الجزائر تقترب من توديع زمن "استيراد الوقود"

13 يناير 2020
الحكومة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مشتقات النفط (Getty)
+ الخط -
واصلت الجزائر طريقها نحو تحقيق الاكتفاء الداخلي في إنتاج مشتقات الطاقة، عبر توقيع عقد بناء ثالث محطة تكرير للنفط، ما سيجعل البلاد تطوي رسميا "زمن الاستيراد"، فيما يتعلق بالوقود والزيوت النفطية تحديدا، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
ووقّع المجمع النفطي الجزائري "سوناطراك"، منتصف الأسبوع الماضي، عقداً مع شركتي "تيكنيكاس رونيداس" الإسبانية و"سامسونغ للهندسة" من كوريا الجنوبية، لإنجاز محطة لتكرير النفط في حوض الحمراء بحاسي مسعود (600 كيلومتر جنوب العاصمة).

وأفاد بيان لسوناطراك، الأربعاء الماضي، أن "العقد تبلغ قيمته 440 مليار دينار (3.7 مليارات دولار)، لإنجاز محطة لتكرير النفط الخام بتصفية عميقة بطاقة 5 ملايين طن سنوياً، حيث جرى التوصل إلى هذا الاتفاق عقب مناقصة أطلقها مجمع سوناطراك في 2017".
وحسب عبد المجيد عطار، المدير العام الأسبق لمجمع "سوناطراك" فإن مصفاة "حاسي مسعود" من الجانب التقني ستكون الأقرب من حقول النفط، مقارنة بمصفاتي "سكيكدة" في شمال البلاد و"أوغوستا" في إيطاليا، ما يعني اقتصادا في الوقت والمصاريف".

وتابع: "كما ستغطي الطلب الداخلي خاصة في منطقة الجنوب الجزائري الكبير، ما يعني نقص الضغط على مصفاة سكيكدة التي تمون الشمال بأكمله".
وأضاف عطار لـ" العربي الجديد" أن "4 سنوات كمدة تشييد للمصفاة لا تعد كبيرة، مع العلم أن التجارب الأولى ستكون منتصف 2023، لكن يجب النظر في نصف الكأس المملوء، وهو ما ستوفره هذه المصفاة من عملة صعبة للبلاد".

وتستهلك الجزائر نحو 20 مليون طن من الوقود بمختلف أنواعه سنوياً، 3.4 ملايين طن منها بنزين، والمازوت بنحو 8.35 ملايين طن، والباقي وقود موجه لاستعمال عسكري ومدني على غرار وقود الطائرات.
وحسب مصدر مسؤول في سوناطراك لـ"العربي الجديد" فإنه منذ إطلاق المناقصة نهاية 2017، سحبت 15 شركة دولية دفتر الأعباء، ومطلع مايو/آيار 2018، تلقت سوناطراك 7 عروض تعود لـ مجمعات "سينوبيك/سي تي أي" و"بيتروفاك/جي أس" و"تيكنيكاس ريونيداس/سامسونغ أنجنيرينغ" وشركات "شاينا هوانكي كونتراكتينغ و أنجينيرينغ" و"هيونداي أنجينيرينغ" و"مير تيكنيمون/بيتروجيت" و"هيوالو أنجنيرينغ".

وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "تم اختيار عرض شركتي تيكنيكاس ريونيداس (إسبانيا) وسامسونغ للهندسة (كوريا الجنوبية)، لعدة أسباب أبرزها التكلفة ومدة الإنجاز".
وأضاف المسؤول أن "المصفاة الجديدة ستدخل حيز العمل مطلع 2024 بطاقة إنتاج أولى 5 ملايين طن مكافئ نفط سنويا، ثم يضاعف الإنتاج إلى 10 ملايين، على أن يرتفع إلى 13 مليون طن بعد ذلك، ما سيسمح برفع الإنتاج الداخلي لحوالي 40 مليون طن سنويا، ما يعني وقف الاستيراد، وذلك بالاعتماد على مصفاتي سكيكدة بطاقة إنتاجية تبلغ 17 مليون طن من الوقود، وأوغوستا الإيطالية بطاقة 10 ملايين طن سنويا.

وجاء توقيع عقد المصفاة الجديدة بعد قرابة سنتين من إطلاق مناقصة دولية لإنشاء مصفاة بمنطقة حاسي مسعود.
وكانت الجزائر قد استحوذت نهاية 2018 على مصفاة "أوغوستا" الإيطالية، التي كانت مملوكة لشركة "إكسون موبيل" الأميركية، مقابل 900 مليون دولار.

وتخوض الجزائر منذ سنوات، معركة لكبح فاتورة الواردات وتقليص نزف النقد الأجنبي، من خلال فرض قيود على السلع المستوردة؛ فقد أخضعت الحكومة الكثير من الواردات للتراخيص المسبقة من السلطات، كما حظرت دخول مئات السلع.

وقال الخبير في قطاع الطاقة، مهماه بوزيان، إن "تحقيق الجزائر الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الوقود سيسمح بتوفير قرابة 1.6 مليار دولار في العام، كانت تنفقها الجزائر لشراء الوقود من إسبانيا بالدرجة الأولى بصفتها الممون الأول للجزائر بـ 60 في المائة مما تحتاج إليه، و30 في المائة لفرنسا و10 في المائة لإيطاليا".

وأضاف بوزيان لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر تسعى لأن تحوّل الوقود لمصدر للعملة الصعبة، من خلال تصديره لموريتانيا والنيجر خلال العامين القادمين، وفتح محطات وقود جزائرية في تونس ومالي".
وتظهر البيانات الرسمية أن صادرات النفط والغاز استحوذت على 94 في المائة من إجمالي صادرات الجزائر، البالغة 37 مليار دولار خلال عام 2018، ما يمثل 60 في المائة من ميزانية الدولة.

وتمتلك الجزائر ثروات طاقة ضخمة، وتعتبر من أهم مموني القارة العجوز بالغاز الطبيعي، إذ يستورد الأوروبيون قرابة 30 في المائة من احتياجات الغاز من الجزائر عبر ثلاثة أنابيب.
وتواجه الجزائر حالياً أزمة مالية خانقة بسبب تراجع الإيرادات النفطية، ما دفعها إلى البحث عن وسائل من أجل وقف نزيف الاحتياطي النقدي ومنها تقليص استيراد مختلف السلع وعلى رأسها الوقود.
وكانت احتياطات صرف الجزائر قد تراجعت إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.28 مليارات دولار في أربعة أشهر، حسب بيانات رسمية.

وتشير التوقعات الرسمية إلى تواصل سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، خلال الفترة المقبلة.

المساهمون