يزيد اكتساح الشركات الأجنبية للمناقصات الحكومية في تونس من مخاوف المستثمرين والمؤسسات المحلية، التي باتت تشكو من منافسة كبيرة يهدد بإقصائها من عروض المناقصات العامة التي تطرحها الدولة. وانتقدت شركات الأشغال العامة والتزويد، تزايد الإقبال الأجنبي على المناقصات، في غياب تشريع واضح يحدد نسبة المشاركة، ويحفظ نصيب المؤسسات التونسية من السوق المحلية.
وتخشى المؤسسات المتضررة من المنافسة الأجنبية، فقداناً تدريجياً لحصتها في السوق، ما قد يتفاقم مع توقيع اتفاق التبادل التجاري الحر "الأليكا" مع الاتحاد الأوروبي، وفتح الأبواب على مصرعيها أمام القطاع الخدماتي الأجنبي.
والمناقصات الحكومية هي من أهم روافد التنمية، نظراً لتأثيرها المباشر على الاستثمار والتشغيل، إضافة إلى كونها تشكل الوسيلة المثلى لتدخل الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وتكتسب المناقصات الحكومية أهميتها، نتيجة ارتفاع حجم النفقات التي تخصصها الدولة للقيام بمشاريعها الاستثمارية العامة، إذ يذهب ما بين 13 في المائة و17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات الاستثمارية، وهو ما يمثل تقريباً 40 في المائة من الميزانية العامة للدولة.
زيادة غير مسبوقة
وحذر رئيس الجامعة الوطنية لمؤسسات البناء والأشغال العمومية، جمال القصيبي، من زيادة غير مسبوقة لمشاركة المؤسسات الأجنبية في المناقصات العامة في تونس، مشيراً إلى أن حصة المؤسسات غير التونسية تفوق الـ30 في المائة من المشاركين، بينما المعدلات الدولية التي تتبعها غالبية الدول، تتشدد في حصر هذه المشاركة في حدود الـ4 في المائة.
اقــرأ أيضاً
وقال إن تفكك أجهزة مراقبة المناقصات الحكومية في الإدارات والجهاز الحكومي ساهم في هذه التجاوزات، مؤكداً أن فقدان المؤسسات المحلية حصتها في المناقصات الحكومية بمختلف أشكالها يؤدي بديهياً إلى نقص في نسب النمو، وإلى تقليص لحظوظ الشركات التونسية في الصمود، وقدرتها على خلق الثروة وفرص العمل للمواطنين.
وأضاف القصيبي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قطاع الشراءات والصفقات العمومية يمثّل ما قيمته 17 في المائة من الناتج المحلي، وهو قطاع يهمّ كل المجالات الاقتصادية.
واعتبر القصيبي أنّ هدف الأليكا من دخول السوق التونسية كان الحصول على 4 في المائة فقط من قيمة الصفقات العمومية، والآن أصبحت بنسبة 33 في المائة وهو رقم مخيف، حسب تعبيره، لأنّ هذا يساهم في الدفع بالصفقات إلى الأجانب وهو ما يعني خروج العملة الصعبة من تونس، وتضاؤل مخزونات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
الواقع القانوني
ويمنح قانون المناقصات الحكومية الأولية، المؤسسات المحلية فرصة المشاركة والفوز بالصفقات، كما يفرض القانون التونسي للصفقات، تخصيص المشتري العمومي سنوياً للمؤسسات الصغرى نسبة 20 في المائة من القيمة التقديرية لصفقات الأشغال، والتزود بموادّ وخدمات وكذلك الدراسات.
اقــرأ أيضاً
كما يمنع القانون تضمين دفاتر الشروط الخاصة أحكاماً من شأنها استبعاد أو إقصاء المؤسسات التونسية من المشاركة في الطلبات العمومية. وفي إطار تحفيز المنتج الوطني، يمنح هامش تفضيل للمنتجات التونسية المنشأ، التي يتم اقتناؤها في إطار صفقات التزود بالموادّ والسلع.
في المقابل، أكدت مراقبة المناقصات في جهاز الرقابة الحكومي بسمة الغزي، أن القانون التونسي يمنح ضمن شروط المناقصات امتيازات لصالح المؤسسات التونسية بهدف ضمان حصتها.
وقالت لـ"العربي الجديد"، إن تنقيح المناقصات الحكومية ألغى عام 2014 التحديد المسبق لنسبة مشاركة المؤسسات الأجنبية في المشاريع العامة التي تطرحها الدولة، غير أنه تشدد في شروط هذه المشاركة، سواء المباشرة منها أو عن طريق المناولة أو الشراكة مع المؤسسات المحلية، كما منح المؤسسات التونسية تفاضلية السعر.
ووفق بيانات رسمية، تتوزع المناقصات الحكومية إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي: الصفقات الخاصة بالأشغال وتمثل 37 في المائة من مجموع المناقصات، و53 في المائة خاصة بالخدمات والتزود، و10 في المائة خاصة بالدراسات.
أما من حيث مبالغ الصفقات، فتحتل صفقات الأشغال المرتبة الأولى بنسبة 52 في المائة، وصفقات التزود بخدمات وموادّ 46 في المائة، وصفقات القيام بدراسات لفائدة المشترين العموميين 2 في المائة.
ولا تزال المناقصات الحكومية بالرغم من كل التحصينات التشريعية التي قامت بها الحكومة التونسية، محل تشكيك وانتقاد من قبل المساهمين فيها، بسبب ما يشوبها من تعقيدات أدت إلى تفشي الفساد وعزوف الشركات الكبرى عن المشاركة فيها، وسط شكاوى من الضعف الرقابي.
تأخير سداد المستحقات
وينتقد مستثمرون تونسيون ومنظمات الأعمال المناقصات الحكومية، مؤكدين أن طول إجراءات سداد مستحقات الشركات التي تنجز المشاريع الحكومية، أدى إلى إفلاس العديد منها ودخول أخرى في صعوبات مالية مرهقة.
اقــرأ أيضاً
وحذّر رئيس كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" طارق الشريف، في تصريح سابق من تداعيات تأخير سداد مستحقات الشركات الحاصلة على صفقات حكومية، مؤكداً أن طول إجراءات السداد التي تصل إلى أكثر من سنتين أحياناً ستؤدي إلى إفلاسها واضمحلالها.
وأشار الشريف إلى أن طول إجراءات سداد المستحقات يساعد على تفشي الفساد في المرافق العمومية، مؤكداً أن الشركات تضطر لدفع رشى وعمولات للحصول على مستحقاتها، في غياب أي مقاييس وآجال واضحة للسداد.
ورغم الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الصفقات العمومية، تسعى الحكومة إلى الرفع من حجم المؤسسات المتوسطة والصغرى في المناقصات العمومية، معتبرة أن اقتصار المشاركة على المؤسسات الكبرى لا يساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية بالقدر الكافي، ولا يمنح المؤسسات الصغرى والمتوسطة فرصة الاستفادة من المناقصات.
وتصف الحكومة مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغرى بالضعيفة جداً مقارنة بدول أوروبية عديدة، حيث تصل النسبة في فرنسا وإيطاليا مثلاً إلى 80 في المائة، مؤكدة مواصلتها جملة الإصلاحات التي تحدّ من حجم الفساد في هذا المجال.
اقــرأ أيضاً
وحذر البنك الدولي في تقارير سابقة من أن حجم الفساد يظل مصدر قلق كبير في تونس، فيما تتابع جمعيات معنية بالشفافية المالية ومقاومة الفساد بقلق ارتفاع منسوب الفساد بعد الثورة، وخاصة داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
في المقابل، خفضت منظمة الشفافية الدولية ترتيب تونس في مؤشر الفساد لعام 2018، فجاءت في المركز 73 من بين 180 دولة مسجلة ارتفاعاً بنقطة واحدة عن العام 2017.
وتخشى المؤسسات المتضررة من المنافسة الأجنبية، فقداناً تدريجياً لحصتها في السوق، ما قد يتفاقم مع توقيع اتفاق التبادل التجاري الحر "الأليكا" مع الاتحاد الأوروبي، وفتح الأبواب على مصرعيها أمام القطاع الخدماتي الأجنبي.
والمناقصات الحكومية هي من أهم روافد التنمية، نظراً لتأثيرها المباشر على الاستثمار والتشغيل، إضافة إلى كونها تشكل الوسيلة المثلى لتدخل الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وتكتسب المناقصات الحكومية أهميتها، نتيجة ارتفاع حجم النفقات التي تخصصها الدولة للقيام بمشاريعها الاستثمارية العامة، إذ يذهب ما بين 13 في المائة و17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات الاستثمارية، وهو ما يمثل تقريباً 40 في المائة من الميزانية العامة للدولة.
زيادة غير مسبوقة
وحذر رئيس الجامعة الوطنية لمؤسسات البناء والأشغال العمومية، جمال القصيبي، من زيادة غير مسبوقة لمشاركة المؤسسات الأجنبية في المناقصات العامة في تونس، مشيراً إلى أن حصة المؤسسات غير التونسية تفوق الـ30 في المائة من المشاركين، بينما المعدلات الدولية التي تتبعها غالبية الدول، تتشدد في حصر هذه المشاركة في حدود الـ4 في المائة.
وأضاف القصيبي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قطاع الشراءات والصفقات العمومية يمثّل ما قيمته 17 في المائة من الناتج المحلي، وهو قطاع يهمّ كل المجالات الاقتصادية.
واعتبر القصيبي أنّ هدف الأليكا من دخول السوق التونسية كان الحصول على 4 في المائة فقط من قيمة الصفقات العمومية، والآن أصبحت بنسبة 33 في المائة وهو رقم مخيف، حسب تعبيره، لأنّ هذا يساهم في الدفع بالصفقات إلى الأجانب وهو ما يعني خروج العملة الصعبة من تونس، وتضاؤل مخزونات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
الواقع القانوني
ويمنح قانون المناقصات الحكومية الأولية، المؤسسات المحلية فرصة المشاركة والفوز بالصفقات، كما يفرض القانون التونسي للصفقات، تخصيص المشتري العمومي سنوياً للمؤسسات الصغرى نسبة 20 في المائة من القيمة التقديرية لصفقات الأشغال، والتزود بموادّ وخدمات وكذلك الدراسات.
في المقابل، أكدت مراقبة المناقصات في جهاز الرقابة الحكومي بسمة الغزي، أن القانون التونسي يمنح ضمن شروط المناقصات امتيازات لصالح المؤسسات التونسية بهدف ضمان حصتها.
وقالت لـ"العربي الجديد"، إن تنقيح المناقصات الحكومية ألغى عام 2014 التحديد المسبق لنسبة مشاركة المؤسسات الأجنبية في المشاريع العامة التي تطرحها الدولة، غير أنه تشدد في شروط هذه المشاركة، سواء المباشرة منها أو عن طريق المناولة أو الشراكة مع المؤسسات المحلية، كما منح المؤسسات التونسية تفاضلية السعر.
ووفق بيانات رسمية، تتوزع المناقصات الحكومية إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي: الصفقات الخاصة بالأشغال وتمثل 37 في المائة من مجموع المناقصات، و53 في المائة خاصة بالخدمات والتزود، و10 في المائة خاصة بالدراسات.
أما من حيث مبالغ الصفقات، فتحتل صفقات الأشغال المرتبة الأولى بنسبة 52 في المائة، وصفقات التزود بخدمات وموادّ 46 في المائة، وصفقات القيام بدراسات لفائدة المشترين العموميين 2 في المائة.
ولا تزال المناقصات الحكومية بالرغم من كل التحصينات التشريعية التي قامت بها الحكومة التونسية، محل تشكيك وانتقاد من قبل المساهمين فيها، بسبب ما يشوبها من تعقيدات أدت إلى تفشي الفساد وعزوف الشركات الكبرى عن المشاركة فيها، وسط شكاوى من الضعف الرقابي.
تأخير سداد المستحقات
وينتقد مستثمرون تونسيون ومنظمات الأعمال المناقصات الحكومية، مؤكدين أن طول إجراءات سداد مستحقات الشركات التي تنجز المشاريع الحكومية، أدى إلى إفلاس العديد منها ودخول أخرى في صعوبات مالية مرهقة.
وأشار الشريف إلى أن طول إجراءات سداد المستحقات يساعد على تفشي الفساد في المرافق العمومية، مؤكداً أن الشركات تضطر لدفع رشى وعمولات للحصول على مستحقاتها، في غياب أي مقاييس وآجال واضحة للسداد.
ورغم الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الصفقات العمومية، تسعى الحكومة إلى الرفع من حجم المؤسسات المتوسطة والصغرى في المناقصات العمومية، معتبرة أن اقتصار المشاركة على المؤسسات الكبرى لا يساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية بالقدر الكافي، ولا يمنح المؤسسات الصغرى والمتوسطة فرصة الاستفادة من المناقصات.
وتصف الحكومة مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغرى بالضعيفة جداً مقارنة بدول أوروبية عديدة، حيث تصل النسبة في فرنسا وإيطاليا مثلاً إلى 80 في المائة، مؤكدة مواصلتها جملة الإصلاحات التي تحدّ من حجم الفساد في هذا المجال.
وحذر البنك الدولي في تقارير سابقة من أن حجم الفساد يظل مصدر قلق كبير في تونس، فيما تتابع جمعيات معنية بالشفافية المالية ومقاومة الفساد بقلق ارتفاع منسوب الفساد بعد الثورة، وخاصة داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
في المقابل، خفضت منظمة الشفافية الدولية ترتيب تونس في مؤشر الفساد لعام 2018، فجاءت في المركز 73 من بين 180 دولة مسجلة ارتفاعاً بنقطة واحدة عن العام 2017.