هل تحرّر تونس صناعة الألبان من الاحتكار؟

22 يونيو 2018
تنعم تونس باكتفاء ذاتي يعفيها من الاستيراد (Getty)
+ الخط -

كل الأطراف المرتبطة بمنظومة قطاع الألبان في تونس، من مربّي الماشية ومراكز تجميع الألبان والمصنّعين، تصرّ على ضرورة تحرير القطاع نهائياً ودخول مرحلة جديد تكون فيها للقطاع الخاص السلطة العليا في تقرير مستوى الأسعار. 

وتطالب كل من منظمة الفلاحين وغرفة مصنعي الألبان بتحرير القطاع وتفويض سياسة التصرف في مخزونات الحليب للمصنّعين وتحرير القطاع كلياً، لاعتبار أن قانون السوق لم يعد يسمح للدولة بوضع يدها على منظومات الإنتاج.

وبانتظار التحرير الشامل للقطاع، تترقب الأسواق التونسية بداية من الأسبوع القادم زيادة في أسعار الحليب لن تقل عن 200 مليم، وفقاً لتأكيد عضو منظمة المزراعين المكلف بالإنتاج الحيواني والألبان، يحيى مسعود.

في حديث لـ"العربي الجديد"، قال مسعود إن الزيادة المرتقبة هي بمثابة المسكن لآلام منظومة الألبان المهدّدة بالتلاشي نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج وسعر الأعلاف، ما تسبب بفقدان جزء من قطيع الأبقار المدرّة للحليب وخسائر كبيرة للمربّين.
عضو منظمة المزارعين أضاف أن المفاوضين توصّلوا إلى اتفاق مبدئي على زيادة الأسعار عند الإنتاج تشمل المربّين والمجمّعين، مشيراً إلى أن هذا التعديل في الكلفة ستترتب عليه زيادة في السعر النهائي للمستهلك لا تقل عن 200 مليم.

مسعود أكد أن قطاع المواشي المخصّصة لإنتاج الحليب مهدّد بسبب ارتفاع كلفة الأعلاف وظاهرة تهريب الأبقار نحو بلدان مجاورة، معتبراً أن ضعف المردودية المادية لتربية المواشي يدفع أصحابها إلى التفريط بها لصالح المهرّبين، وهو ما يمثل خسارة مضاعفة للاقتصاد التونسي.

وتمثل منظومة الألبان حلقة مهمة في القطاع الزراعي التونسي، حيث يشغل القطاع نحو 150 ألف عامل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فضلاً عن تحقيق الإنتاج المحلي للاكتفاء الذاتي للسوق التونسية منذ سنة 2000.

تولي تونس منظومة الألبان اهتماماً كبيراً منذ سنوات بعدما تمكنت من تحقيق اكتفائها الذاتي وتصدير فوائض الإنتاج نحو ليبيا، الأمر الذي شجّع المستثمرين في هذا المجال على فتح وحدات تصنيع جديدة في العديد من المحافظات.

وبحسب تقارير رسمية، يبلغ عمر التجربة التونسية في قطاع الألبان أكثر من 20 سنة، وتميّزت بآلية تقوم على توفير احتياجات السوق المحلية بحدود 50 مليون لتر سنوياً، وتصدير 12 مليون لتر من فوائض الإنتاج، فضلاً عن تجفيف نحو 26 مليون لتر، وفق أرقام المجمع المهني المشترك للحوم والألبان (مؤسسة حكومية) لسنة 2016.
كما تكشف بيانات رسمية عن أن ما لا يقل عن 112 ألف فلاح منتج للحليب يرعون قطيعا يضـم 450 ألف رأس ماشية، وينتجون حوالي مليار و400 مليون لتر، حسب الأرقام المسجلة سنة 2017. ويُشغّل القطاع حوالي 150 ألف شخص، بحجم مبيعات سنوي ما بين 1500 و2000 مليون دينار، أي ما بين 600 مليون و800 مليون دولار.

ويعتبر عضو الغرفة النقابية لصناعة الحليب ومشتقاته، علي الكلايبي، أن الزيادة في الأسعار كمرحلة أولى ثم تحرير الأسعار بداية من العام القادم أمر ضروري، كاشفا في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن قدرة القطاع على اكتساح أسواق تصديرية جديدة في حال تحقيق التوازن المالي لمختلف الجهات المرتبطة بهذه المنظومة.

الكلايبي أضاف أن البلدان الرائدة في تصنيع الألبان حرّرت قطاعاتها في وقت مبكر، معتبراً أن الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين مسؤولية مشتركة، مشيراً إلى أن الحكومة مطالبة بالزيادة في قيمة المنح المخصصة للعائلات الفقيرة ومحدودة الدخل.

في السياق ذاته، قال الكلايبي إن القطاع يعاني من عدة مشكلات أخرى، على غرار تهريب الأبقار إلى الجزائر، وانخفاض عدد القطيع 5% تعادل 12 ألفاً و500 بقرة، معتبراً أن اجتماع هذه العوامل تسبّب بتدهور إنتاجية الحليب ومشتقاته.

عضو غرفة المصنعين أفاد أيضاً بأن الكلفة الحقيقية للتر الحليب المعلب تبلغ 1300 مليم، تعادل 52 سنتاً أميركياً، في حين تُباع بسعر 1120 مليماً، لأن الدولة تتكفل بدفع الفارق المقدّر بـ170 مليماً للمصنّعين، داعياً إلى زيادة سعر بيع الحليب من 1300 مليم إلى 1500.

دراسة تونسية - فرنسية نُشرت سنة 2017، كانت قد كشفت عن وجود عقبات تواجه قطاع الألبان التونسي أمام التوسّع في التصدير إلى الأسواق الأجنبية، وأبرزها ضعف الجودة الذي يعود إلى ظروف نقل الألبان وتخزينها على مستوى مناطق الإنتاج، ما يؤثر سلباً عليها قبل وصولها إلى وحدات التصنيع.
المخطط الحكومي في هذا المجال يقوم على تحسين المواصفات التونسية للحليب طبقاً للمؤشرات المرجعية لجودة الحليب بأحواض إنتاج الألبان، من خلال إنجاز مشروع تأهيل الضيعات (المناطق) المنتجة للحليب، والمتمثل في تركيز التبريد على مستوى الضيعة، ودعم مراكز التجميع المنخرطة في هذا البرنامج بمنحة خصوصيّة.

الدراسة المشتركة أوصت بإعداد مخطط عمل يرمي إلى التطوير الفني والاقتصادي لقطاع الألبان، وشدّدت على ضرورة إرساء شبكة من الأطباء البيطريين والفنيين من قبل ديوان تربية الماشية التابع لوزارة الزراعة، يكون دوره الاعتناء بجوانب الغذاء والنظافة وتعقيم الماشية، إلى جانب التدريب على استعمال وصيانة تجهيزات التبريد، ومعالجتها والالتزام بسلسلة التبريد بهدف تحسين جودة الحليب.

ويعاني مربّو المواشي ومنتجو الحليب في تونس من تذبذب وتيرة الإنتاج نتيجة الظروف الصعبة التي يعانيها قطاع تربية الماشية، لا سيما على مستوى التغذية غير المتوازنة، بسبب محدودية التزويد بالأعلاف وما ينتج عنها من مشكلات عضوية.

وبسبب ضعف جودة الحليب الذي يجمعه المزارعون، ترفض وحدات التصنيع في أحيان كثيرة كميات كبيرة من الألبان تُسكب في الأودية والطرقات، في ظل محدودية طاقة تخزين فائض الإنتاج، وفرض الحكومة قيوداً كبيرة على التصدير، خوفاً من اضطراب التزويد في السوق المحلية.

وفي تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، وصف المسؤول في المجمع المهني للحوم الحمراء والألبان، كمال الرجايبي، منظومة الألبان بأنها "هشة" لعدم اكتمال تأهيل حلقات الإنتاج، مشيراً إلى أن البلدان التي تمكنت من تطوير هذه المنظومة قامت بتأهيل كل حلقات الإنتاج، بداية من تربية الماشية وصولاً إلى التخزين والتبريد ثم التصنيع، فيما لا تزال هذه الحلقات في تونس تشكو قصوراً.

يبقى أن غياب التمويلات الكافية لتحسين جودة الإنتاج لا يسمح لتونس بتجاوز المستوى الحالي في تطوير منظومة الألبان، وفقاً لقول الرجايبي.
دلالات
المساهمون