"المستثمر المحتال"، صفة تلاحق "بي آر شيتي"، وهو اختصار لاسم بافاغوثو راغورام شيتي، رجل الأعمال والملياردير الهندي، مؤسس مجموعة "إن إم سي" للرعاية الصحية التي تعمل منذ عام 1985 في أبوظبي، والتي تدور حولها شبهات احتيال تقدر بمليارات الدولارات طاولت مصارف إماراتية وخليجية ودولية، إضافة إلى عدد من الشركات.
وشيتي، الذي فر من الإمارات إلى الهند بعد انكشاف تعثر مجموعته، هو أيضاً رئيس مجلس إدارة شركة الإمارات للصرافة، كما أنه مؤسس ورئيس مجلس إدارة Neopharma وFinablr وBRS Venture.
وتعرضت بنوك الإمارات لهذا الانكشاف، من مجموعة تسيطر تقريباً على القدرات الطبية في البلاد، بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا، ما يجعل الضربة مضاعفة، لتطاول المنظومة المصرفية من جهة، والطبية من جهة أخرى، وما لهذه الأزمة من تداعيات قد تكون سلبية على صحة السكان. وأبلغت الإمارات حتى الآن عن 1799 حالة إصابة بالفيروس التاجي الجديد، بما في ذلك 10 حالات وفاة.
وبدأت الأزمة المحيطة بشركة NMC Health Plc تتكشف منذ نهاية العام الماضي، وأكدت بنوك الإمارات العربية المتحدة (14 مصرفاً) تعرضها للانكشاف للشركة بأكثر من 2.736 مليار دولار، وفق حسابات وكالة "بلومبيرغ".
كذا، يطاول الانكشاف أكثر من 15 شركة إماراتية تعمل في مجالات العقارات والتأمين والاستثمار وغيرها. إذ يصل عدد ضحايا الشركة إلى 80 مؤسسة مالية محلية وإقليمية ودولية قامت بإقراضها أو بالدخول باستثمارات مشتركة معها.
وواصلت أسهم المقرضين للشركة في الإمارات تراجعها، ما يسلط الضوء على الكيفية التي تتراكم بها الأضرار الجانبية الناجمة عن انفجار شركة NMC والشركات الشقيقة. ومن المقرر،
يوم الخميس، أن تستمع محكمة بريطانية إلى سعي بنك أبوظبي التجاري لوضع NMC تحت يد السلطات في البلاد.
وقال رئيس مجلس الإدارة التنفيذي الجديد لشركة "إن إم سي هيلث"، فيصل بلهول، إن الشركة تواصل العمل عن كثب مع البنوك الدائنة بهدف التوصل إلى حلول قريباً. وأضاف بلهول، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، الأربعاء، أن الشركة تواصل العمل مع الجهات المعنية لملاحقة المخطئين من مجلس إدارة الشركة، وذلك بهدف إعادة جميع الأموال المختلسة وحماية حقوق المساهمين وتحقيق العدالة.
وقال جويس ماثيو، رئيس قسم أبحاث الأسهم في يونايتد سكيوريتيز في عمان: "يبدو أن هذه ستكون حلقة مؤلمة للغاية بالنسبة للبنوك. عندما يعاني الاقتصاد الإقليمي من تحديات الفيروس التاجي وانخفاض أسعار النفط وانخفاض أسعار الأصول، فإن الحجم الهائل لهذه التعرضات سيضيف المزيد من الضغط على ربحية هذه البنوك ويثقل كاهل أسهمها".
وقدر محللون في "سيتي غروب" أن تأثير عملية الاحتيال على البنوك الإماراتية الخمسة الأساسية سيبلغ حوالي 23% من أرباح 2020.
انكشاف واسع النطاق
ويبلغ انكشاف بنك أبوظبي التجاري على شركة NMC حوالي 1.163 مليار دولار، بينما كشف بنك دبي الإسلامي عن 541 مليون دولار كحجم تعرضه لشركة إن إم سي، بما يقرب
من نصف أرباحه السنوية.
وأعلن مصرف أبوظبي الإسلامي عن تقديم 291.4 مليون دولار للشركة، فيما لبنك NBD حوالي 203 ملايين دولار لدى الشركة، والبنك التجاري لدبي 150 مليون دولار، والبنك التجاري الدولي 115.9 مليون دولار.
وبنك الشارقة الوطني 78.8 مليون دولار، وعجمان بنك 41 مليون دولار، والمتحد 36.8 مليون دولار، والبنك التجاري الخليجي 30 مليون دولار، وراك بنك 27.3 مليون دولار، والبنك الوطني لأم القيوين 13.6 مليون دولار، وبنك المشرق 137 ألف دولار، فيما فيرست أبوظبي بنك هو الوحيد الذي لم يتعرض للانكشاف.
بالإضافة إلى البنوك المحلية، فإن المقرضين العالميين، بما في ذلك "HSBC هولدنغ"، و"جي بي مورغان"، وستاندرد شارترد"، لديهم أيضًا قروض كبيرة غير مسددة في الشركة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها. ويجري بعض المقرضين محادثات لتشكيل لجنة لمناقشة سبل استرداد الأموال، وفق "بلومبيرغ".
كذا، أعلن بنك الكويت الوطني، أمس الثلاثاء، عن انكشافه على شركة NMC للرعاية الصحية الإماراتية بقيمة 91.3 مليون دولار، بعد إعلان بنك وربة، أمس، انكشافه بمبلغ 67 مليون دولار.
وفي البحرين، أعلن مصرف السلام-البحرين، والمصرف الخليجي التجاري، المدرج كل منهما في سوق دبي المالي، الأحد، عن قيمة انكشافهما على مجموعة إن إم سي. وبلغت قيمة انكشاف مصرف السلام على الشركة والشركات التابعة لها 44 مليون دولار.
وبخصوص انكشاف المصرف الخليجي التجاري، فقد أعلن أن قيمة انكشافه على مجموعة إن إم سي للرعاية الصحية والشركات التابعة لها بلغت 32.71 مليون دولار.
ديون غير معلنة
وشهدت شركة NMC المدرجة في لندن، والتي أسسها رجل الأعمال الهندي شيتي، انخفاض قيمة الأسهم، قبل تعليقها من التداول وسط مزاعم بالاحتيال نهاية العام الماضي.
وقد استقال معظم أعضاء الإدارة العليا منذ أن تم الكشف عن أكثر من 4 مليارات دولار من
الديون غير المعلنة. كما تم إسقاط الشركة من مؤشر فوتسي 100. وتبلغ القيمة السوقية للشركة 2.4 مليار دولار ومجموع الديون 6.6 مليارات دولار، وتواجه الشركة الآن تحقيقًا من قبل هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة.
وقال بنك أبوظبي التجاري، السبت، إنه تقدم بطلب إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة للسيطرة على الشركة، ما دفع الرئيس الجديد لشركة NMC للرد بأن مثل هذا الإجراء سيعرض الحياة للخطر حيث ينتشر الفيروس التاجي في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة. وبنك أبوظبي، الذي استعان ببنك الاستثمار Lazard Ltd لإدارة الملف، يؤكد أن مجموع تعرضه لـNMC وFinablr Plc اللتين يمتلكهما الملياردير الهندي، بلغ 1.16 مليار دولار.
وطلب بلهول الصبر من الدائنين، سعيًا إلى التوقف عن سداد الديون لإعطاء الشركة الوقت لإعداد خطة استرداد. وفي بيان لاحق، قال إنه منفتح على إضافة أفراد إلى مجلس الإدارة على النحو الذي أوصى به مصرف أبوظبي التجاري والدائنون الآخرون.
وقال ماثيو، من يونايتد سكيوريتيز للأوراق المالية: "من المدهش أن البنوك، بما في ذلك البنوك الأجنبية الكبرى، التي كانت تتمتع بوصول أفضل بكثير إلى البيانات المالية للشركة، قد أخذتها النشوة للاستثمار بشركة وصفت بأنها واحدة من أكبر قصص النجاح في الخليج، وكانت البنوك تتنافس للحصول على حصة من الكعكة".
سلطت الفضيحة الآخذة في الاتساع الضوء على البنك المركزي في البلاد، الذي اتخذ خلال الشهر الماضي خطوة نادرة في تولي السيطرة على شركة الإمارات للصرافة، التي ترتبط بشركة NMC من خلال مؤسسها شيتي عبر الملكية المشتركة. وقال أشخاص مطلعون على الوضع، الشهر الماضي، إن الإمارات للصرافة تخلفت عن سداد قروض أسعار صرف العملات الأجنبية بنحو 300 مليون دولار.
واستبدلت الإمارات، الأسبوع الماضي، محافظ البنك المركزي مبارك المنصوري، واختارت رئيسًا سابقًا لأكبر مقرض لها لتولي المنصب هو عبد الحميد سعيد، الذي كان مسؤولاً سابقًا عن بنك أبوظبي الأول.
كيف حصلت كل هذه العملية من دون تنبه الجهات الرقابية والنقدية في أبوظبي؟ سؤال تدور حوله تغريدة الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ولا يزال محط شكوك تورط مسؤولين في هذه الفضيحة.
وقال عبد الخالق في تغريدة على تويتر: "كيف استطاع رجل أعمال ومعه شركاء ومدراء في شركة خدمات طبية أن يخدع ليس بنكاً واحدا بل 12 من أكبر بنوك الإمارات، وينهب 6.6 مليارات دولار، أي نحو 24 مليار درهم. كيف حدث هذا التحايل والفساد الفاضح في غفلة من الجميع؟ اين الحوكمة والرقابة المالية والأمنية، وكيف نتأكد أن لا يتكرر هذا العبث مستقبلاً".
عودة إلى الملياردير الهندي "بي آر شيتي"، وانكشاف الفضيحة. في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصدرت شركة "مودي واترز"، التي أسسها السمسار كارسون بلوك، تقريراً انتقد شركة NMC Health التابعة للملياردير.
قال التقرير إن "الهوامش المالية لشركة (أن أم سي) بدت أفضل من أن تصدق"، مقارنة بغيرها من الشركات الإمارتية الأخرى، كما ذكر التقرير بعض عمليات شراء الأصول وأرصدة الشركة النقدية، فضلاً أن أنه شكك في استقلالية أعضاء مجلس إدارة شركة NMC، وعلاقاتهم بشركة Ernst &Young التي تراجع حساباتهم القانونية.
شرح التقرير: "تضاعف التعويض التنفيذي ثلاث مرات تقريبًا خلال عامين ليصل إلى 18.7 مليون دولار سنويًا، كما حولت جهات داخلية كميات كبيرة من الأسهم إلى نقود".
ورغم طعن شركة NMC المدرجة في بورصة لندن، بمصداقية التقرير الذي وصفته بأنه "زائف ومضلل"، إلا أن هذا لم يساعد في وقف انخفاض قيمة أسهمها، التي وصلت إلى أدنى معدلاتها منذ إدراجها الأول عام 2012. أورد موقع "فوربس" في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي خبراً يؤكد أن شيتي خسر أكثر من 500 مليون دولار بعد التقرير.
كما انخفضت أسهم شركة Finablr القابضة لجميع شركات الملياردير "بي آر شيتي"، بما في ذلك شركتا ترافيليكس وUnimoni (الإمارات العربية المتحدة للصرافة سابقًا)، بنسبة 18%، نتيجة للتقرير.
وزاد حجم شركة NMC Health سريعًا بزيادة حجم الأصول في السنوات الأخيرة في عدد من الأسواق، من بينها الهند والمملكة العربية السعودية، وفق فوربس. وفي الداخل، كانت هناك موجة من الطلب على مرافق الرعاية الصحية، لذا استحوذ الملياردير على سلاسل عيادات صحية لتوسيع شبكته.
وفقًا لتقديرات فوربس، انخفضت ثروة شيتي لتصبح 2.5 مليار دولار، منذ 8 فبراير/شباط 2019، والتي كانت تقدر بمبلغ 2.8 مليار دولار.