فيتش تتوقع تراجعاً حاداً في مالية دول المنطقة

24 مايو 2020
تفشي كورونا فاقم من الأوضاع المالية للمنطقة (فرانس برس)
+ الخط -
مع تزايد انكشاف التأثيرات الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كوفيد 19، وقرارات الإغلاق الهادفة للحد من انتشاره، كما صدمة انهيار أسعار النفط والغاز العالمية، توقعت وكالة فيتش، إحدى أهم وكالات التصنيف الائتماني والأبحاث والتحليلات في العالم، حدوث تراجع حاد في النظرة المستقبلية لمالية أغلب اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الإيرادات في العديد من القطاعات الهامة في تلك البلدان.

وأكدت الوكالة، في تقريرها الأخير، أن "صدمة الجائحة ضربت المنطقة في وقت كانت العديد من بلدانها تعاني من تراجع ماليتها العامة"، بفعل انخفاض الطلب على الطاقة على مستوى العالم، كما سعي تلك البلدان إلى ضخ استثمارات حكومية كبيرة لإصلاح اقتصاداتها وتنويعها.

وقالت الوكالة إن تقديراتها تشير إلى ارتفاع متوسط نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في بلدان المنطقة إلى 60% في 2019، بعد أن كانت 36% في 2013.

وبينما قدرت الوكالة عودة الاقتصاد في أغلب البلدان للنمو الإيجابي العام القادم، ومن ثم انخفاض عجز ميزانياتها، إلا أنها أكدت توقعها استمراره عند مستويات مرتفعة في العديد من بلدان المنطقة، وهو ما سيؤدي، بحسب الوكالة، إلى ارتفاع مديونية تلك الدول خلال العام الحالي والقادم. 

وأشارت الوكالة إلى أن "الدول القليلة التي ستنخفض فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي العام القادم، ستواجه صعوبات في الوصول إلى التمويل، وهو ما يضع حداً على إمكانية مراكمة الدين فيها".


ومع تدهور المالية العامة في العديد من بلدان المنطقة خلال الفترة الماضية، حتى من قبل ظهور الفيروس فيها، أعلنت وكالة فيتش تخفيض التصنيف الائتماني لعشر دول منها منذ بداية العام الحالي 2020، ورفعت عدد الدول التي تحتفظ بنظرة سلبية لتصنيفها المستقبلي، مقارنة بعددها في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، أو صدمة انخفاض أسعار النفط في 2014، لتصبح ثمان من أصل ثلاث وثلاثين دولة يشملها تقييم الوكالة، الأمر الذي يعني وجود احتمالات لزيادة عدد الدول التي يتم تخفيض تصنيفها الائتماني خلال الفترة القادمة.

ووفقاً لشبكة بلومبيرغ، فقد أطاحت الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط الصين من على رأس قائمة أكبر الاقتصادات الناشئة المصدرة للسندات الدولية خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، بعد أن باعت قطر والسعودية والإمارات مجتمعة ما قيمته 25 مليار دولار من السندات الدولية، بينما لم تتجاوز إصدارات الصينيين 4.6 مليارات دولار خلال نفس الشهر.

واستمرت قيادة دول الشرق الأوسط للأسواق الناشئة خلال شهر مايو / أيار الحالي، حيث أصدرت الإمارات العربية المتحدة سندات دولية بقيمة 7.5 مليارات دولار، وباعت مصر ما قيمته 5 مليارات دولار منها، بخلاف ما يتم اقتراضه باتفاقات ثنائية بعيداً عن إصدار السندات. وكانت آخر مرة تراجعت فيها الصين للمركز الثاني في إصدار السندات الدولية في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016، حين استلمت السعودية منها الراية، عقب إصدارها ما قيمته 17.5 مليار دولار من تلك السندات.

ومع إشارة أغلب التحليلات إلى أن أثر الجائحة على ماليات دول الخليج العربي ما زال في مراحله الأولى، لا يبدو أن إصدارت تلك الدول من السندات ستتوقف أو تتراجع قريباً.

ويرى جهاد أزعور، وزير المالية اللبناني الأسبق ومدير إدارة منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا بصندوق النقد الدولي، أن أزمة تلك الدول لم تبدأ بعد بشكل جدي، مضيفاً أنه "بدلاً من السحب من مدخراتها التي تم تكوينها على مدار سنوات، لجأت دول الخليج، التي يتمتع أغلبها بتصنيفات ائتمانية جيدة، إلى إصدار ديون بمليارات الدولارات، وكلما طالت الأزمة، زادت الحاجة، وزاد الإغراء".

وعلى الرغم من استمرار احتفاظ العديد من بلدان المنطقة، وتحديداً دول الخليج العربي، بأرصدة ضخمة في صناديقها السيادية، إلا أن ارتفاع مديونية تلك الدول، كما يعكسه تكالبها على إصدار السندات، والسحب من الصناديق، لسد عجز الميزانيات التي بُني توازن أغلبها على أسعار للنفط تصل إلى أكثر من ضعف مستواها الحالي، يؤكد اضطرار تلك البلدان لمزيد من الاقتراض لو استمرت أسعار النفط، كما تشير أغلب الترجيحات، عند مستوياتها المنخفضة الحالية.


وبالإضافة إلى ضغط المالية العامة وانخفاض أسعار الطاقة على صناديق الثروة السيادية لتلك الدول، تعاني تلك الصناديق من انخفاض قيمة أصولها بعد التراجعات الكبيرة في أسعار الأسهم حول العالم منذ بداية أزمة الفيروس. 

وقدر خافيير كابابي، مستشار الأمم المتحدة والأستاذ المتخصص بالثروات السيادية بجامعة آي إي الإسبانية، خسائر الصناديق السيادية الخمسة عشر الأكبر في العالم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والمسؤولة عن حوالي 80% من عمليات تلك الصناديق حول العالم، بما يقرب من 62 مليار دولار من الخسائر الورقية على أكبر حصص تملكها في الشركات المتداولة في البورصات.

وأكدت تقارير موثوق بها أن تدخل البنوك المركزية حول العالم، وعلى رأسها بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي، وضعت حداً لخسائر تلك الصناديق.

المساهمون