تعهدت مصر بالاستمرار في برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي حصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار، على ثلاث سنوات بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 وتنتهي في يونيو/ حزيران القادم.
ونشر صندوق النقد الدولي أمس السبت، رسالة بعثت بها مصر للصندوق في يناير/ كانون الثاني، في إطار المراجعة الرابعة التي يقوم بها الصندوق لمدى التزام مصر بتعهداتها التي حصلت بموجبها على القرض.
وجاءت هذه الرسالة التي بعث بها وزير المالية محمد معيط ومحافظ البنك المركزي طارق عامر، ضمن تقرير لموظفي صندوق النقد الدولي بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني، ونشر عقب صرف الشريحة الخامسة من ستّ شرائح من القرض في فبراير/ شباط الماضي.
وتضمنت الرسالة أبرز تعهدات الحكومة المصرية للإصلاح الاقتصادي في قطاعات مختلفة أبرزها الوقود والكهرباء.
تحرير سعر الوقود والكهرباء
قالت الرسالة المؤرخة في 27 يناير/ كانون الثاني، إن الحكومة ستلغي الدعم على معظم منتجات الطاقة بحلول 15 يونيو المقبل، مشيرة إلى أن هذا يعني زيادة سعر البنزين والسولار والكيروسين وزيت الوقود، الذي يتراوح حالياً ما بين 85 و90 في المئة من سعره العالمي.
وقالت الرسالة إن الالتزام بتحقيق الاستعادة الكاملة للتكلفة من خلال خفض الدعم، لا يشمل غاز البترول المسال وزيت الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء وفي المخابز.
وقالت الحكومة في رسالتها، إنها بعد بدء ربط بنزين أوكتان 95 الأقل استخداماً بالأسعار العالمية، الذي بدأ في إبريل/ نيسان، ستطبق آليات تسعير مماثلة للمنتجات الأخرى في يونيو، مع توقع أول تعديلات في الأسعار في منتصف سبتمبر/ أيلول.
ووفقاً للرسالة، فإن الحكومة أكدت أنها مستمرة في رفع سعر الوقود، حتى يتم تحريره بالكامل ليكون متوافقاً مع الأسعار العالمية، وقالت إننا "لقد رفعنا أسعار التجزئة للبنزين والديزل بمعدل 53 في المئة في يونيو/ حزيران 2017، وكذلك أسعار غاز البترول المسال، الكيروسين وزيت الوقود بنسبة 100 و55 و40 في المئة على التوالي".
وأضافت أنه "في يونيو 2018، قمنا بزيادة أسعار الوقود من جانب آخر 44 في المئة في المتوسط. نتيجة لذلك، وفقاً لأسعار النفط العالمية الحالية، فإن نسب السعر إلى التكلفة قبل الضرائب هي في نحو 85-90 في المئة للبنزين والديزل والكيروسين وزيت الوقود (باستثناء زيت الوقود المستخدم في الكهرباء الجيل والمخابز). سنبذل زيادات إضافية لتحقيق هدفنا المتمثل في 100 في المئة".
وأشارت إلى أنه "من يونيو فصاعداً ستكون الآلية متماثلة لجميع منتجات الوقود، حيث تهدف الآلية إلى الحفاظ على نسب استرداد التكاليف لمنتجات الوقود وحماية الميزانية من التغيرات غير المتوقعة في سعر الصرف وأسعار النفط العالمية، وسيتم تعديل الأسعار كل ثلاثة أشهر".
وتبلغ أسعار الوقود المتداولة في السوق المصرية حالياً، كالتالي: بنزين أوكتان 80 بسعر 5.50 جنيهات (0.31 دولار)، وبنزين أوكتان 92 بسعر 6.75 جنيهات (0.38 دولار)، وبنزين أوكتان 95 بسعر 7.75 جنيهات (0.44 دولار)، والسولار بسعر 5.50 جنيهات.
وأشارت الحكومة إلى أنها طبقت أيضاً آلية تحوّط، للوقاية من حدوث صدمات في النفط والسلع الأساسية الأخرى، ولكن في مراجعته "نصح (صندوق النقد الدولي) بتوخي الحذر في استخدام الأدوات المالية ذات التكاليف المدفوعة مقدماً، التي تحمي بشكل مؤقت فقط من التحركات الشديدة للأسعار" مشيراً إلى التحوط.
ووفقاً للرسالة، فقد تعهدت الحكومة المصرية أيضاً بمواصلة تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة، حيث إن إصلاح دعم الكهرباء سيستمر كما هو مخطط لتحقيق الإلغاء الكامل بحلول عام 2020/ 2021، مشيرة إلى قرارات رفع رسوم الكهرباء السابقة التي بلغت 30 بالمائة في يوليو/ تموز 2016، و40 بالمائة في يوليو/ تموز 2017، و26 بالمائة في يوليو/ تموز 2018.
وأضافت أنه "نعمل على إعداد خطة لإعادة هيكلة شركة الكهرباء القابضة لتحسين السلامة المالية للشركة، وتمكينها من الدخول في معاملات تجارية دون ضمان حكومي أو الدعم. وسيتم إعلان الخطة بشكل مشترك من قبل وزارتي المالية والكهرباء نهاية مايو/ أيار 2019".
زيادات الإيرادات الضريبية
قالت الحكومة في رسالتها لصندوق النقد الدولي أيضاً، إن "إيرادات الضرائب سترتفع بفضل زيادة تحصيل ضريبة القيمة المضافة، زيادة الضرائب على منتجات التبغ، ومراجعة وزيادة رسوم الدمغة على مختلف التراخيص والخدمات الحكومية، وتنفيذ نظام ضريبي مبسط للشركات الصغيرة والمتوسطة، وإدخال ضريبة قانون تسوية المنازعات، وتوسيع قاعدة ضريبة دخل الشركات".
خفض فاتورة الأجور
ووفقاً لتعهدات الحكومة لصندوق النقد أيضاً، فسوف "تنخفض فاتورة الأجور بنسبة 0.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب سياسة الرواتب الحالية وفرض رقابة مشددة على العلاوات والبدلات وعملية التوظيف، واستمرار تحديث إطار العمل العام بما يتماشى مع قانون الخدمة المدنية الجديد الذي أقره البرلمان في أغسطس/ آب 2016".
الدين المستهدف
اقترضت مصر بكثافة من الخارج منذ بدء برنامج القرض التابع لصندوق النقد الدولي. وقالت الحكومة في خطابها لصندوق النقد، إنها تعتزم خفض دينها العام المتوقع من 86 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية يونيو المقبل إلى 72 بالمئة بحلول يونيو عام 2023، بينما سجل الدين 93 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو عام 2018.
كما أعلنت الحكومة أيضاً التزامها بسداد كامل المتأخرات على الهيئة العامة للبترول الحكومية، بحلول نهاية يونيو من العام الحالي، البالغة 1.043 مليار دولار حتى نهاية عام 2018.
وقالت مصر إنها قلصت قدرة الحكومة على الاقتراض من البنك المركزي، عبر حساب سحب على المكشوف قيمته 66 مليار جنيه مصري (3.82 مليارات دولار) في السنة المالية 2018-2019، يساوي عشرة بالمئة من إيرادات الأعوام الثلاثة السابقة، في محاولة لإدارة السيولة وخفض التضخم. لكن الحكومة قالت إنها ستستمر في "تمويل العجز من مصادر خارجية ومحلية".
تقليل الإقراض الاجتماعي
وقالت الرسالة، إن البنك المركزي سيلغي تدريجياً الإقراض المدعوم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وبرامج الإسكان الاجتماعي، وبدلاً من ذلك سيجري تمويل تلك البرامج مباشرة من ميزانية الدولة.
التوسع في الخصخصة
وقالت الحكومة في رسالتها أيضاً، إنها "تعتزم تقديم حصص الأقلية في عدة شركات الطاقة المملوكة للدولة للمستثمرين، كجزء من برنامج الاكتتاب على نطاق أوسع للحكومة"، وأضافت أنه "من المتوقع جمع نحو 80 مليار جنيه مصري من بيع حصص، فيما لا يقل عن 23 شركة مملوكة للدولة خلال مدة تتراوح بين 24 و30 شهراً بدأت في إبريل/ نيسان عام 2018".
ووفقاً للرسالة ذاتها، فإن "برنامج الخمس سنوات المعلن لجذب الاستثمارات الخاصة في المؤسسات العامة، يعدّ جزءاً من أجندة الحكومة لتقليص دور الدولة في الاقتصاد وإطلاق العنان لإمكانات القطاع الخاص".
وبحسب الرسالة، فقد تم طرح خمس شركات حكومية منذ بدء البرنامج، وتستهدف طرح أربع شركات أخرى في عام 2019"، كما يتم في هذا الإطار وضع آلية جديدة لتخصيص الأراضي ونشر تقرير عن جميع المشروعات المملوكة للدولة.
تحرير سوق الصرف
وتعهد البنك المركزي، بشكل عام، بعدم التدخل بين البنوك وسوق العملات الأجنبية، مشيراً في الرسالة إلى أنه "سوف يستمر في توفير العملات الأجنبية للحكومة لخدمة الديون الخارجية، في حين أن المؤسسات العامة ستواصل تلبية حاجاتها من العملات الأجنبية في السوق".
كما أن البنك المركزي "سيكون جاهزاً للقيام ببيع أو شراء العملات الأجنبية في حالات استثنائية".
هيكلة بنك الاستثمار القومي
أكدت الحكومة في رسالتها لصندوق النقد الدولي، أنها تخطط لإعادة هيكلة بنك الاستثمار القومي، إذ ستقوم بإنشاء لجنة تضم ممثلين عن وزارات التخطيط، والمالية والبنك المركزي لمراجعة عملياته وإعادة هيكلته.
تأسس بنك الاستثمار القومى سنة 1980، بغرض تمويل كافة المشروعات المدرجة بالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق الإسهام في رؤوس أموال تلك المشروعات أو عن طريق مدّها بالقروض أو غير ذلك من الوسائل، ومتابعة تنفيذ تلك المشروعات.
والبنك وفقاً لموقعه الرسمي، هو إحدى الأذرع الاقتصادية والاستثمارية الهامة للدولة، لتنفيذ خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقام البنك منذ تأسيسه وحتى الآن بأكبر عملية لاستخدام المدخرات المحلية (مثل أموال التأمينات وغيرها)، في تمويل إنشاء وتنفيذ المشروعات الحكومية.
تقييم الصندوق
وقال صندوق النقد الدولي في مراجعته، إن برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر "يمضي في مساره بشكل عام"، مضيفاً أن "التقدم في الإصلاحات الهيكلية متفاوت، لكن أهداف البرنامج لا تزال تتحقق".
وقال إن "ثمة حاجة لجهود مستدامة لدفع الإصلاحات الحيوية في المنافسة، وتخصيص الأراضي لأغراض صناعية والشفافية وإدارة الشركات المملوكة للدولة والمشتريات الحكومية".
وذكر الصندوق أن سوء الأوضاع المالية العالمية في الآونة الأخيرة، أدى لتدهور ميزان المخاطر، إذ أصبحت مصر عرضة للتأثر بأيّ زيادة غير متوقعة في أسعار النفط.
وقال التقرير إن "الدعوات لقروض تضمنها الدولة، التي كانت تستخدمها كيانات حكومية على نحو متزايد لتمويل مشروعات بنية تحتية كبيرة، أو غيرها من الديون المشروطة، قد تفرض أيضاً ضغوطاً على الدين العام". ولم يذكر صندوق النقد الدولي سبب تأخر نشر مراجعته.
وبدأ برنامج القروض في 2016، وهو مرتبط بإصلاحات تضمنت خفضاً حادّاً في قيمة الجنيه المصري وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. وساعد ذلك على استقرار الاقتصاد المصري، ولكنه أدى أيضاً إلى تعرض ملايين المصريين لضغوط اقتصادية متزايدة. وازدادت أسعار الوقود بشكل مطّرد خلال السنوات الثلاث الماضية.