يشهد قطاع غزة انتشاراً ملحوظاً للتجمعات التجارية (المولات) بالرغم من ضعف الحالة الشرائية وزيادة الركود وشح السيولة النقدية المتوفرة في أيدي أكثر من مليوني مواطن فلسطيني نتيجة للحصار الإسرائيلي المشدد والظروف السياسية.
وخلال السنوات الأخيرة اتجه الكثير من أصحاب رؤوس الأموال في القطاع نحو تأسيس مثل هذه المشاريع باعتبارها الأكثر أماناً مقارنة بالقطاعات الإنتاجية والصناعية.
وتقوم هذه التجمعات التجارية الضخمة (وفق مقاييس سكان غزة المحاصرين) ببيع معظم السلع سواء الاستهلاكية أو الغذائية عبر أقسام تخصصية موجودة بداخلها، غير أنها لم تشغل سوى أعداد قليلة من العاملين، وساهمت في إغلاق مشاريع أخرى صغيرة بطرق مباشرة وغير مباشرة.
ويركز القائمون عليها في طرح عروض وتنزيلات بأسعار مغرية أملاً في جذب أكبر قدر ممكن من السيولة النقدية الشحيحة المتوفرة في أيدي المواطنين والمستهلكين، غير أن هذه المشاريع تجتذب بصورة أكبر الفئات العليا وما تبقى من الفئة المتوسطة.
ووفقاً لمختصين فإن هذه المشاريع تقضي على تجار التجزئة المتوسطة والصغيرة من أصحاب المحلات، حيث أصبح المواطن يتجه إلى هذه المولات ليشتري كل شيء من مكان واحد وبعروض أكثر تنوعاً وأسعار أقل في بعض الأحيان.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي، أسامة نوفل، إن هذه المشاريع والتجمعات الكبيرة لاقت رواجاً بعد نجاح أحد المشاريع في غزة، ودفعت بأصحاب رؤوس الأموال لمحاولة تقليد الفكرة والإضافة عليها بحيث تقدم جودة وخدمات أخرى.
وهذه المشاريع ورغم ما تقدمه من خدمات، إلا أنها تندرج في إطار رأس المال "الجبان" وجدواها الاقتصادية محدودة للغاية على المشهد في القطاع، وفق حديث نوفل لـ"العربي الجديد".
وإلى جانب حالة الانتشار لهذه المشاريع في القطاع فإن غالبيتها يقدم أجوراً متدنية للعاملين فيها والتي لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، وسط غياب للدور الحكومي الرقابي لضبط هذه الظاهرة.
ووفقاً لنوفل فإن لمثل هذه المشاريع إيجابيتها، إلا أن هناك إطاراً من السلبية انعكس بصورةٍ أو بأخرى على المشاريع الصغيرة، بالإضافة لما جرى من انهيارات لمثل هذه المشاريع نتيجة الركود الاقتصادي.
ويتركز تواجد الكثير من المولات الكبرى في مدينة غزة، وباتت تتوسع تدريجياً خارج المدينة إلى مناطق أخرى بالقطاع.
ووفقاً لتقديرات اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة فإن نحو 5 آلاف منشأة اقتصادية في مختلف القطاعات، أغلقت أبوابها بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثالث عشر على التوالي.
أما الخبير الاقتصادي، رائد حلس، فيقول لـ "العربي الجديد" إن مدى تأثير مثل هذه المشاريع على المشهد الاقتصادي طفيف للغاية مقارنة بالمشاريع الصناعية والإنتاجية، نظراً لقلة الأيدي العاملة والمردود العائد منها.
ويرى حلس أن هذه المشاريع رغم تقديمها للمستهلكين معظم السلع في مكان واحد غير أنها ساهمت في القضاء على المشاريع الصغيرة وهو انعكاس سلبي، إلى جانب عدم التزام الكثيرين منهم بدفع الحد الأدنى للأجور للعاملين لديهم.
وفي القطاع يبلغ متوسط الأجور المدفوع في الكثير من القطاعات 731 شيكلاً إسرائيلياً (الدولار نحو 3.6 شيكل) وهو أدنى من الحد الأدنى للأجور الرسمي الذي يبلغ 1450 شيكلاً، حيث تشير بعض التقديرات الاقتصادية إلى أن 80% من العاملين في القطاع الخاص يتقاضون أدنى من الحد الأدنى.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن حجم الأموال المستثمرة في مثل هذه المشاريع لو جرى توجيهها نحو قطاعات إنتاجية سيكون لها أثر أفضل وجدوى اقتصادية أعمق وأوسع نتيجة لعائد الإنتاج والأيدي العاملة التي ستشغلها.