"المركزي" السوداني يفاجئ الأسواق بخفض قوي لقيمة الجنيه

06 فبراير 2018
الجنيه يخسر مزيداً من قيمته (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -


فاجأ بنك السودان المركزي الوسط الاقتصادي بإعلان سعر تأشيري للدولار الأميركي، أمس الإثنين، بواقع 30 جنيهاً، بدلاً من 18 جنيهاً، ليأتي بمثابة الصدمة بسبب الخفض الكبير في قيمة العملة السودانية

وطبق المركزي خلال أقل من شهر زيادات متتالية في السعر التأشيري للدولار، منذ بداية العام المالي 2018، وتطبيق الموازنة الجديدة، فقد أقر في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، زيادة من 8.5 جنيهات إلى 18 جنيها كسعر تأشيري.

واكتفى البنك بإعلان الزيادة الأخيرة دون إبداء أسباب واضحة للقرار، وإن كان يبدو في ظاهره توجها نحو التعويم الجزئي للعملة، رغم دفوعات البنك ورفضه لفكرة التعويم، وإعلانه غير مرة التمسك بالسعر المرن المدار في التعامل مع سعر الصرف الرسمي للدولار.

وحدد النطاق الأعلى للدولار بـ 31.5 جنيها، والأدنى بنحو 28.5. وتأتي هذه الزيادة في وقت يعاني فيه السودان من شح كبير في العملات الأجنبية خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي أدى بدوره لارتفاع كبير في أسعار السلع الضرورية.

وتزامنت الزيادة الأخيرة للسعر التأشيري مع حزمة قرارات حكومية خاصة بحظر الاستيراد من دون تحويل قيمة المنتجات إلى البنك المركزي، وإلزام البنوك والتجار بتحويل حصائل الصادر إلى المركزي، بالإضافة إلى سياسات أخرى في مجال ترشيد الإنفاق العام ومنع تهريب الذهب. 

وبحسب خبراء اقتصاد، فإن الخطوة الجديدة من البنك المركزي تستهدف إزالة الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار.

ويرى عمر محجوب، المدير الأسبق لبنك الاستثمار المالي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن البلاد تمر بأزمة سببها الرئيسي سعر الصرف وعدم قدرة الدولة على إقرار سعر يسهم في استقرار الاقتصاد.

وهوت قيمة الجنيه في السوق السوداء، وبلغت يوم الأحد الماضي، ما بين 40 و43 جنيها للدولار الواحد. وطالب المركزي البنوك التجارية بالتنسيق الجيد وحسن استخدام العملات الأجنبية من أجل "المساعدة في استيراد الاحتياجات الأساسية".

وراجت تجارة تبديل العملات في السوق السوداء بشكل واسع منذ أن رفعت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فرضتها طوال عشرين عاما.

وكان من المتوقع أن يتحسن سعر صرف الجنيه بعد رفع العقوبات لكن حدث العكس، فيما أكد مسؤولون حكوميون أن البنوك العالمية ما زالت لديها تحفظات حيال التعامل مع البنوك السودانية رغم رفع الحظر الاميركي

ويبدي محمد عبدالرحمن أبوشورة، المدير الأسبق للبنك السوداني الفرنسي، تفاؤله بإجراءات البنك المركزي، مشيرا في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعر الجديد الذي حدده المركزي سيشجع الصادرات ويخفض الواردات، فضلا عن تزامنه مع توجه المركزي لشراء حصائل الصادر كافة.

ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 آخذا معه 75% من إنتاج النفط، الذي كان حجمه 470 ألف برميل يوميا. وأدى تدهور سعر صرف الجنيه إلى زيادة معدل التضخم الذي بلغ 34%.

ويرى محمد عباس، عضو غرفة المصدرين رئيس شعبة مصدري الزيوت، أن زيادة السعر التأشيري للدولار ستؤدي إلى الحد من تجارة العملة عبر السوق الموازية، وإيقاف المضاربات، فضلا عن ضبط حركة الصادر بشكل عام.

في المقابل، يجمع عاملون في سوق الصرافة، استطلعت "العربي الجديد" آراءهم، على خطأ زيادة البنك المركزي للسعر التأشيري للدولار بهذا النحو، مشيرين إلى أن الزيادة الأخيرة عملت على تثبيت الدولار في السوق الموازي في نطاق 40 جنيها وأكثر.

وتضررت الأسواق بشكل كبير بتراجع العملة السودانية وتداعيات ذلك على القدرة الشرائية للمواطنين. وفي جولة ميدانية لـ"العربي الجديد" بأسواق الخرطوم، بدت المحال التجارية في حالة ركود، عزاه بعض التجار لانعدام السيولة وضعف المرتبات والزيادات الكبيرة التي طاولت أسعار السلع الاستهلاكية كافة بلا استثناء المستورد منها والمحلي.

وأبدى الكثيرون مخاوفهم من إسهام الزيادة الجديدة في السعر التأشيري للصرف في تضاعف مشاكل الغلاء، في ظل التوقعات بارتفاع الأسعار بنسبة أكبر.

وقال عمر عبد الله تاجر سلع غذائية، إن زيادة الأسعار أثرت على الجميع، مشيرا إلى أن السوق يشهد عدم استقرار وركود، حيث قفزت أسعار السكر إلى 280 جنيها بدلا من 230 جنيها للجوال زنة 10 كيلوغرامات، كما قفزت أسعار عبوة الزيت زنة 36 لترا إلى 820 جنيها.

إلى ذلك أعلنت وزارة المالية السودانية عن موافقة دولة صديقة على تقديم تمويل وقروض سلعية في القمح والمواد البترولية، دون تسمية تلك الدولة.

وأعلن وزير الدولة بوزارة المالية، عبد الرحمن ضرار، عن اتجاه الحكومة لدعم الدقيق، للحد من ارتفاع سعر الخبز، بعد أن تضاعفت أسعاره بنسبة مائة في المائة منذ الشهر الماضي.
وذكر ضرار، في تصريحات صحافية يوم الأحد الماضي، أن مؤسسة الرئاسة تخطط لإدخال العملات التركية والإثيوبية لتخفيف الضغط على الدولار.

كما كشف عن إجراءات حكومية تقشفية جديدة لترشيد استخدامات النقد الأجنبي بإيقاف شراء العربات الجديدة ومنع السفر الخارجي للمسؤولين إلا عند الضرورة، وتخفيض البعثات الدبلوماسية وتقليل الإنفاق عليها.

ويقول بدر الدين الجلال، الأمين العام لاتحاد المخابز، إنه لا يوجد تأثيرات لزيادة السعر التأشيري للدولار على موقف إمداد المطاحن من الدقيق، مشيرا إلى أن انسياب الدقيق للمخابز بصورة طبيعية حيث توزع 45 ألف جوال يومياً لتغطية احتياجات الخرطوم من الخبز، نافيا وجود أزمة أو فجوة في الدقيق.

واتسعت دائرة الملاحقات السودانية للمضاربين في العملة مؤخرا، لتشمل تجاراً خارج البلاد، جرى اتهامهم بالإضرار بالاقتصاد الوطني وغسل الأموال، في تطور جديد بعد أن اقتصرت دائرة التضييق على تجار العملة عبر الحلول الأمنية، على السوق الداخلية خلال الفترة الماضية.

وتوعد الرئيس عمر البشير، في تصريحات، يوم الأربعاء الماضي، بتعامل أجهزة الدولة بشدة وصرامة مع تجار العملة وملاحقتهم خارج البلاد، وإعادتهم للسودان، ومحاكمتهم بتهمة الإرهاب وتخريب الاقتصاد.

ومنع بنك السودان قبل أيام نحو 130 شركة من التعاملات النقدية، فيما فصل موظفين كبارا في بعض البنوك، بعد أن اتهمهم بتجاوزات مصرفية كبيرة، كما أوقف أحد البنوك عن التعامل في مجال الصادر لذات السبب.

المساهمون