على امتداد نحو كيلومترين بكورنيش النيل في قلب القاهرة، يجري العمل بشكل متسارع للانتهاء من مشروع "ممشى أهل مصر"، والذي يتضمن إقامة 19 مبنى تضم 5 مطاعم، و5 كافتيريات (مقاهي)، و56 محلاً تجارياً، ومسرحا مكشوفا للحفلات الغنائية، بالإضافة إلى 3 ساحات انتظار بسعة إجمالية 180 سيارة.
وحسب المخطط الحكومي، يتم إقامة المشروع على مساحات واسعة يتم ردمها من نهر النيل، تحت إشراف إدارة المهندسين العسكريين التابعة للجيش المصري.
ويعاني القادمون من مناطق شبرا والطريق الزراعي شمال القاهرة من ازدحام مروري متكرر يومياً، خلال الفترة الأخيرة، نتيجة استكمال أعمال الهيكل الخرساني لعدد كبير من المباني، وتنفيذ الخوازيق الشاطئية والنيلية، والتي بدأت في أغسطس/ آب الماضي، تحت ذريعة إنشاء لسان مشاة على نهر النيل، في المنطقة ما بين جسر إمبابة في العاصمة القاهرة وحتى مطلع جسر 15 مايو في اتجاه مناطق الزمالك والمهندسين.
وقال مصدر حكومي مطلع لـ"العربي الجديد"، إن التكلفة الإجمالية لتنفيذ ممشى أهل مصر تراوح بين 800 و900 مليون جنيه "الدولار= 15.80 قرشا"، ومن المقرر افتتاحه رسمياً في 30 يونيو/ حزيران المقبل، ضمن مشروع تطوير الواجهات النيلية من مدينة أسوان (جنوب) حتى القاهرة، مشيراً إلى تولي شركة مملوكة لوزارة الدفاع مهام تأجير المطاعم والمحال التجارية عقب التشغيل، من خلال نظام "حق الانتفاع" لمدة تصل إلى 15 عاماً.
وكشف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن محافظة القاهرة هي الممول الرئيس للمشروع، من خلال المخصصات المالية الممنوحة لها في موازنة الدولة للعام المالي 2019/ 2020، مع مساهمة وزارة الموارد المائية والري بنحو 4 ملايين جنيه مقابل أعمال الحماية الحجرية.
وأضاف أن "منح الجيش مهام تشغيل المشروع عقب افتتاحه، عوضاً عن محافظة القاهرة أو وزارة الري، هو قرار سيادي من الرئيس عبد الفتاح السيسي".
ونصت المادة 44 من الدستور المصري على أن "تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها. كما تلتزم بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي، ودعم البحث العلمي في هذا المجال، وحق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدي على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات".
ويأتي ذلك في وقت تعاني منه مصر من أزمة مائية كبيرة بسبب بناء سد النهضة في إثيوبيا والذي سيؤدي إلى شح كبير في مياه الشرب والزراعة، في وقت تزايدت فيه الاعتداءات بالبناء على النيل وتلويثه، ما فاقم من التأثيرات السلبية على مجرى النهر، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
ويتضمن المشروع الجديد إنشاء 3 مدرجات، وممشى أفراد متدرج المناسيب على امتداد المساحة المخصصة في كورنيش النيل، بمتوسط 4.5 أمتار لعرض الممشى العلوي، و6.5 أمتار لعرض الممشى السفلي، إلى جانب نوافير مائية، ومسرح على مساحة 275 متراً، بدعوى زيادة نصيب الفرد من المسطحات الخضراء والأماكن المفتوحة في تلك المناطق، على غرار بعض المدن العالمية التي تطل على أنهار ومجارٍ مائية، وفق تصريحات رسمية.
وحسب بيان سابق لمجلس الوزراء المصري، فإن ممشى أهل مصر يعد جزءاً من المشروع "الطموح" الذي تنفذه الحكومة حالياً من مدينة حلوان جنوباً، وحتى القناطر الخيرية شمالاً، بطول 40 كيلومتراً، لاجتذاب عدد كبير من المصريين على مدار السنة، وإتاحة الاستمتاع بمنظر النيل الخلاب للزائرين بمناطق وسط القاهرة.
وتتسبب إقامة المشروع في تعطل العشرات من المراكب النيلية، والحاصلة على تراخيص من محافظة القاهرة لتنظيم رحلات نيلية للبسطاء من المصريين مقابل جنيهات معدودة، من دون توفير البديل لها، ما اضطر أصحابها إلى مزاحمة المراكب النيلية في المناطق السابقة والتالية للمشي، والتي من المستهدف أن تدخل في خطة التطوير "المزعومة" لاحقاً.
كان رئيس قطاع حماية النيل بوزارة الموارد المائية والري، علاء خالد، قد قال في تصريحات سابقة، إن "نهر النيل ليس ملكاً لأحد، بل هو ملك لجميع المصريين، باعتبار أن أراضي النهر وجوانبه تمتلكها الدولة"، مضيفاً أن "الدولة لا تستفيد شيئاً من العائمات الكبيرة على النيل، لأن أصحابها يدفعون حوالي 15 ألف جنيه في العام، نظير الانتفاع بمياه النيل"، على حد تعبيره.
وحسب دراسات دولية حديثة فقد وسع الجيش المصري من نطاق وحجم سيطرته على الاقتصاد المصري. وقالت دراسة نشرها "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" صدرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، للباحث المتخصص في الشؤون العسكرية يزيد صايغ، بعنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، إنّ استيلاء الجيش على مقاليد السلطة في منتصف 2013، وما تلاه من صعود نجم السيسي، "غيّرا دوره على صعيدَي النطاق والحجم، وحوّلاه إلى طرف اقتصادي فاعل يحظى باستقلالية تمكّنه من إعادة تشكيل الأسواق والتأثير على سياسات الحكومة واستراتيجيات الاستثمار". وأضافت الدراسة أنّ المؤسسة العسكرية تنفذ مشاريع في كل القطاعات الاقتصادية.