البنك الفيدرالي يرضخ لترامب أم للأسواق؟

20 يوليو 2019
صراع متواصل بين ترامب وباول (درو أنغرر/ Getty)
+ الخط -
بعد تلميح جيرومي باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، الأسبوع الماضي إلى خفض معدلات الفائدة على الدولار، عادت الثقة إلى سوق الأسهم الأميركية، وشهد المؤشران الأهم فيها مستوياتٍ قياسية، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة إذا ما كانت تلك الأحداث تمثل رضوخاً من البنك الأكثر استقلالية على مستوى العالم لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أم أنها استجابة مطلوبة لإملاءات الأسواق. 

وفي شهادته نصف السنوية أمام الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي، أكد باول أن مجلس إدارة البنك مستعد لتخفيض معدلات الفائدة على أمواله، لحماية الاقتصاد الأميركي والعالمي من الركود، "على الرغم من قوة نمو التوظيف في الشركات الأميركية في يونيو / حزيران المنتهي، وبعيداً عن الهدنة الحالية التي تشهدها الحروب التجارية بين الاقتصادات الكبرى حول العالم، في أعقاب اجتماعات مجموعة العشرين في أوساكا باليابان".

وأشار باول إلى أن العديد من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية FOMC رأوا في اجتماعهم الأخير منتصف الشهر الماضي أن هناك ضرورة لاتباع سياسات نقدية "أكثر تكيفاً" مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، مؤكداً "وضوح تأثير عدم التيقن، الناجم عن النزاعات التجارية، والقلق من ضعف الاقتصاد العالمي، على النظرة المستقبلية للاقتصاد الأميركي".

وظهر باول، المعروف بهدوئه الشديد، متوتراً بصورة واضحة على غير العادة، وهو يتلقى أسئلة المشرعين، بعد إدلائه بشهادته، رغم بساطة الأسئلة التي وُجهت إليه، كونها جلسة روتينية، غير مرتبطة بأي حدث طارئ.

وأرجع المحللون توتره إلى ما بدا أنه "ضغوط تعرض لها وأرغمته على الاستجابة بالتحرك نحو تخفيض معدلات الفائدة"، وهو الأمر الذي نفاه باول مراراً. واعتبر مركز الأبحاث الشهير كابيتال ايكونوميكس أن شهادة باول أمام الكونغرس "تركت الانطباع بأن البنك الفيدرالي وضع نفسه في مأزق، بعد أن عكست الأسواق بصورة كاملة تخفيض معدلات الفائدة في اجتماعات نهاية الشهر الحالي بخمسٍ وعشرين نقطة أساس".

وفي أكثر من مناسبة، طالب ترامب البنك الفيدرالي بتخفيض معدلات الفائدة على الدولار الأميركي، من أجل دفع الاقتصاد لتحقيق معدلات نمو أعلى. وامتدح ترامب البنك المركزي الصيني الذي خفض معدلات الفائدة المحلية، وتمنى أن تكون لديه "النوعية نفسها من رؤساء البنوك المركزية"، كما أوضح مراراً أن أكبر مشكلة تواجهه في الوقت الحالي هي البنك الفيدرالي!

ورداً على سؤال من رئيس الجلسة عن رد فعله لو تلقى مكالمة من ترامب تطلب منه ترك البنك، قال باول بمنتهى الوضوح إنه سيرفض التنفيذ، مؤكداً أن القانون يمنحه الحق في البقاء بمنصبه لمدة أربع سنوات على الأقل، وهو ما سيتمسك به.

واستقبلت أسواق الأسهم الأميركية شهادة باول بترحيب شديد، حيث سجل مؤشر داو جونز الصناعي مستوى قياسياً بتجاوزه 27,000 نقطة لأول مرة في تاريخه، وتخطى مؤشر اس آند بي 500 مستوى 3,000 نقطة العنيد لأول مرة أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن كلا المستويين القياسيين تم تحقيقهما بعد شهادة باول، التي أكد فيها استعداد البنك لإجراء تخفيض "وقائي" لمعدلات الفائدة.

وفي نفس الوقت، ارتفع مؤشر ناسداك، الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا، بعد كلمات باول، ليسجل مستوى قياسياً جديداً بعدها بأيامٍ معدودة، رغم ما تعانيه حالياً شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة.

وجاءت تطمينات باول للأسواق لتبعث برسالة واضحة، لأغلب المستثمرين، بأن تخفيض معدلات الفائدة ربما يتم في اجتماعات البنك القادمة يومي 30 و31 يوليو/ تموز، بعد أن كانت التوقعات خلال الأسابيع الماضية تشير إلى إجراء البنك تخفيضين قبل نهاية العام، اعتباراً من اجتماعات سبتمبر/ أيلول، بعد الاستبعاد التام لتوقعات رفع معدلات الفائدة.

وقال بول أشوارث، كبير الاقتصاديين بمركز الأبحاث كابيتال ايكونوميكس، في مذكرة لعملائه بعد شهادة باول، إن أسواق العقود المستقبلية، التي تعكس تخفيضاً لا يتجاوز مائة نقطة أساس حتى نهاية عام 2020، إنما تفترض أن الاقتصاد الأميركي لن يواجه إلا تباطؤاً مؤقتاً.

وأضاف: "لكن لو ثبت خطأ هذا التوقع، وشهد الاقتصاد الأميركي ركوداً على نطاقٍ واسع، سيخفض البنك الفيدرالي معدلات الفائدة إلى ما يقرب من صفر في المائة، ثم يبدأ في استخدام أدوات التيسير الكمي المتاحة لديه".

وفي مقالٍ لمجلس تحرير جريدة فاينانشيال تايمز، وضح محمد العريان، الاقتصادي المصري الأميركي الشهير، أن "البنك الفيدرالي قد يكون محقاً في توجهه، لو كان الاقتصاد العالمي في طريقه للتباطؤ، لحماية الاقتصاد الأميركي من الآثار السلبية الناتجة من سياسات ترامب التجارية السيئة، وقد يكون مخطئاً، لو استمر الاقتصاد الأميركي في التمدد، حيث سيكون تخفيض الفائدة بمثابة سكب للوقود على النار، دون وجود أسباب كافية".

ورغم تأكيد المقال أن انخفاض معدل التضخم يعطي مساحة للبنك الفيدرالي لتخفيض معدلات الفائدة، "إلا أن مخاطر ظهور البنك في صورة الخاضع للضغوط السياسية، وإشعال سوق الأصول، كبيرة".
المساهمون