللبنانية" النائب فادي الهبر، أن "التوافق السياسي حول فرض الضرائب سبق إمكانية النظر في مدى دستوريتها، وهذه إحدى المشاكل التي نعاني منها جميعاً في العهد الجديد الذي يفتقر إلى الرؤية الاقتصادية الشاملة التي يُفترض أن تحمي المواطن لا أن تستهدفه".
ويشير الهبر لـ "العربي الجديد" إلى أن "حوالي 80% من الضرائب الجديدة تستهدف ذوي الدخل المحدود مقابل 20% فقط على المصارف والتعديات على الأملاك العامة وغيرها".
وبعدما طعنت كتلة "حزب الكتائب" ومعها مجموعة نواب بقانون الضرائب السابق الذي عطّله المجلس الدستوري، يؤكد الهبر أن "الكتلة تدرس مُجددا خيار الطعن، وتدعو للإبقاء على الضرائب المفروضة على أرباح المصارف وعلى الأملاك البحرية وإلغاء الضرائب التي تطاول المُستهلك".
كما يؤكد الخبير الاقتصادي اللبناني والأكاديمي سامي نادر، لـ "العربي الجديد" أن "قانون الضرائب الجديد لا يحقق مفهوم العدالة الاجتماعية، بل على العكس فإن فرض ضرائب تطاول معظم الشرائح سيؤدي إلى إضعاف الاقتصاد اللبناني بسبب تآكل القدرة الشرائية للمواطنين".
ويشير نادر إلى أن "معظم الضرائب الجديدة تطاول الطبقة المتوسطة وما دون، بدءاً من الضريبة المفروضة على المعاملات الإدارية وبطاقات الهواتف الخلوية والسجائر (...) وصولاً إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة".
المساهمون