نصر يؤكد للمواكن الأميركي أن الحروب التجارية التي خاضها ترامب ضد شركاء أميركا التجاريين قد أتت أكلها وعادت بالنفع على الاقتصاد والمصدرين والمزارعين الأميركيين، وأن تهديداته بكبح جماح الاقتصاد الصيني، المنافس الأقوى والأول للاقتصاد الأميركي، قد نجحت، وأن الرسوم والعقوبات التي فرضها على روسيا وإيران وتركيا وغيرها لن تهدد الاقتصاد العالمي، بل جاءت كلها في صالح الاقتصاد والمواطن الأميركي.
ويحتاج ترامب كذلك إلى نجاح قوي يدعم شعار حملته الانتخابية "أميركا أولا" الذي رفعه في عام 2016، نجاح ينفي عنه تهمة تسبب سياساته التجارية والحمائية في احداث فوضى في الاقتصاد العالمي وأسواق المال والعملات والتجارة الدولية.
ترامب يواجه مشاكل داخلية كبيرة منها ما هو سياسي ويتعلق بمحاولة أعدائه السياسيين عزله من منصبه أو التدخل الروسي في الانتخابات، ومنها ما هو اقتصادي مثل تفاقم أزمة الدين العام الذي تجاوز 23 تريليون دولار، ومنها ما يتعلق بالأزمات الأخيرة التي يعاني منها الاقتصاد وسوق المال وبورصات وول ستريت، خاصة الركود الذي بات يهدد الاقتصاد.
ولذا، فالرئيس الأميركي في حاجة إلى نصر اقتصادي "كبير" يفوق في تأثيره تأثيرات قتل القوات الأميركية الخاصة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، وهذا النصر ربما يكون عبر إبرام اتفاق تاريخي ينهي الحرب التجارية المستعرة مع الصين منذ شهور طويلة والتي أثرت سلبا، ليس فقط على أكبر اقتصادين في العالم، بل على الاقتصاد العالمي بالكامل المهدد بالدخول في نفق مظلم، وربما أزمة قد تفوق في حدتها الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ومن هنا لاحظنا انخفاضا في تهديدات ترامب لبكين خلال الأيام الأخيرة، والعمل على خفض منسوب التوتر التجاري الأميركي الصيني، وإعطاء انطباعا بوجود انفراجة في الأزمة بين بكين وواشنطن وحلحلة في المواقف، وكذا تهدئة ترامب مع الشركاء التجاريين الأوروبيين.
وحرصا على التهدئة من الطرفين، أرسلت إدارة ترامب إشارات مؤخرا بتراجعها عن مواقفها المتشددة تجاه الصين، ولذا قد نشهد تطورات مهمة في الفترة المقبلة تتعلق بالمفاوضات الجارية بشأن الحرب التجارية منها مثلا إسقاط الولايات المتحدة الرسوم المفروضة على سلع صينية والبالغ قيمتها 112 مليار دولار كانت قد فرضتها إدارة ترامب في ذروة التوترات التجارية بينهما.
وإن حدث هذا التطور فإن هذا يعد نصرا صينيا حيث إن بكين تشددت في هذا الطلب خلال المفاوضات، بل عن الحكومة الصينية تضغط للحصول على مزيد من الوعود الأميركية لإلغاء كل الرسوم الأميركية المفروضة على السلع الصينية منذ بدء الخلاف التجاري والبالغ قيمتها 360 مليار دولار.
المعركة ليست سهلة بالنسبة لترامب الذي لن ينجح في انتزاع كل ما يريد من الصين التي من المتوقع أن تتشدد أكثر في مواقفها خلال المفاوضات الجارية لإدراكها حاجة الرئيس الأميركي إلى هذا النصر المعنوي الممثل في إنهاء الحرب التجارية المستعرة وابرام صفقة تجارية طويلة الأجل، حتى يستفيد من هذا النصر في المعركة الانتخابية الرئاسية المقبلة.
ولذا لن تمنح بكين ترامب شيكا على بياض لأنها تدرك أن رقبته في يديها، وربما هذا قد يعرقل إبرام الاتفاق التجاري لبعض الوقت، لكن في النهاية سيتم توقيعه لأنه في مصلحة الطرفين، بل وفي صالح الاقتصاد العالمي.