غير أن مسؤولين في الحكومة وبرلمانيين يؤكدون أن العام المقبل يحل على العراق بلا موازنة، وستُدفَع المرتبات ونفقات الطوارئ الأخرى من خلال نظام الطوارئ الذي يتيح ذلك، على أن يسترد البنك المركزي العراقي قيمة ما أنفق من مجمل الموازنة بعد إقرارها.
ووفقاً لمصادر حكومية رفيعة في بغداد، فإن مجمل الموازنة التي أعدتها الحكومة للعام المقبل تراوح ما بين 140 إلى 145 ترليون دينار عراقي "ما يعادل نحو 135 مليار دولار"، وبعجز متوقع يبلغ نحو 40 ترليون دينار، (نحو 32 مليار دولار)، وهو الرقم المتحصل بعد تخفيض العجز الإجمالي المتوقع سابقاً، وهو 72 ترليون دينار، وذلك من خلال إلغاء نفقات ومشاريع غير ضرورية.
وقال مسؤول عراقي رفيع في حكومة تصريف الأعمال لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى إذا ما جرى ضغط النفقات وتعظيم موارد وفرض رسوم وإلغاء مشاريع، ومع دخول قانون التقاعد الجديد حيز التنفيذ، فإن العجز لا يمكن أن يكون أقل من 40 ترليون دينار"، مؤكداً أن الموازنة العامة التي توجد مسودتها في مجلس الوزراء منذ شهرين تتجاوز قيمتها 140 ترليون دينار، والوارد العام للدولة يعتمد على النفط بنحو 93 بالمائة.
وأضاف المسؤول أن حكومة عبد المهدي أدخلت القوى السياسية في البرلمان بمشكلة وحرج كبيرين، فإن ألغت الوظائف ستكون بمواجهة الشارع، وإن تركتها فإن هذا يعني أن هناك مليارات الدولارات أضيفت إلى الموازنة بلا داعٍ أو دون مقابل إنتاجي، وكان من الأفضل بناء مصانع أو إعادة الحياة إلى مصانع وزجّ الشباب فيها، أفضل من حشرهم بوزارات فائضة أصلاً بالموظفين، كاشفاً عن أن كتلاً سياسية أيضاً لا تريد تمرير الموازنة الآن، للمشاكل الضخمة فيها التي سببتها حكومة عبد المهدي خلال العام الذي حكمت فيه.
وقال رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي هيثم الجبوري لـ"العربي الجديد"، إن "قيمة العجز قد تصل إلى 48 ترليون دينار، وليس 40 ترليوناً، ويمكن تقليصها من خلال إلغاء عدة أبواب بالموازنة، لكن ليس للحد الذي يعتبر مقبولاً في أي دولة نفطية مثل العراق.
وأضاف الجبوري: "حقيقةً، لا نملك غطاءً كافياً لتمويل العجز، وهذه هي المشكلة الرئيسية لعدم إرسال الحكومة للموازنة"، واصفاً العجز بأنه "واقعي ولا نستطيع تمويله بأي طريقه من الطرق إذا لم نفكر في مصادر تمويل أخرى غير النفط، ويمكن القول إنه انتحار اقتصادي إذا مررت بهذا العجز دون أن نبحث عن طريقة لسد العجز".
وكشف الجبوري عن أن اللجنة المالية في البرلمان ستعتمد التعديل في قانون الإدارة المالية المطروح الآن في البرلمان، حيث إن الهدف منه تداول المبالغ المتوافرة في المحافظات والوزارات من خلال مواردها، حتى يبقى تقديم الخدمات متوافراً، حتى وإن لم تقرّ الموازنة لهذا العام.
في المقابل، قال البرلمان العراقي، فرات التميمي، إن الموازنة العامة الجديدة ستمضي مع تشكيل الحكومة المقبلة وليس الحالية، مبيّناً أن الصرف والنفقات بالدولة ستبدأ من الأول من الشهر المقبل على نظام الاقتراض لحين تمرير الموازنة، سواء المرتبات أو النفقات الضرورية الأخرى كالمشاريع وغيرها.
فيما رجحت النائبة إخلاص الدليمي تأجيل الحديث بالموازنة الاتحادية للدولة العراقية ككل إلى ما بعد العطلة التشريعية للبرلمان التي تبدأ في الرابع من الشهر المقبل وتنتهي بعد شهر، مؤكدة أن الموازنة ما زالت تراوح مكانها في أروقة البرلمان.
من جانبه، قال عضو اللجنة المصغرة داخل اللجنة المالية في البرلمان العراقي والمختصة في إعداد مشروع قانون الموازنة فيصل العيساوي، إن "بإمكان حكومة تصريف الأعمال اليومية إرسال قانون الموازنة العامة إلى مجلس النواب، كما فعلت عندما أرسلت تعديل قانون التقاعد الموحد أخيراً"، مؤكداً أن "القرار السابق في مجلس الوزراء سيخولها بإرسال الموازنة للبرلمان الآن".
ويضيف، في تصريحات نقلتها صحيفة يومية عراقية، يوم الخميس الماضي، أن "قانون الموازنة موجود في مجلس الوزراء الذي تلكأ كثيراً في رفعه إلى مجلس النواب وعدم تمكنه من معالجة الفرق الكبير بين الإيرادات والنفقات"، مؤكداً أن "مجلس الوزراء اتخذ قراراً قبل استقالة الحكومة بإرسال الموازنة إلى البرلمان".
من جانبه، قال الخبير المالي العراقي سعيد الحبوبي، إن "الموازنة العامة الجديدة تحتاج إلى إعادة بناء وصياغة مجدداً، فهي كتبت وأُعدت بمجاملات سياسية بين رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لإقليم كردستان، وبين مجاملات لعدة محافظات ومدن، بهدف إسكات التظاهرات بها، وأخرى وظائف غير مسبوقة لا تحتاجها الدولة أثقلت كاهل الموازنة".
وتابع في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "إن إعادة صياغة الموازنة مجدداً، ومراجعة قرارات حكومة عبد المهدي الأخيرة، من شأنه إعادة ضبط الأوضاع المالية للبلاد، وإلا فسيكون العراق بمواجهة سيناريو عجز غير مسبوق".
وختم بالقول: "حسناً فعل البرلمان في إصدار قرار يمنع الحكومة من الاقتراض الخارجي، لكونه سيكون خطأً كبيراً سيبقى عبئاً على الأجيال المقبلة لعشرات السنين، فهناك عشرات المليارات الأخرى بذمة العراق يجب سدادها بفوائد تصل إلى ملياري دولار وأكثر في العام الواحد".