السودان: قطع الإنترنت يشلّ قطاعات اقتصادية

25 يونيو 2019
قطع الانترنت يزيد مشاكل البنوك وصرف الأموال للمواطنين(فرانس برس)
+ الخط -
 

تواصل قطع الإنترنت في السودان، وسط تصاعد تداعياته السلبية ومخاطره على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، إذ أدى غياب الخدمة إلى شلل في القطاع التجاري وعرقلة العمل في المصارف وتكبّد قطاع الاتصالات خسائر باهظة.

وقطعت خدمة الإنترنت في أنحاء السودان عقب مجزرة فض اعتصام المحتجين في العاصمة الخرطوم، في 3 يونيو/حزيران الحالي.

وترفض السلطات السودانية إعادة الإنترنت رغم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانقطاع، وكان الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، قد وصف في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا، إعادة خدمة الإنترنت في السودان في الوقت الراهن بأنها مهدد أمنى، ولم يشر إلى إمكانية إرجاعها في القريب العاجل.

وأصدرت محكمة في الخرطوم، أول من أمس، تعليمات لشركات الاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت. وقال المحامي عبد العظيم حسن، إنه قدم التماسا ضد انقطاع وسائل الاتصال، وبناء عليه أصدرت المحكمة حكما بإعادتها، لكن السلطات لم تنفّذ الحكم حتى اللحظة.

وفي ظل تزايد الخسائر الاقتصادية، تعتزم شعبة الإلكترونيات السودانية التي تُعنى بخدمات الدفع الإلكتروني والتطبيقات رفع مذكرة عاجلة إلى المجلس العسكري لرفع الحظر على الإنترنت، بجانب مذكرة أخرى ستقدمها شركات الاتصالات للاتحاد الدولي للاتصالات تطالب بالتدخل من أجل حل الأزمة وإعادة الخدمة مرة أخرى.

ورجّحت مصادر مطلعة، في حديثها لـ "العربي الجديد"، رفض الهيئة القومية للاتصالات مقترحات إعادة خدمة الإنترنت في الوقت الحالي. وقالت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إن هناك توجيها من المجلس العسكري بعدم الاستجابة لأي ضغوط محلية أو دولية لإرجاع الإنترنت إلا بعد زوال الأسباب التي أدت إلى قطع الخدمة.

وكشفت تقارير دولية ودراسات حديثة أن استمرار القيود على الإنترنت وانقطاع خدماته سيكلف اقتصاد السودان خسائر باهظة. وقدر البنك الدولي، في تقرير سابق، الخسائر اليومية من إيقاف الإنترنت بـ45 مليون دولار، مؤكدا أن خسائر الشركات والأفراد الذين ترتبط أعمالهم بالإنترنت تخطت 750 مليون دولار.

وقال عضو شعبة الإلكترونيات في السودان، محمد الخير إدريس، إن إيقاف الإنترنت قد يستمر 3 أشهر أخرى، حسب صحيفة "الانتباهة" السودانية، وهو ما يعني مزيدا من الخسائر للقطاعات الاقتصادية.

وتأثرت القطاعات المصرفية والتحويلات الخارجية بأزمة قطع الإنترنت، كما توقفت الحركة التجارية بشكل شبه كامل، إثر تراجع حركة التصدير والاستيراد نتيجة لعدم وجود خدمة إنترنت، ما عرقل عمل المؤسسات والشركات.

وفي هذا السياق، رأى الخبير المصرفي طه حسين، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن النظام المصرفي وأنشطته تأثر بشكل مباشر، كما تعطّلت شركات النقل الخاصة وفقدت كثيرا من إيراداتها خلال الفترة الماضية.

وأضاف حسين: أن الأزمة أحدثت شللا في الحركة التجارية، مشيراً إلى أن شركات التقنية المتعددة توقفت أعمالها كليا.

وحسب الخبير المصرفي، فإن حركة التجارة البينية تأثرت سلبا من الإجراء الأخير، خاصة أن معظمها تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، فقد توقفت حركة البيع في العقارات والأراضي والمعاملات المالية الأخرى، كما تعطلت سياسة بنك السودان المركزي التي تقضي بتفعيل وتغذية الحسابات المصرفية عبر الإنترنت.

وذكر أن الطلب على النقود "كاش" زاد، ما يعنى فشل السياسات المتعلقة بالتحول الإلكتروني عبر البطاقات المصرفية، مضيفاً أن هذا يعنى تعطيل دولاب العمل في الدولة، والرجوع إلى المربع الأول، قبل أن تقر الحكومة إنهاء عهد التعاملات اليدوية الورقية.

وقال لابد من معرفة أن طبيعة حركة الاقتصاد العالمي تغيرت تماما وأصبحت تعتمد على الإنترنت بشكل كبير، لافتا إلى أن قطع الإنترنت في السودان أدى إلى تراجع حاد في مبيعات الشركات، لعدم وصول المعلومة بصورة سريعة وفقدان التواصل مع الشركات والجهات المختصة.

وأوضح حسين أن هناك 12 مليون مستخدم للهاتف النقال في السودان كانت لهم ممارسات تجارية توقفت أنشطتهم من جملة 29 مليون سوداني يستخدمون الهاتف النقال. وتابع: من الطبيعي أن تشكل تلك التحولات ضغطا على شبكة الكوابل الأرضية وإضعافها.

من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الآثار السلبية لانقطاع الإنترنت ليست بالبسيطة ولا يمكن الاستهانة بها، مبينا أن الأمر ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما يشمل معظم الشركات الكبيرة والمؤسسات المالية والحكومية التي يجب أن تضمن تمرير أعمالها عبر شبكة الخطوط اللاسلكية، والقسم الثاني تشمل معاملاته عبر الهواتف النقالة التي توقفت فيها الخدمة تماما.

وأضاف عثمان، أنه في حالة الأولى التي تقدم خدمة رسمية للدولة بما يشمل الخدمات المالية والحكومية تعمل بشكل مستمر، ولكن ليس كما ينبغي نتيجة للضغط على الشبكة. أما في حالة الهاتف النقال والتي تشمل المتحصلين بالولايات والمحليات، فقد أصبحوا غير قادرين على ممارسة أعمالهم، وبالتالي جميع المتحصلين توقفوا عن أعمالهم بشكل شبه كلي، بما في ذلك شرطة المرور التي تواجه ذات المشكلة عدا الجمارك والضرائب.

وقال عثمان إن الخسائر في الإيرادات ليست قليلة، خاصة أن شركات الاتصالات فقط تتكبد شهريا تصل إلى 50 مليون دولار، لأنها تعتمد على خدمات الإنترنت بأكثر من اعتمادها على الاتصالات الهاتفية. وأضاف أن هناك أكثر من 10 ملايين مستخدم لشبكة الإنترنت بالسيارة.

وتابع: إذا لم يستمر قطع الخدمة لشهور أخرى فالأمر مقدور عليه، ويمكن تدارك الخسائر بأقل تكلفة، ولكن إذا طالت فترة الانقطاع فإن ذلك سيكلف الاقتصاد كثيرا.

وشكك عثمان في عودة خدمة الإنترنت، في ظل عدم التوصل إلى توافق سياسي، خاصة إذا كان المجلس العسكري يعتبر عودتها مهددا أمنيا. وقال إن كثيرا من الشركات تقدمت بطلبات لتوصيل خدمات سلكية، ما يعنى أنه ليست هناك بارقة أمل في عودة الخدمة الإنترنت عبر النقال.

وقال الخبير في مجال الاتصالات، أحمد الشيخ، لـ "العربي الجديد"، إنه لأول مرة في تاريخ السودان يتم قطع الإنترنت كليا عن المواطنين، إلى أن تم تخفيف القيود عليه عبر "الكوابل الأرضية والفايبر والألياف الضوئية" لأجل استخدامات السفارات والبنوك والوزارات والطيران.

وأشار الشيخ إلى التأثير السالب على القطاعات الاقتصادية قائلا: "هذا دمار اقتصادي شامل، لقد تأثرت خدمات البنوك وشركات الطيران".

وأضاف: لابد من محاسبة من تسببوا في ذلك، لأن هذه الطريقة ربما تخلق تشوها اقتصاديا يصعب معالجته في القريب العاجل.

وطاولت خسائر انقطاع الإنترنت قطاع السياحة والسفر، إذ تأثرت عمليات التقديم للحج. ومن المقرر أن يؤدي نحو 32 ألف سوداني شعائر الحج هذا العام، حسب تقارير رسمية. ولم يعد أمام الراغبين للتقديم لشعيرة الحج سوى استخدام الرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة أو المكالمات الهاتفية لملء بياناتهم.

وقال مدير إدارة تقنية المعلومات في الإدارة العامة للحج والعمرة، أحمد المبارك: "وضعنا مسارين للتقديم بعد انقطاع خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة". وأضاف "ستكون هناك مراكز ثابتة للتقديم عبر الخطوط الأرضية بولايات السودان، أو من خلال استخدام مجمعات خدمات الجمهور التي تتبع الشرطة في كل المناطق".

ويعاني السودان من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة كانت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع حراك شعبي منذ عدة شهور، أطاح بالرئيس السابق عمر البشير، وما زال متواصلاً.

وفيما تراجعت معدلات النمو زادت نسب التضخم والبطالة والفقر والديون إلى مستويات قياسية، حسب تقارير رسمية. وأظهرت بيانات واردة في تقرير مشترك بين البنك الدولي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، في مايو/أيار الماضي، أن إجمالي الدين الخارجي للسودان يبلغ نحو 58 مليار دولار، النسبة الأكبر منه فوائد وغرامات تأخير.