إيران تطمح لتكون قوة نفطية كبرى

04 ابريل 2015
الاتفاق يحول جواد ظريف إلى بطل في طهران(Getty)
+ الخط -
رغم أن الاتفاق الإطاري للملف النووي الإيراني الذي أعلن عنه في مدينة لوزان السويسرية، ليس اتفاقاً ملزماً بعد لأي من الطرفين، ومُنح الطرفان، إيران والقوى الدولية، فترة ثلاثة أشهر للنظر فيه وتوقيعه، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الحكومة الإيرانية ستوقع عليه في يونيو/حزيران المقبل. وترك الاتفاق الكثير من التفاصيل الخاصة برفع الحظر الدولي والغربي إلى يونيو/حزيران، كما ربط رفع الحظرالدولي بالتزام إيران بتطبيق بنوده بعد التوقيع، إلا أن هنالك شبه إجماع بين الخبراء أنه "اتفاق جيد" بالنسبة لإيران وبالنسبة للقوى الغربية.
في هذا الصدد، تقول مديرة أبحاث الشرق الأوسط بمعهد وود رو ويلسون الأميركي، هالة أصفندياري، "هذا اتفاق إطاري ويجب أن ننتظر حتى يونيو للتعرف على التفاصيل، ولكنه اتفاق جيد بالنسبة لجميع الأطراف". وأضافت في تعليقات لتلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي "إنني متفائلة بأن إيران ستوقع عليه في يونيو وأنها ستلتزم بالنقاط التي وقعت عليها".
ولكن على الصعيد العربي، بالتأكيد فإن الاتفاق ليس في مصلحة الدول العربية التي تعاني منذ سنوات من التدخل الإيراني في شؤونها، وربما يعيد إيران للعب دورها القديم في زمن الشاه كشرطي في المنطقة يزيد من نفوذها الإقليمي، رغم الضمانات الأميركية التي ينووي الرئيس الأميركي بالإفصاح عنها في قمة "كامب ديفيد" مع قادة دول مجلس التعاون.
وهنالك شبه اتفاق، أن هذا الاتفاق النووي سيفك العزلة الإيرانية دولياً، وسيقوي الاقتصاد الإيراني، كما سيعزز مكانة إيران الإقليمية ويضعها كشريك مع الولايات المتحدة في أمن المنطقة وأمن الطاقة العالمي.
ويمكن القول إن هنالك ضحايا كثراً لهذا الاتفاق النووي أهمها النفط و"أوبك"، وبالتأكيد هنالك خاسرون ورابحون. فبينما تقف إيران والشركات الغربية، كأكبر الرابحين من الاتفاق، تصبح الدول العربية، خاصة دول مجلس التعاون بين أكبر الخاسرين.
وتعد أسعار النفط ومداخيله في السعودية وباقي دول التعاون، أكبر الخاسرين. وتشير توقعات وسطاء في لندن أن أسعار النفط ربما تنخفض إلى قرابة 42 دولاراً أو أقل من ذلك حينما تُفتح الأسواق يوم الثلاثاء المقبل. ويلاحظ أن الاتفاق أعلن بعد إغلاق الأسواق الأميركية والأوروبية لـ"إجازة الربيع" التي بدأت اليوم الجمعة وستستمر حتى الإثنين، ولكن رغم ذلك انخفضت أسعار النفط في التعاملات الثانوية إلى 48 دولاراً للبرميل بالنسبة لخام برنت.
أما الضحية الثانية في هذا الاتفاق فهي منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، التي كانت تقودها السعودية بيسر وسهولة في الحصول على إجماع بشأن قرارات سقف الإنتاج والأسعار المستهدفة لبرميل النفط، أما بعد الاتفاق النووي، فسيختلف الوضع، لأن إيران التي تمثل ضمنياً العراق، ستصبح قوة نفطية كبرى تنافس السعودية في مجال النفط وأمن الطاقة العالمي. ولدى إيران احتياطات نفطية تقدر بحوالى 157 مليار برميل تضعها في المرتبة الرابعة عالمياً، كما أنها تحتل المرتبة الثالثة بعد روسيا وأميركا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي. وإذا أضيف إلى هذه الاحتياطات إلى ما يملكة العراق من احتياطات النفط والغاز الطبيعي، فسيعني ذلك تلقائياً أن إيران ستصبح من أهم دول العالم إلى جانب السعودية في إمدادات الطاقة العالمية.
ولكن يلاحظ أن إيران تمتلك ميزة تنافسية على السعودية في مجال الطاقة، حيث تمتلك احتياطات غاز تضعها في موقع متميز كشريك في تنويع مصادر الطاقة الأوروبية الباحثة عن بديل للاحتكار الأوروبي.
ولا يخفى أن دول المجموعة الأوروبية ساهمت بشكل كبير في التوصل إلى هذا الاتفاق الإطاري. وذلك لسببين، أحدهما أن شركات الطاقة الأوروبية، مثل توتال وإيني و"بريتش بتروليوم" وشل، أجرت مفاوضات مسبقة مع الحكومة الإيرانية بشأن عقود تطوير مكامن الغاز والنفط في إيران وضمنياً في العراق. ولاحظ خبراء أن هذه الشركات الطامعة في عقود الطاقة الإيرانية ضغطت على حكوماتها للتوصل إلى هذا الاتفاق.
وثانياً: فإن دول الاتحاد الأوروبي لديها قناعة أن إمكانيات الغاز الطبيعي الضخمة في إيران ستمهد الطريق لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي. وهنالك شبه اتفاق تعاون بين كل من دول الاتحاد وتركيا، وبين إيران وتركيا على تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر تركيا. وربما تستخدم طهران اتفاق تصدير الغاز إلى أوروبا لتهدئة مخاوف أنقرة من تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة مستقبلاً.
أما الخاسر الثالث من هذا الاتفاق فهي الدول العربية، التي ستجد نفسها تحت المزيد من الضغوط الإيرانية، خلال السنوات المقبلة في حال توقيع هذا الاتفاق الإطاري وأصبح ملزماً لجميع الأطراف. فإيران ستكون في وضع مالي مريح لتقديم الدعم المالي وتسليح الجماعات الطائفية التي تدعمها في العراق ولبنان والبحرين واليمن، إضافة إلى دعمها لنظام بشار الأسد في سورية. وهذا سيمنحها هيمنة على المنطقة والضغط أكثر على دول مجلس التعاون.
ويلاحظ أن إيران قدمت تنازلات كبيرة في سبيل الوصول إلى هذا الاتفاق، لأن الاقتصاد الإيراني الذي يبلغ حجمه ترليون دولار، يعاني من ارتفاع في معدل التضخم والبطالة وبحاجة ماسة إلى تدفقات دولارية لتحريك عجلة النمو الاقتصادي الراكد وجذب شركات الطاقة الغربية لاستثمار في النفط والغاز. وهذا ما يهم إيران في الوقت الراهن، أكثر من اهتمامها بتملك القنبلة الذرية.

اقرأ أيضا:
إيران وإغراق المنطقة في فوضي مالية

وسعى الوفد الإيراني بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى إقناع أميركا ومجموعة الخمسة التي يطلق عليها (5+1)، برفع شامل للحظر الاقتصادي على طهران مقابل التوقيع على اتفاق لتجميد البرنامج النووي،
ولكن مصادر غربية أشارت إلى أن أميركا ارتأت أن أي رفع للحظر سيكون تدريجياً ومرتبطاً بتنفيذ شروط الاتفاق في حال التوقيع عليه في يونيو.
ويرى خبراء غربيون أن الشركات الأوروبية ستكون أول المستفيدين من رفع الحظر الاقتصادي على إيران. وفي هذا الصدد، يجب ملاحظة أن قوانين عديدة في الحظر الاقتصادي الأميركي على طهران، ليست مرتبطة بالبرنامج النووي، وإنما مرتبطة بمساعدة إيران للجماعات الإرهابية وتطوير أسلحة الدمار الشامل.
أما أكبر الرابحين من هذا الاتفاق، فهي إيران والشركات الغربية، خاصة شركات الطاقة الأوروبية التي ستحظى بعقود تصل إلى عشرات مليارات الدولار لتطوير صناعة النفط والغاز الإيرانية المتعطشة للتقنية الغربية وتعاني من حال شبيه بالانهيار من حيث تقادم المعدات وتقنيات الإنتاج.
وتملك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويقدر بنحو 157 مليار برميل وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي ويقدر بحوالى 1193 ترليون قدم مكعبة، إلا أنها لا تنتج حالياً من النفط سوى 3.2 ملايين برميل يومياً و8.2 ترليونات قدم مكعبة سنوياً من الغاز الطبيعي.
ويذكر أن حقل "فارس الجنوبي" أكبر حقول الغاز الإيرانية، يحتوي وحده على نسبة 40% من إجمالي احتياطي الغاز الإيراني. وكانت الحكومة الإيرانية قد تعاقدت على تطوير هذا الحقل مع شركات غربية، إلا أن الشركات انسحبت من عقود التطوير في أعقاب تشديد الحظر الأميركي. كما فشلت شركات الطاقة الإيرانية في تحقيق تقدم يذكر في استغلاله بسبب ضعف قدراتها التقنية. وسيمكن الشروع في تطوير الغاز الطبيعي الإيراني، إيران من الحصول على تسهيلات مالية من البنوك الأوروبية، لأن دول الاتحاد الأوروبي ترغب في استيراد الغاز الإيراني عبر تركيا.
وتعيش إيران منذ تشديد الحظر ظروفاً مالية ضاغطة، أدت إلى انخفاض مداخيلها النفطية إلى أقل من 30 مليار دولار في العام الماضي 2014، وأكثر ما يهم طهران في الوقت الراهن هو المال. وسيعني هذا الاتفاق رفع الحظر المالي الذي كان يمنع إيران من استخدام النظام المالي العالمي "سويفت" والتواصل مع البنوك العالمية. كما ستتمكن إيران من تحويل مداخيل صادراتها النفطية بالدولار إلى البنك المركزي الذي كان محظوراً .
ويذكر أن الحظر الأميركي الذي شدد على إيران في 6 فبراير/شباط من العام 2013 منع إيران من الحصول على عائدات مبيعاتها من النفط. ونصت مواد القانون الأميركي على حظر الدول التي تشتري النفط الإيراني من تحويل أثمانه إلى طهران وطالبت الدولة المشترية للنفط الإيراني بإنشاء حساب خاص بالعملة المحلية وأن لا تسمح لإيران بتحويل هذه الأموال خارجها، والمسموح به فقط شراء المواد غير المحظورة من هذا الحساب، وإن لم تفعل الدولة ذلك فستتعرض للعقاب الأميركي. وبالتالي تراكم لدى إيران حوالى 80 مليار دولار في حسابات أجنبية في اليابان وكوريا والصين والهند.

اقرأ أيضا:
خطورة الاتفاق النووي الإيراني على المنطقة
المساهمون