أوردت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في تقرير لها اليوم الخميس، أن خطة الخصخصة السعودية بأسرها أصبحت في دائرة التباطؤ، وأن تعثّر رؤية ولي العهد محمد بن سلمان ليس محصوراً فقط بتعليق الطرح الأولي لشركة "أرامكو" في الأسواق العالمية، فيما تُنذر برامج الخصخصة بتداعيات سياسية لمخالفتها العقد الاجتماعي القائم أصلاً على التوظيف في القطاع العام.
وتشير الوكالة إلى أن برنامج الخصخصة هو جزء من رؤية ولي العهد محمد بن سلمان (2030) للتحوّل الاقتصادي، بما تتضمّنه من تصوّر لبيع حُصص في الموانئ والسكك الحديدية والمرافق والمطارات، علماً أن سعر برميل النفط كان يقل عن 40 دولاراً عندما أعلنت الرياض هذه الخطة قبل 3 أعوام تقريباً.
ومع ارتفاع سعر البرميل اليوم إلى ضعفَي ما كان عليه في ذلك الحين، لاحظت الوكالة أن الخصخصة بدت أقل إلحاحاً، رغم أن صندوق النقد الدولي أوصى في يوليو/تموز الماضي بتسريع خطاها، معتبرة أن تعليق الطرح الأولي لشركة "أرامكو" في أغسطس/آب الماضي كان من أكثر الدلالات على أن المسؤولين السعوديين قد أبطأوا اندفاعتهم في هذا الاتجاه.
ويلاحظ رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة "لايتهاوس" للأبحاث في دبي، جان بول بيغات، أنه "لا يمكن إنكار أن برنامج الخصخصة السعودي يتأخر عن المواعيد التي كانت مبرمجة له في البداية".
صفقة المطار غير المنجزة
ومن بين الصفقات المقترحة التي لم تُنجز بعد، خُطط بيع حُصة في مطار الملك خالد الدولي، فيما تشير "بلومبيرغ" إلى أن الخطة "مُعلقة" بحسب شخصين على اطلاع بمجريات الأمور، فيما لم تستجب الهيئة العامة للطيران المدني يوم الأربعاء لطلب تعليق أرسلته الوكالة إليها بالبريد الإلكتروني.
كما لم يُنجز بعد بيع محطة الطاقة في "رأس الخير" بقيمة 7.2 مليارات دولار، بحسب الوكالة ذاتها، علماً أن السعودية كلفت مصرف "بي.إن.بي باريبا" BNP Paribas الفرنسي بتقديم المشورة بشأن هذه الصفقة في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وفي حين أن التأخير قد لا يلحق أضراراً بالاقتصاد السعودي في المدى القصير، إلا أن الوكالة تعتقد أنه يثير تساؤلات حول مدى جدية التزام الحكومة بالإصلاح، وما إذا كانت الأهداف التي رسمتها واقعية أصلاً.
فبالإضافة إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية، كان يُنظر إلى بيع أصول الدولة كخطوة حاسمة للحد من الدور المهيمن للدولة، في اقتصاد لطالما اعتمد منذ زمن بعيد على الإنفاق العام من أجل استحداث فرص العمل وتعزيز معدلات النمو.
تعقيدات تعترض الانفتاح
في السياق، تطرقت "بلومبيرغ" إلى طرح شركة "أرامكو" النفطية المعلق، ونقلت عن تقرير صادر عن وكالة "موديز" مطلع هذا الشهر، أن تأجيل اكتتاب الشركة العملاقة إنما يعكس تعقيدات تواجه الحكومة في فتح القطاع العام، الأمر الذي يشير إلى أن تقدّم استراتيجية الخصخصة سيكون تدريجياً.
وتنقل الوكالة الأميركية عن البروفسور المساعد في كلية لندن للاقتصاد، ستيفن هيرتوغ، قوله إن التقدّم تباطأ بسبب ضخامة حجم البرنامج، إلى جانب وجود ثغرات في الإطار القانوني، والنقص في هيكليات الشركات، والافتقار إلى ميزانيات منفصلة أو نماذج إيرادات واضحة.
وينتهي هيرتوغ إلى الاعتقاد بأن "الخصخصة في السعودية قد أصبحت أكثر تعقيداً انطلاقاً من حقيقة أن حقوق الموظفين السعوديين الحاليين ستحتاج إلى الحماية، وأن هناك غالباً مقايضات بين الكفاءة والأرباح والمعايير الاجتماعية"، منبّهاً إلى أن "التوظيف في القطاع العام هو حجر أساس في العقد الاجتماعي السعودي، وسيكون من الصعب سياسياً أن تباشر الكيانات المخصخصة فجأة بالتخلص من العمال".