حالة من ركود غير مسبوق تعيشها سوق السيارات المستعملة في الجزائر، بسبب تناقص العرض والطلب معا منذ بداية الأحداث قبل شهرين في هذا البلد.
وتعد سوق السيارات أكثر الأسواق حيوية في البلاد، ما دفع العديد من العاملين بالقطاع إلى إطلاق تحذيرات حول الآثار السلبية التي ستلحق بالشركات في حال استمرار حالة الركود لفترات طويلة.
في سوق "تيجلابين" الأسبوعي الشهير في الضاحية الشرقية للعاصمة، لاحظت "العربي الجديد"، في جولة لها، أن حركة المشترين منعدمة، في حين اقتصر العرض على 4 سيارات فقط، في سوق تتسع لأكثر من ألفي سيارة وسط غياب المشترين.
أمام سيارة من علامة فرنسية سنة 2018، يقف صاحبها (عمر)، في انتظار اقتراب أي مشتر، إلا أن ذلك لم يحدث.
يكشف عمر لـ"العربي الجديد"، أنه "ذهب إلى السوق مبكراً، ودفع ثمن الدخول المقدّر بألف دينار (8.50 دولارات)، لكن منذ الافتتاح في الساعة السابعة صباحا لم يقترب منه مواطن واحد".
ويضيف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أنه دخل السوق لبيع سيارته للأسبوع الرابع، "والملاحظ أن حجم الإقبال يتراجع من أسبوع إلى آخر، رغم أن بعض الذين يتوافدون إلى السوق الآن من قناصي الفرص والسماسرة".
ويعزو المتعاملون بأسواق السيارات المستعملة الركود الذي ضرب القطاع إلى الحالة السياسية والاقتصادية التي تمر بها الجزائر في الأسابيع الأخيرة، وكانت لها تداعيات سلبية كبيرة على الطلب.
إلى الشرق من الجزائر العاصمة، في سوق "القليعة"، ثانية أكبر أسواق السيارات، لا يبدو الحال أكثر عافية من "تيجلابين"، إذ يخيم ركود تام على الساحة التي تعرض فيها السيارات.
ويقول حمزة أسعدان، وهو بائع سيارات مستعملة، إنه "لم تمر حالة من الركود مثيلة لهذه المرة منذ العشرية السوداء (أي سنوات الحرب الأهلية)، ولا يتعدى المعروض 10 سيارات، أما المشتري فلا أثر له".
وحول تأثير ركود أسواق السيارات المستعملة على الأسعار، يقول المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، إن "الأسعار تراجعت لتراوح بين 100 ألف دينار (840 دولارا)، و300 ألف دينار (2600 دولار).
وتعتبر سوق السيارات المستعملة ملاذ الجزائريين الطامحين في الحصول على سيارة بأسعار معقولة في ظل ارتفاع أسعار المركبات الجديدة المجمعة محليا، إذ يتعدى سعر أرخص سيارة عتبة مليون وأربع مئة ألف دينار (13 ألف دولار).
وإلى ذلك، يقول أحد المواطنين الموجودين في سوق "القليعة"، إن "الأسعار لا تعكس حالة السوق رغم نقص الطلب، إلا أن البائعين، خاصة من يحترف مهنة بيع وشراء السيارات، لا يريدون تخفيض الأسعار خوفا من الخسارة".
ويضيف المواطن الجزائري الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنه جاء للسوق من باب التعرف على معدلات الأسعار ويؤجل شراء سيارة خوفا من انهيار الأسعار مستقبلا، قائلاً: "أود أن أحتفظ بالأموال نقدا تحسباً لأي مفاجآت في ظل استمرار الأحداث السياسية".
وتشير بيانات الديوان الجزائري للإحصائيات لسنة 2016، إلى أن عدد السيارات في الجزائر يبلغ نحو 5.9 ملايين سيارة، منها 1.9 مليون سيارة متداولة في السوق المستعملة.
وحسب أكرم خلف الله، الخبير في سوق السيارات، فإن "ركود سوق السيارات المستعملة يعود أساسا للأحداث الجارية في الجزائر، إذ كانت الأمور تسير بوتيرة عادية، رغم بداية الحديث عن رئاسيات إبريل/ نيسان الملغاة، إلا أن تطور الأحداث أربك السوق".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "المواطنين يخشون وضع أموالهم في سيارة، ويريدون الاحتفاظ بها نقدا لإنفاقها وقت الحاجة. كثير من الناس لا يثقون في البنوك وسحبوا أموالهم منها، ولا يعقل أن يضعوها في سيارة أو ينفقوها في أي مشروع آخر في ظل اضطراب الأوضاع".
وتابع خلف الله: "ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بدأ مطلع 2016، مع بداية تطبيق ما يعرف بنظام رخص الاستيراد، الذي وضع سقف ما يتم استيراده سنويا بـ82 ألف سيارة، ومن المستبعد أن تنخفض الأسعار أكثر".
وقال :" السؤال لا يزال يطرح في الجزائر، هل ترفض الحكومة تنظيم سوق السيارات المستعملة من خلال غلق الأسواق العشوائية وفتح نقاط بيع معتمدة، أم أنها عجزت وهزمها المضاربون؟".
وأضاف :" رغم أن الحكومة رفعت الحظر عن استيراد السلع والخدمات، إلا أنها رفضت تحرير استيراد السيارات الجديدة والمستعملة، بهدف حماية مصانع تجميع السيارات المعتمدة في البلاد.
ويعمل في الجزائر خمسة مصانع هي رينو الفرنسية وهيونداي وكيا الكوريتين الجنوبيتين وفولكسفاغن الألمانية وسوزوكي اليابانية.