حرب أباطرة المال الجارية الآن بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ وحليفه الروسي فلاديمير بوتين إلى أين ستفضي بالعالم، وهل ستحل مشكلة العجز التجاري الأميركي كما يعتقد الرئيس الأميركي؟
من واقع تجارب حروب العملات السابقة التي خاضتها واشنطن، فإن هذه الحروب عادة ما تؤدي إلى التدمير الاقتصادي، ولكنها لن تؤدي إلى خفض العجز التجاري الأميركي مع الدولة المستهدفة بحرب العملات.
وهذا ما حدث تحديداً مع اليابان في السبعينيات من القرن الماضي حينما استهدفتها أميركا وشنت حرباً على عملتها الين، كما حدث الشيء نفسه مع الصين في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي حينما استهدفت واشنطن "اليوان الفضي" وانتهت بتدمير الاقتصاد الصيني وقتها.
فأميركا قوة مالية جبارة من الصعب التغلب عليها في عالم المال وتجارة العملات، وإن تراجعت إلى حد ما خلال هذا العقد بسبب التمدد الصيني، ولكن لا تزال تملك مفاتيح لعبة الأسواق وأدواتها وتحديد أسعار الصرف العالمية. حيث يحوز الدولار على نسبة تفوق 62 من احتياطات المصارف المركزية في العالم، وهو عملة الملاذ الآمن في الأزمات المالية، كما أنه عملة التسوية التجارية الأولى المهيمنة في العالم.
اقــرأ أيضاً
كما لا يزال النفط الذي يستهلك العالم منه 100 مليون برميل يومياً يباع بالدولار وكذلك حجم كبير من الذهب. يضاف إلى ذلك أن البنوك الأميركية هي المحرك الأول للأسواق بيعاً وشراءً وقروضاً. ومن هذا المنطلق يبدو من الصعب التغلب عليها في حرب العملات، كما يبدو الطريق طويلاً ووعراً أمام الصين لمناطحة أميركا في عالم المال وأسواق الصرف.
في الآونة الأخيرة، تحولت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بسرعة من الرسوم الجمركية إلى حرب عملات، ومن غير المعروف إلى أي حرب ستفضي في المستقبل وسط بؤر الاحتكاك العسكرية الساخنة في العالم.
فهنالك خطة أميركية في فنزويلا لتغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو الاشتراكي لم تثمر بعد، وهنالك مفاوضات لنزع الأسلحة الذرية في كوريا الشمالية لم تنزع بعد، كما أن هنالك توترا عسكريا بين واشنطن وإيران يبحث عن تسوية وليس مواجهة. وكل هذه النزاعات ربما تفضي إلى حرب غير مقصودة تكون نتيجتها كارثية بالنسبة للعالم.
على صعيد حرب العملات التي أشعلها تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، حينما قررت وزارة الخزانة الأميركية وضع الصين في خانة "الدول المتلاعبة بالعملة"، تراجعت العملة الصينية (اليوان) بشكل حاد، وهو ما اضطر البنك المركزي الصيني لتثبيت سعر صرف اليوان بهامش تأرجح حول 7 يوان للدولار.
وأثار البروفسور ستيف أتش هانك، من جامعة جون هوبكنز الأميركية، في مقال نشره بمجلة فوربس الأسبوع الماضي، السؤال المحير حول من هو المتلاعب حقيقة باليوان، بكين أم واشنطن، حيث إن سعر صرف اليوان مرتبط عملياً بالدولار وليس العكس، كما أثار سؤالاً آخر حول ما إذا كانت حرب العملات ستحقق هدف الرئيس ترامب الرامي إلى خفض عجز الميزان التجاري مع الصين؟
ورغم أن خفض سعر صرف عملة دولة ما مقابل عملة دولة أخرى منافسة تجارياً يمنح ميزة تنافسية لبضائع الدولة صاحبة العملة المنخفضة في أسواق التجارة العالمية. وفي هذه الحال، فإن خفض قيمة الدولار مقابل اليوان أو إجبار الصين على رفع سعر صرف اليوان مقابل الدولار يجب أن يترجم من الناحية النظرية في زيادة الصادرات الأميركية للسوق الصيني مقابل تراجع الواردات الأميركية من السلع الصينية في السوق الأميركي.
إلا أنه من الناحية العملية يرى البروفسور هانك أن إجبار الصين على رفع قيمة اليوان مقابل الدولار ربما لن يقود إلى خفض العجز التجاري الأميركي. ويقول إن لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من حرب العملات في آسيا، أشهرها مع اليابان.
كما سبق أن حاربت أميركا "اليوان الفضي" الصيني في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ولكن تحت غطاء آخر غير حرب العملات وإنما تحت غطاء مساعدة القوة الشرائية في الصين ولمصلحة رفع أسعار الفضة. وكان ذلك على أيام الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت.
وقتها كان اليوان الصيني مقيماً بالفضة، فيما كان الدولار مقيماً بالذهب. وكان الهدف الأميركي المعلن رفع سعر الفضة حتى يرتفع تبعاً لذلك سعر صرف اليوان، وبالتالي تتراجع حصة الصادرات الصينية للولايات المتحدة ويتحسن الميزان التجاري مع الصين.
وفعلاً ارتفع اليوان بمعدل حاد مقابل الدولار. وكانت نتيجة ذلك حدوث كساد كبير في الاقتصاد الصيني، حيث انكمش حجم الاقتصاد الصيني بنسبة 26% بين أعوام 1932 و1934، كما تراجعت أسعار الجملة في العاصمة الصينية بكين بنسبة 20%.
ويلاحظ أن حرب العملات هذه نجحت في محاصرة الاقتصاد الصيني وتحويل العجز التجاري مع الصين إلى فائض.
ولكن هل تتمكن الولايات المتحدة من تكرار التجربة، فالصين في الثلاثينيات من القرن العشرين ليست الصين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟ حيث إن لدى الصين الآن منافذ تجارية واسعة في العالم عبر مبادرة "الحزام والطريق" وشبكة الاستثمارات والطريق التي أسست لها خلال السنوات الماضية في أكثر من 60 دولة. كما أن لدى الصين احتياطات بالعملات الصعبة تفوق 3 ترليونات دولار.
أما التجربة الثانية لحرب العملات، فكانت مع اليابان في بداية السبعينيات على عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، حينما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن اليابان دولة متلاعبة بالين وتطبق ممارسات غير عادلة في التجارة وتبعاً لهذه الممارسات ارتفع الفائض التجاري الياباني مع الولايات المتحدة.
وبالتالي قررت واشنطن إجبار طوكيو على رفع سعر صرف الين. وفعلاً تمكنت واشنطن من الضغط على طوكيو وارتفع سعر صرف الين من 360 يناً في العام 1971 مقابل الدولار إلى 80 يناً في العام 1995. (الدولار حالياً يساوي 106 ينات).
وكانت النتيجة كارثية على اليابان، حيث أدى ذلك إلى ركود الاقتصاد الياباني. ولكن على الصعيد الأميركي، لم ينخفض العجز التجاري الياباني مع أميركا، حيث ارتفع العجز التجاري مع اليابان إلى 60% من إجمالي العجز التجاري الأميركي. وبالتالي فإن النتيجة النهائية لحرب العملات في الغالب قد تؤدي إلى تحطيم الاقتصادات ولكنها قد لا تحل مشكلة العجز التجاري، كما يشير البروفسور هانك.
من واقع تجارب حروب العملات السابقة التي خاضتها واشنطن، فإن هذه الحروب عادة ما تؤدي إلى التدمير الاقتصادي، ولكنها لن تؤدي إلى خفض العجز التجاري الأميركي مع الدولة المستهدفة بحرب العملات.
وهذا ما حدث تحديداً مع اليابان في السبعينيات من القرن الماضي حينما استهدفتها أميركا وشنت حرباً على عملتها الين، كما حدث الشيء نفسه مع الصين في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي حينما استهدفت واشنطن "اليوان الفضي" وانتهت بتدمير الاقتصاد الصيني وقتها.
فأميركا قوة مالية جبارة من الصعب التغلب عليها في عالم المال وتجارة العملات، وإن تراجعت إلى حد ما خلال هذا العقد بسبب التمدد الصيني، ولكن لا تزال تملك مفاتيح لعبة الأسواق وأدواتها وتحديد أسعار الصرف العالمية. حيث يحوز الدولار على نسبة تفوق 62 من احتياطات المصارف المركزية في العالم، وهو عملة الملاذ الآمن في الأزمات المالية، كما أنه عملة التسوية التجارية الأولى المهيمنة في العالم.
في الآونة الأخيرة، تحولت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بسرعة من الرسوم الجمركية إلى حرب عملات، ومن غير المعروف إلى أي حرب ستفضي في المستقبل وسط بؤر الاحتكاك العسكرية الساخنة في العالم.
فهنالك خطة أميركية في فنزويلا لتغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو الاشتراكي لم تثمر بعد، وهنالك مفاوضات لنزع الأسلحة الذرية في كوريا الشمالية لم تنزع بعد، كما أن هنالك توترا عسكريا بين واشنطن وإيران يبحث عن تسوية وليس مواجهة. وكل هذه النزاعات ربما تفضي إلى حرب غير مقصودة تكون نتيجتها كارثية بالنسبة للعالم.
على صعيد حرب العملات التي أشعلها تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، حينما قررت وزارة الخزانة الأميركية وضع الصين في خانة "الدول المتلاعبة بالعملة"، تراجعت العملة الصينية (اليوان) بشكل حاد، وهو ما اضطر البنك المركزي الصيني لتثبيت سعر صرف اليوان بهامش تأرجح حول 7 يوان للدولار.
وأثار البروفسور ستيف أتش هانك، من جامعة جون هوبكنز الأميركية، في مقال نشره بمجلة فوربس الأسبوع الماضي، السؤال المحير حول من هو المتلاعب حقيقة باليوان، بكين أم واشنطن، حيث إن سعر صرف اليوان مرتبط عملياً بالدولار وليس العكس، كما أثار سؤالاً آخر حول ما إذا كانت حرب العملات ستحقق هدف الرئيس ترامب الرامي إلى خفض عجز الميزان التجاري مع الصين؟
ورغم أن خفض سعر صرف عملة دولة ما مقابل عملة دولة أخرى منافسة تجارياً يمنح ميزة تنافسية لبضائع الدولة صاحبة العملة المنخفضة في أسواق التجارة العالمية. وفي هذه الحال، فإن خفض قيمة الدولار مقابل اليوان أو إجبار الصين على رفع سعر صرف اليوان مقابل الدولار يجب أن يترجم من الناحية النظرية في زيادة الصادرات الأميركية للسوق الصيني مقابل تراجع الواردات الأميركية من السلع الصينية في السوق الأميركي.
إلا أنه من الناحية العملية يرى البروفسور هانك أن إجبار الصين على رفع قيمة اليوان مقابل الدولار ربما لن يقود إلى خفض العجز التجاري الأميركي. ويقول إن لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من حرب العملات في آسيا، أشهرها مع اليابان.
كما سبق أن حاربت أميركا "اليوان الفضي" الصيني في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ولكن تحت غطاء آخر غير حرب العملات وإنما تحت غطاء مساعدة القوة الشرائية في الصين ولمصلحة رفع أسعار الفضة. وكان ذلك على أيام الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت.
وقتها كان اليوان الصيني مقيماً بالفضة، فيما كان الدولار مقيماً بالذهب. وكان الهدف الأميركي المعلن رفع سعر الفضة حتى يرتفع تبعاً لذلك سعر صرف اليوان، وبالتالي تتراجع حصة الصادرات الصينية للولايات المتحدة ويتحسن الميزان التجاري مع الصين.
وفعلاً ارتفع اليوان بمعدل حاد مقابل الدولار. وكانت نتيجة ذلك حدوث كساد كبير في الاقتصاد الصيني، حيث انكمش حجم الاقتصاد الصيني بنسبة 26% بين أعوام 1932 و1934، كما تراجعت أسعار الجملة في العاصمة الصينية بكين بنسبة 20%.
ويلاحظ أن حرب العملات هذه نجحت في محاصرة الاقتصاد الصيني وتحويل العجز التجاري مع الصين إلى فائض.
ولكن هل تتمكن الولايات المتحدة من تكرار التجربة، فالصين في الثلاثينيات من القرن العشرين ليست الصين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟ حيث إن لدى الصين الآن منافذ تجارية واسعة في العالم عبر مبادرة "الحزام والطريق" وشبكة الاستثمارات والطريق التي أسست لها خلال السنوات الماضية في أكثر من 60 دولة. كما أن لدى الصين احتياطات بالعملات الصعبة تفوق 3 ترليونات دولار.
أما التجربة الثانية لحرب العملات، فكانت مع اليابان في بداية السبعينيات على عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، حينما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن اليابان دولة متلاعبة بالين وتطبق ممارسات غير عادلة في التجارة وتبعاً لهذه الممارسات ارتفع الفائض التجاري الياباني مع الولايات المتحدة.
وبالتالي قررت واشنطن إجبار طوكيو على رفع سعر صرف الين. وفعلاً تمكنت واشنطن من الضغط على طوكيو وارتفع سعر صرف الين من 360 يناً في العام 1971 مقابل الدولار إلى 80 يناً في العام 1995. (الدولار حالياً يساوي 106 ينات).
وكانت النتيجة كارثية على اليابان، حيث أدى ذلك إلى ركود الاقتصاد الياباني. ولكن على الصعيد الأميركي، لم ينخفض العجز التجاري الياباني مع أميركا، حيث ارتفع العجز التجاري مع اليابان إلى 60% من إجمالي العجز التجاري الأميركي. وبالتالي فإن النتيجة النهائية لحرب العملات في الغالب قد تؤدي إلى تحطيم الاقتصادات ولكنها قد لا تحل مشكلة العجز التجاري، كما يشير البروفسور هانك.