كيف تعرقل خلافات واشنطن وموسكو استراتيجية الغاز الأوروبي؟

31 يناير 2018
مسؤولون أوروبيون يدرسون مشروع "نورد ستريم" (Getty)
+ الخط -
تثير أنابيب نقل الغاز الروسي إلى قارة أوروبا العديد من الخلافات داخل دولها، فبينما تفضل الشركات الأوروبية وبعض الدول مواصلة التوسع في استخدام الغاز الروسي، لأسباب اقتصادية بحتة، من بينها رخص كلفة استيراد الغاز الروسي واستدامة الإمدادات، لأن روسيا تملك أكبر احتياطات عالمية من الغاز الطبيعي. وترى دول حليفة لواشنطن ضرورة تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، فيما ترى دول أخرى أن ضمان أمن الطاقة في أوروبا يجب أن يخضع للمصلحة البحتة دون اعتبارات سياسية. 

وحسب تقارير أميركية، يلعب هذا الخلاف الأوروبي الداخلي وتوترالعلاقات بين موسكو وواشنطن، دوراً كبيراً في تحديد الجهة التي يتم استيراد الغاز منها، دون النظر إلى الجدوى الاقتصادية.
وأكبر مثال على ذلك، نلحظ أن أوكرانيا ظلت تشتري الغاز الروسي بضعف ثمنه لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة من الشركات البولندية والألمانية، في أعقاب احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو نفس الغاز الذي كانت تستورده مباشرة من روسيا.

وخلال شتاء العام الماضي أغلقت بعض المدارس في أوكرانيا بسبب عدم وجود أموال كافية لدى الحكومة الأوكرانية لشراء الغاز، وذلك حسب نشرة "أويل برايس" الأميركية.
أما المثال الثاني فهو عرقلة الحظر الأميركي لمشروع "نوردستريم الثاني" أو "السيل الشمالي الثاني"، مستغلة واشنطن في ذلك العداء المستحكم بين جمهوريات البلطيق وبولندا لروسيا.
ويبدو صحيحاً، أن أوروبا ترغب في تنويع مصادر إمداداتها من الغاز وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي الذي تصدره لها شركة غاز بروم، وهو أمر مشروع. حيث أن موسكو تستخدم امدادات الغاز في لحظات  الضرورة لابتزاز القرار الأوروبي.

لكن في المقابل، فإن واشنطن تضخم كثيراً من التأثير الروسي على القرار الأوروبي.وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أعرب في مؤتمر صحفي عقد في وارسو بعد لقائه رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافيتسكي، عن تأييد بلاده لموقف بولندا المعارض للمشروع "السيل الشمالي 2". وقال "إنه يهدد أمن واستقرار الطاقة في أوروبا، إذ روسيا يمكن أن تستخدم الطاقة  كأداة سياسية".
في هذا الصدد أشار محللون لنشرة "أويل برايس"، إلى أن السياسة، وليست الجدوى الاقتصادية، هي التي تحدد مشاريع أنابيب الغاز الجديدة المخطط لها لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي. ويرون أن الصراع السياسي بين واشنطن وموسكو ينعكس بشكل سلبي على استراتيجية أمن الطاقة الأوروبي.
وحتى الآن نجحت الضغوط السياسية الأميركية وحلفائها في الاتحاد الأوروبي في اغتيال عدد من مشاريع الغاز الناجحة في تلبية احتياجات دول القارة الأوروبية من حيث الجدوى الاقتصادية، في وقت تنتعش فيه منطقة اليورو اقتصادياً وترتفع فيها احتياجات الغاز الطبيعي كمصدر نظيف في توليد الطاقة والتدفئة. 
ويلاحظ أن الأرقام الأخيرة التي نشرتها شركة غاز بروم الروسية، أشارت إلى أنها صدّرت كميات قياسية من الغاز إلى أوروبا في العام الماضي، وأن صادراتها سترتفع بنسبة 6% خلال العام الجاري.

ومن بين المشاريع التي عرقلتها "غازبروم" الروسية مشروع "نوردستريم 2 أو السيل الشمالي الثاني"، الذي حولته روسيا بسرعة إلى تركيا، وهو المشروع الذي أطلق عليه اسم "تركيش ستريم" أو "السيل التركي".
وحسب الخطة التي اتفقت عليها "غازبروم" مع تركيا، فإن الخط سيجمع الغاز في تركيا ثم ينقل بعد ذلك إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر خط ثانوي يصل تركيا بالشواطئ اليونانية.
ومن المتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى من المشروع خلال العام الجاري، حيث تبلغ طاقة الأنبوب الأولى 16.75 مليار متر مكعب.

ومن المتوقع، حسب التصريحات التركية، أن يستخدم هذا الغاز في تلبية الاحتياجات التركية المتنامية من الغاز الطبيعي، ويصدر لاحقاً في مرحلته الثانية إلى أوروبا، ولكن يلاحظ أن دول الاتحاد الأوروبي لم توقع بعد على الموافقة لتصدير الغاز الروسي عبر تركيا.
وكمثال آخر على تقاطع السياسة وخلافات واشنطن مع موسكو وأضرارها بمصالح الغاز الأوروبي وأمن الإمدادات، مشروع نقل الغاز من حقل تنجيز في أذربيجان إلى أوروبا، وهو مشروع لبناء خطوط أنابيب تحت بحر قزوين إلى أوروبا، يبلغ طولها 4 آلاف كيلومتر.

وقدرت كلفة هذا المشروع بحوالى 41 مليار دولار، ولكنها قفزت حاليا، حسب تقرير مصرفي أميركي، إلى 45 مليار دولار. وتنقل خطوط أنابيب المشروع كميات من الغاز الطبيعي تراوح بين 60 مليارا إلى 120 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

لكن وحسب نشرة "أويل برايس"، فإن المشروع تعوزه الجدوى الاقتصادية، لكن واشنطن تدعم بقوة المشروع المفترض أن تكتمل المرحلة الأولى منه في العام المقبل، كما أنه يمثل حبل إنقاذ لشركة "بريتش بتروليوم" التي تملك حقل تنجيز، حيث أنها كانت في ورطة ولا تدري كيف ستصدر الغاز الذي تنتجه من الحقل.
وحيرى خبراء في صناعة الغاز أن مستقبل أمن الغاز الأوروبي سيكون مضموناً أكثر عبر تبني دول الاتحاد الأوروبي لأنابيب غاز "تركيش ستريم" ومشروع " أنابيب نورد ستريم الثاني" معاً، ذلك لأن احتياجات أوروبا للغاز الطبيعي سترتفع بمعدلات كبيرة، في وقت تتجه فيه روسيا لتصدير الغاز أكثر إلى الصين ودول آسيا.
وكانت روسيا قد وقعت في وقت سابق اتفاقات قدرت بحوالى 400 مليار دولار لتصدير الغاز إلى الصين.

وعرقلت واشنطن في يونيو/ حزيران الماضي، مشروع أنبوب نقل الغاز "نورد ستريم الثاني"، عبر عقوبات ضد روسيا تطاول بنى تحتية أساسية لأوروبا، من بينها مشاريع الغاز الطبيعي والنفط.
واستغلت واشنطن معارضة دول البلطيق وبولندا في إفشال المشروع، حيث ترى الحكومة البولندية وحكومات دول البلطيق، أن "نورد ستريم 2" سيزيد من اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على "غازبروم" الروسية التي تمد القارة فعلياً بثلث احتياجاتها من الغاز، بينما يرى مؤيدون على رأسهم ألمانيا أن المشروع فرصة للحصول على إمدادات غاز بأقل تكلفة.


المساهمون